عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-06-2010, 02:06 PM   #10
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

النمطية.. وتراكم الخبرات

يحمل الكثير من العائلات أسماءً تخص مهنة بعينها، ففلان الحداد وفلان القاضي والنجار والبزاز والباججي والعوَّاد والسمَّاك والمُنَجِّد الخ. وقد يكون جد هذه العائلة يمتهن المهنة التي أخذت العائلة اسمها منه، وقد يبقى كل أفراد العائلة يمتهنون مهنة جدهم الأول. فيبقى (الحلواني) ينجب أولاداً يصنعون الحلوى ويتكاثرون وتتكاثر معهم فروع محلاتهم. وقد يتخصص بعضهم في الاسم فيصبح (كنفاني) أي من يصنع الكنافة.

إن هذا النوع من التنميط للمهن له دورٌ في تطوير تلك المهن واكتساب المهارات السريعة في إنجاز كميات أكبر منها في وقت أقل وسرعة أكبر وكلفة أقل. فلا يصلح (هاوٍ) يأخذ منه صناعة طبق من الفول كل نهاره حتى ينقعه ويغسله وينقيه ويقشره ويدق بعض الثوم ويعصر بعض الليمون وإضافة المنكهات، وهو يوسخ العديد من الأواني وقد يجرح أصبعه وهو يمارس هوايته، لا يصلح لتلبية حاجات حي يتناول إفطاره في بحر ساعة أو ساعتين من الصباح، في حين أن بعض المحترفين يقدرون على ذلك بسهولة ودون الإخلال بنوعية ما يقدمونه لزبائنهم.

التنميط في الشركات العملاقة

في اليابان مثلاً، يسودُ عرفٌ بين شركات صناعة السيارات، بأن الشركة لن تستقبل عاملاً فنياً أتى من شركة أخرى دون رغبتها، فبالرغم من العمال الفنيين يستخدمون الآلات الحديثة فإن من يبدأ حياته في شد (براغي) الإطارات لن يغادر هذا الصنف من العمل الى غيره حتى تقاعده، فلا يُنقل لشد أسلاك الكهربائيات ولا يذهب الى قسم الدعاية ولكن يبقى في ما بدأه بحياته المهنية، فهذا التنميط سيجعله ينجز عدداً أكبر من شد البراغي في شكل أكثر متانة ووقت أقل، وهنا سيدعم القاعدة الاقتصادية التي يعمل بها.

تجربة تم تطبيقها في الزراعة

في الدراسة التي تمت في محطة بحوث بستنة نينوى على عمال المشاتل مثلاً، وُجد أن العامل ينجز تطعيم 300 شتلة يومياً، ونسبة نجاحها 90%، ولكنه يبقى في دوامه 9 ساعات (ثمانية للعمل وواحدة للاستراحة). فكان المقترح الذي يُطرح على العاملات والعاملين. أعطونا 350 شتلة مطعمة بنجاح 90% ثم اذهبوا الى بيوتكم. ويُحبذ أن تبكروا في دوامكم حتى تكون ساعات الصباح الباردة ملائمة أكثر لنجاح الطعوم.

كانت المفاجأة أن العمال أنجزوا ما طُلب منهم بأكثر من ساعة بقليل من الدقائق، وكانوا يذهبون قبل الدوام الرسمي للموظفين والإدارة، وكانت المفاجأة الأكبر أن نسبة النجاح اقتربت من 100% بعد تفقد الشتلات بعد مرور ثلاثة أسابيع. والسبب يعود في ذلك لتركيز العمال فيما طُلب منهم وما ينتظرهم من ساعات نهار طويلة يكونون فيها أحراراً، بالإضافة الى أن التطعيم كان في ساعات النهار الأقل حرارة.

أثر التنميط في صياغة القوانين

عندما لا يرتاح أحد العمال بعمله، فإنه سيغيره الى عمل آخر، وهذا أمرٌ يبدو للوهلة الأولى أنه عاديٌ وغير مُضر، وأعرف أشخاصاً ـ وغيري يعرف ـ قد تنقلوا في حياتهم بين ستة أو عشرة أنواعٍ من المهن والأعمال. فتجده اليوم عامل بناء (كونكريت) وبعدها قد يشتغل في تمديد إسالة المياه وبعدها قد يعمل صباغاً، أو يتركه ليقلي (الفلافل) أو يهاجر لغير رجعة الخ.

هذا ليس مقتصراً على العمال غير المهرة، بل يتعداه الى الجامعيين، وقد سبق وكتبنا عن مهندس ميكانيكي انتظر دوره في الوظيفة حوالي خمس سنوات، عمل خلالها بائعاً للبطيخ في الصيف وصاحب مشتل ومتعهد حفلات أعراس.

إن الابتعاد عن التنميط وتغيير المهنة يؤدي الى ما يلي:

1ـ تقطع الخبرة وعدم تراكمها ليتم تذخيرها لصالح المهنة وصالح القاعدة الاقتصادية والاقتصاد الشخصي والوطني.

2ـ فصل العلم والمعرفة عن الامتهان والحالة الإجرائية للعمل، فأن يدرس أحدهم اللغة الإنجليزية ـ الترجمة الفورية، ويفتح محلاً لخياطة الملابس، فلا علاقة بين علمه وعمله.

3ـ عدم الدفاع عن المهنة، بل تركها عندما لا تلبي حاجة صاحبها سيؤدي الى اندثار من يمتهنون بها ويجعل سوقها متذبذباً بين الارتفاع المبالغ فيه بالأجر الذي يتقاضاه من يمتهنها، وبين رداءة النوعية في نتاجها.

4 ـ الابتعاد عن المهنة سيجعل الكُتاب والمشرعين لا يولونها اهتماماً كبيراً وبزوالها سيختل سوق العمل وستختل معه القاعدة الاقتصادية.

5 ـ الابتعاد عن المهنة، سيجعل من سوق العمل باباً واسعاً للعمالة الوافدة لتغطية النقص في ذلك السوق.

ما السبيل الى التمسك بالمهنة؟

يبدأ السبيل الى ذلك، بتأسيس نقابات أو روابط (جمع رابطة) ترعى سوق العاملين بالمهنة، وتنظم علاقاتهم، وتلتقي بالمرشحين للانتخابات البرلمانية لتسمع صوتها وتملأ الفضاء الذهني بمطالبها.

وعند تقديم مسودات لقوانين تهتم بتلك المهنة، لا بد لممثلي تلك المهنة من الحضور والمناقشة الجاهزة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس