عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 08:32 PM   #15
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

إن انحراف الممارسة التواصلية العادية وفقدان المعنى

والاضطراب الذي يطبع السلوك الإنساني الحديث تم بواسطة

السيطرة على العالم المعيش من طرف التقنية وإغراقه في

مستنقع العقلانية الأداتية والوظيفية. وإذا كانت وظيفة العقلانية

تسمح بنمو الإنتاج المادي في الميدان الاقتصادي وتنظيم

المجتمع في إطار الدولة. فإن المفارقة التي حدثت، أدت

بالأنساق والمنظومات الشبكية التي كانت موجهة لدعم ومساندة

الفعل التواصلي في لحم النسيج الاجتماعي إلى استعمار العالم

المعيش وتفتيت بناه وإفراغه من محتواه.

ينتقد هابرماس فلسفة الوعي (بشقيها الليبرالي والماركسي)

ويرسى منظور فلسفيا جديدا يقوم على التذاوت (أنا ـ أنت)

عماده اللغة والتفاعل، ما دام أن الذات في ظل أزمة الوعي

الحديث عاجزة عن مخاطبة العالم لوحدها، بل هي مرغمة على

الانفتاح على ذوات وطبقات أخرى. يجد هابرماس في نظرية

نيكلاس لوهمان الاجتماعية القدرة على وصف ما يمور به

عالمنا المعيش من أخطار وما يحيق به من دمار كامن في آلياته

تصبح فيه الذات فردا كانت أو طبقة عاجزة عن حل مشاكله.

فالعطب والتحلل اللذان أصابا القيم والمعاني المشتركة نتيجة

للتعارض القوي بين ما يحياه الفاعلون فعليا والأنساق، استفحل

من جراء المنظومات النسقية التي تهيمن على الإنسان

المعاصر وعالمه المعيش.

ونتيجة للعكسية التي لحقت المدارج التي كانت تحفظ لحمة

العالم المعيش، أصاب العطب أكثر المواضع الحيوية في حياتنا

اليومية:

أ– الرجة التي أصابت التقاليد الثقافية (المسؤولة على الوصل

بين الخلف والسلف ونقل المعاني والحقائق المتداولة بين أفراد

المجتمع).

ب– الاندماج الاجتماعي (انفراط عقد الجماعة الذي يكفل

خصوصا بناء الجماعة والتضامن بين أفرادها).

ت– التنشئة الاجتماعية أو الجمعنة ( التي تصهر على بناء

مقومات الهوية الشخصية والجماعية).

تشتمل حصيلة هذا الاعوجاج على:

-1 اضطراب المعنى وفقدان الشرعية وغياب التوجيه.

-2 الفوضى التي أصابت أواصر التضامن المنفرطة.

-3 عدم الشعور بالمسؤولية وظهور سلوكات مرضية

ونرجسية.

فوحدها عقلانية تواصلية تضع أمامها تحقيق التفاهم المتبادل

والتفاعل الحواري، يمكن لها أن تساعدنا في بلورة تفاعل

اجتماعي يعيد الحرارة في شرايين المجتمع المعطوبة.

والعقلانية التواصلية تعد المسلك البديل للمنطق الخانق الذي

يعتمر في العقلانية الأداتية:"الغاية تبرر الوسيلة"، وما ترتبت

فيه النسقية من تحويل حياتنا إلى حياة من دون طعم أو ذوق.

لذا لا يأنف هابرماس من التأكيد من جديد على مشروع الحداثة،

وهو بذلك يعارض بوثوق الشرذمة والانفلاقات العميقة التي

أصابت حياتنا من جراء التقنية. وهو يرى بأن مشروع الأنوار

ما زال قائما ولن تغني العلموية المتسلطة من الرجوع إليه إذا

ابتغينا المقاومة، بل ذهب أبعد ما يكون في تحليله للشروط التي

تمكننا من الوصول إلى تفاهم متبادل، بحيث يجب البحث عنه

في اللغة باعتبارها الإطار الذي يحدث فيه التواصل اللساني

ويمارس من خلاله الإنسان الفعل الاجتماعي.

يحاول هابرماس تأسيس شروط العقلانية بعيدا عن كل تصور

ميتافيزيقي لعقل خالص أو وعي مطلق باعتبار أن لا أحد يمتلك

الحقيقة المطلقة[20] أو معرفة جوهر الأشياء، لذلك يجنح لنقد

شديد لفكرة الذات باعتبارها مالكة الوعي والإرادة، ويستعيض

عنها بفكرة التذاوت القائمة على ما يقابلها في تفاعل أنا-أنت،

والتي تصبح من خلال الحوار والنقاش العقلاني المنطلق في

تأسيس حقائق متوافق بشأنها، بعدما استحال على الوعي

الذاتي امتلاك حقيقة واحدة ومطلقة.

وأخيرا يمكن إرجاع ينبوع التوافق إلى رؤية كونية من

المحسوب أن تتجسد في مجمل الحكايا الخاصة التي تثبت

جدارتها في امتحان البرهان، أي ما يتم القبول به والوصول إليه

بين المتحاورين.

تظهر فكرة التذاوتية السليمة ليس بحلول الأنا في أنت أو

العكس وإنما يرجى منها تكوين رؤية يكون أفقها التاريخي يشي

بمستقبل ما لحاضرنا، وهي لا أقل ولا أكثر من تصنيف شكلي

للشروط الضرورية لوجود حيوات ـ غير ممكن استباقها أو

التخمين بها ـ لا يجب أن تضيع أو تذهب سدى

لكن عملية التفاهم هاته (Intercompréhension)

تفترض أسسا عقلية، وهي نفس الأفكار المكونة لمفهوم

عقلانية عصر الأنوار وفي التراث الفلسفي. فالتواصل الناجح

الذي يصل إلى تفاهم المشاركين فيه وإجماعهم إجماعا عقليا

يفترض ذات مسؤولة صادقة وذات مصداقية .

فهذه الشروط أو الأسس السابقة على التواصل و المؤسسة

كذلك للتفاعل الاجتماعي ليست متعالية

Transcendentale كما يذهب إلى ذلك أستاذه وصديقه

"كارل أتو أبـل" (K.O.Apel) (1922- ...)، بمعنى أنها

كامنة في بنية قبلية في العقل الخالص ( العقل الناطق) بل في

التدوالية اللسانية (Pragmatique) أي لا تظهر إلا مع

عملية التواصل نفسها، وهي المحركة لهذه العملية.
__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس