عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-11-2009, 09:46 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ثالثاً: مراحل الوحدة

المرحلة الأولى (1967ـ 1972)

شكل قيام الوحدة اليمنية مطلباً شعبياً في كلا شطري اليمن، إلا أنه من الواجب القيام ببعض المهمات لانطلاق مسيرة الوحدة بصيغتها الرسمية، وتمثل ذلك بوجوب الانتهاء من تركة الماضي الثقيلة، والتي تمثلت بالحرب الأهلية التي نشبت بين الملكيين والجمهوريين في الشطر الشمالي في الفترة 1962ـ1970*1.

في حين سعى الشطر الجنوبي الى تحقيق الاستقلال عن بريطانيا، وهو ما بثورة 14/10/1963، وتم تتويجه بإعلان الاستقلال في 30/11/1967، ثم تلت ذلك مرحلة من عدم الاستقرار بسبب الصراعات الداخلية في عدن، كما كان للحرب الأهلية في الشطر الشمالي انعكاساتها على الوضع في الشطر الجنوبي*2. ومع انتهاء عقد الستينات بدا وكأن الأمور تميل للاستقرار، وهو ما سمح بالانطلاق الرسمي للوحدة اليمنية*3

يمكن القول أن شطري اليمن ورثا ظروفاً سياسية وفكرية واجتماعية مختلفة، بل ومتباينة، ففي الجنوب كان الانفتاح الفكري الذي رافق مرحلة الكفاح المسلح قد خلق وضعاً مختلفاً عن وضع الشطر الشمالي الذي كان منغلقاً ومتأثراً بعصر الإمامة، فبين فضاء ذهني من هذا النوع وفضاء ذهني متصف بالماركسية بون شاسع.

ومع ذلك، فلم يكن أي من الشطرين صافياً في لونه ورؤيته، مما خلق وضعاً تخرج من كل شطر جيوب تقاتل معارضيها بالسلاح. وقد طرحت الجبهة القومية رؤيتها في وجوب تطوير الوضع في الشطر الشمالي ليكون متقاربا مع الوضع في الجنوب.

أدت الخلافات في وجهات النظر الى نشوب حرب بين الشطرين في شباط/فبراير 1972، واستمرت معاركها حتى أيلول/سبتمبر 1972، حين نجحت الجامعة العربية في إيقاف الحرب بقرارها رقم 2961، والذي طالب باستئناف المسيرة من أجل الوحدة.

المرحلة الثانية (1972ـ 1979)

اجتمع وفدا الشطرين في القاهرة برئاسة كل من علي ناصر محمد*4 رئيس وزراء اليمن الجنوبي ومحسن أحمد العيني*5 رئيس وزراء اليمن الشمالي. وقبل التطرق الى اتفاقية القاهرة نشير بإيجاز، الى المشاريع التي تقدم بها كل طرف، فالمشروع اليمني الجنوبي: أكد وحدة الأرض والشعب، واعتبر فتح الحدود ووقف الأعمال العسكرية والحملات الإعلامية وإيجاد أرضية مشتركة للتعاون، ومقدمات أولية لتهيئة الظروف الملائمة لبناء دولة الوحدة، وتشكيل مجلس يمني أعلى يضم قادة الشطرين من أجل توحيد السياسات، وإنشاء لجان فنية لوضع آليات دستورية مشتركة.

في حين طالب الشطر الشمالي بالإعلان الفوري للوحدة، وتشكيل لجان لدمج المؤسسات، وإعداد مسودة دستور مشترك لتصادق عليها السلطتان التشريعيتان، ثم يعرض على الشعب في استفتاء عام*6.

ويلاحظ، أن المشروعين متباينان، فالجنوب يريد تهيئة الظروف لمعرفته بعدم التلاؤم الفكري بين الطرفين، والشمالي يريد وحدة فورية. ولكن هذا التباين لم يمنع الطرفين من توقيع اتفاقية القاهرة في 28/10/1972، والتي أنهت حالة الحرب، وتألفت من 15 مادة، جاء في المادة الرابعة ضرورة اجتماع رئيسا الشطرين بعد شهرين من توقيع الاتفاقية.

وقد اجتمع كل من القاضي عبد الرحمن الإرياني*7 (عن اليمن الشمالي) و سالم ربيع علي*8 (عن اليمن الجنوبي) في طرابلس/ليبيا بحضور الرئيس القذافي وصدر بيان طرابلس في 28/11/1972وأهم ما جاء فيه:

1ـ يقيم الشعب اليمني دولة واحدة وتسمى الجمهورية اليمنية.
2ـ مدينة صنعاء، عاصمة الجمهورية اليمنية.
3ـ الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
4ـ اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة.
5ـ تهدف الدولة الى تحقيق الاشتراكية، مستلهمة من التراث الإسلامي وقيمه الإنسانية، وظروف المجتمع اليمني.
6ـ الملكية الخاصة مصونة، ولا تنتزع إلا وفقا للقانون وبتعويض عادل.
7ـ نظام الحكم في الجمهورية وطني ديمقراطي.
8ـ ينشأ تنظيم سياسي موحد، يضم جميع فئات الشعب المنتجة وتشكل لجنة مشتركة لوضع النظام الأساسي لهذا التنظيم

احتوى البيان على عبارات فضفاضة، لذلك تقدم كل من الطرفين بمقترحات تعكس قناعاته الأيديولوجية، فبين سالم ربيع علي صاحب الأفكار الشيوعية وبين القاضي الإرياني صاحب الطرق الدبلوماسية والخلفية الإسلامية بون شاسع، ومع ذلك استطاع الأخير بفضل لغته الرصينة ودبلوماسيته الفذة أن يصبغ البيان بصبغته.


وقد علق عبد الفتاح إسماعيل*9 على البيان بقوله ( إن الوحدة اليمنية ليست شعارا للاستهلاك الداخلي، بل ضرورة تفرضها الأحداث التي مر بها شعبنا اليمني، لكن مفهومنا للوحدة يختلف عن مفاهيم الأنظمة الرجعية العربية، التي لا تأخذ في الحسبان مصالح شعوبها).

ورغم الانتقادات فإن التواصل بين الطرفين استمر، ففي 15/2/1975 عقد رئيسا الشطرين: إبراهيم الحمدي*10 وسالم ربيع علي واتفقا على اتفاق لم يتم توقيعه بسبب اغتيال الحمدي قبل يوم من تاريخ التوقيع المتفق عليه.

وفي فترة تولي المقدم حسين الغشمي*11 الحكم في اليمن الشمالي، بدأت العلاقات بالتحسن، لكنه اغتيل في 24/6/1978 بواسطة حقيبة مفخخة حملها أحد اليمنيين الجنوبيين، فساد التوتر في العلاقات بين البلدين لتبدأ حربٌ جديدة بينهما في شباط/فبراير 1979.

يتبع


هوامش (من تهميش الباحث)

*1ـ تقسم الحرب الأهلية الى 3 مراحل، أولها (1962ـ1965) وتمثلت بتدخل السعودية لدعم الملكيين بمواجهة القوات الحكومية (الجمهورية) التي حظيت بدعم مصر والاتحاد السوفييتي والصين الشعبية. في حين تميزت المرحلة الثانية (1965ـ 1967) بالركود العسكري وبالمفاوضات ما بين المصريين والسعوديين، وانتهت المرحلة الثالثة (1967ـ 1970) بتوقيع اتفاقية صنعاء حزيران/يونيو 1970. للتفاصيل: أنظر ثورة 26 سبتمبر: دراسات وشهادات للتاريخ بمناسبة الذكرى الثلاثين لثورة سبتمبر ص(73ـ92).

*2ـ أنظر: محمد عمر الحبشي/ اليمن الجنوبي: سياسيا واقتصاديا واجتماعياً منذ 1937 وحتى قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية/ ترجمة: الياس فرح وخليل أحمد خليل/بيروت: دار الطليعة 1968

*3ـ عبد العزيز محمد الشعيبي/ الحياة السياسية اليمنية قبل الوحدة/ الجزيرة نت.
*4ـ ولد علي ناصر محمد في أبين في 31/12/1939، وانضم الى حركة القوميين العرب وتولى منصب الأمين العام للحزب الاشتراكي ومنصب رئيس مجلس الشعب الأعلى، أصبح رئيساً للوزراء في أكثر من فترة وتخلى عن المنصب في 14/2/1985، ثم أطيح به عقب أحداث 13/1/1986، ويقيم الآن في دمشق.

*5ـ ولد محسن العيني في صنعاء في 30/10/1932، شغل منصب وزير خارجية اليمن في عام 1965، وأصبح رئيساً للوزراء عام 1967.

*6ـ الكميم/ الوحدة اليمنية: دراسة سياسية في عوامل الاستقرار والتحديات/ صنعاء ـ جامعة صنعاء 1996/ ص 69ـ 70

*7ـ القاضي عبد الرحمن الإرياني: ولد في حصن أريان بمدينة بريم عام 1910، أصبح رئيساً للجمهورية بعد الانقلاب الذي أطاح بعبد الله السلال في 5/11/1967، ساهم في جهود الوحدة، واستقال من رئاسة الجمهورية في 13/6/1974، رحل الى دمشق وتوفي فيها في 14/3/1988، ودفن في صنعاء.

*8ـ سالم ربيع علي: شهرته (سالمين) من مواليد أبين في عام 1935، أصبح رئيساً لليمن الجنوبي عام 1969، اتهم بتدبير انقلاب عسكري فأعدم عام 1978.

*9ـ عبد الفتاح إسماعيل: ولد عام 1939، وهو رئيس جمهورية اليمن الجنوبي بين عامي 1978ـ 1980، وهو منظر الحزب الاشتراكي، استقال من جميع مناصبه في نيسان/أبريل 1980، وعاش في المنفى ثم عاد الى عدن ليتم اغتياله في أحداث 1986.

*10ـ إبراهيم الحمدي: ولد عام 1934، وهو الرئيس الثالث لليمن الشمالي بعد أن أطاح بانقلاب أبيض بالرئيس الإرياني في 13/6/1974، واغتيل في 11/11/1977.

*11ـ المقدم حسين الغشمي: ولد في ضواحي صنعاء عام 1941، لعب دورا في الانقلاب الأبيض فسرعان ما ترقى في الجيش ليصبح في النهاية نائباً للرئيس الحمدي. ليتم اغتياله في مفخخة في 24/6/1978.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس