عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-01-2008, 09:53 PM   #1
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي ومضة من عمر الكون

ولا يــوم الطـين


المكان : إشبيلية
الزمان : فترة ملوك الطوائف


كسائر كل ممالك الأندلس كانت إشبيلية تدفع الجزية لألفونسو السادس ملك قشتالة (أسبانيا) ..
أرسل "ألفونسو السادس" حاكم "قشتالة" وزيرًا يهوديًا على رأس وفد إلى إِشْبِيلِيّة لأخذ الجزية كالمعتاد، فذهب الوفد إلى المعتمد على الله بن عباد وحين أخرج له الجزية وجد الوزير اليهودي يقول له متبجحًا: إن لي طلبًا آخر غير الجزية، فتساءل (المعتمد على الله) عن هذا الطلب، وفي صلف وغرور وإساءة أدب أجابه الوزير اليهودي بقوله: إن زوجة "ألفونسو السادس" ستضع قريبًا، وألفونسو السادس يريد منك أن تجعل زوجته تلد في مسجد قرطبة.
تعجب المعتمد على الله وسأله عن هذا الطلب الغريب الذي لم يتعوده، فقال له الوزير اليهودي في ردّ يمثل قمّة في التحدي ولا يقل إساءة وتبجحًا عن سابقه: لقد قال قساوسة "قشتالة" لألفونسو السادس إنه لو ولد لك ولد في أكبر مساجد المسلمين دانت لك السيطرة عليهم.

وبنخوة كانت مفقودة قام المعتمد على الله وأمسك بالوزير اليهودي وقطع رأسه، ثم اعتقل بقية الوفد .. وكان الرد سريعا فقد تم حصار إشبيلية ..
أرسل ألفونسو السادس رسالة قبيحة أخرى إلى المعتمد على الله بن عباد يقول فيها: إن الذباب قد آذاني حول مدينتك، فإن أردت أن ترسل لي مروحة أروح بها عن نفسي فافعل.
يريد وبكل كبرياء وغرور أن يخبره أن أكثر ما يضايقه في هذا الحصار هو الذباب أو البعوض، أما أنت وجيشك وأمتك وحصونك فهي أهون عندي منه.
وبنخوة أخرى وفي ردّ فعل طبيعي أخذ "المعتمد على الله بن عباد" الرسالةَ وقلبها وكتب على ظهرها ردًا وأرسله إلى "ألفونسو السادس"...
لم يكن هذا الردّ طويلًا، إنه لا يكاد يتعدى السطر الواحد فقط، وما إن قرأه "ألفونسو السادس" حتى تَمَلّكهُ الخوف والرعب والفزع وأخذ جيشه، ورجع من حيث أتى .

قبل هذا التاريخ بأعوام ..
زوجة المعتمد بن عباد تنظر من الشرفة فترى الجوارى يلهون فى الطين .. فتاقت نفسها لهذا اللهو وسألت زوجها أن يسمح لها بمثله .. لكن كيف لزوجة الخليفة أن تلهو فى الطين .. فأمر لها بحوض كبير من المسك وخليط من سائر العطور مما يكلف ثروة باهظة .. فكان أشبه بالطين لكى تلهو فيه زوجة الخليفة ..

نعود للرسالة التى افزعت الفونسو .. أخذ المعتمد الرسالة وقلبها ثم كتب على ظهرها: والله لئن لم ترجع لأروحنّ لك بمروحة من المرابطين .
ثم لما لامه وزراؤه سوائر ملوك الاندلس من خطر المرابطين قال قولته الشهيرة :
لئن أرعى الإبل فى صحراء المغرب خيرا لى من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو .

لئن كنت مأكولا فكن أنت آكلى ** وإلا فأدركنى ولما أُمزق ِ

في سنة 478 هـ= 1085م وفي مراكش يستقبل يوسف بن تاشفين الوفد الذي جاء من قِبل بعض ملوك الطوائف - كما ذكرنا - يطلبون العون والمساعدة في وقف وصدّ هجمات النصارى عليهم، وإذا به رحمه الله يتشوّق لمثل ما يطلبون، حيث الجهاد في سبيل الله ومحاربة النصارى، فيالها من نعمة، ويالها من أمنية.
ما كان منه رحمه الله إلا أن انطلق معهم وبنحو سبعة آلاف فقط من المجاهدين، رغم أن قوته في الشمال الأفريقي مائة ألف مقاتل، وكان لديه في الجنوب خمسمائة ألف، وقد كان هذا ملمح ذكاءٍ منه؛ إذ لم يكن رحمه الله وهو القائد المحنك ليخرج ويلقِي بكل قواته في الأندلس، ويتحرك بعشوائية تاركًا وراءه هذه المساحات الشاسعة في شمال وجنوب أفريقيا بلا حراسة ولا حماية، ومن ثَمّ فقد رأى أن يظلّ أحد الجيوش رابضًا في تونس وآخر في الجزائر ومثله في المغرب وهكذا في كل البلاد الإفريقيه التي فُتحت.

وكانت الزلاقة أحد أروع الإنتصارات فى تاريخ المسلمين .. أبلى فيها بن عباد بلاءا حسنا وصبر صبرا شديدا فى خط المواجهة .. عاد على إثرها القائد المجاهد بن تاشفين تاركا كل غنائم الزلاقة لأهل الأندلس ..

كان حريا بعد هذا الموقف أن يستيقظ الأمراء وأولهم بن عباد على الخطر الصليبى .. وأن تتحد شوكتهم فى مواجهته .. وهو قائل مقولته الشهيرة .. إلا طباع تأصلت فى النفوس ..

بعد عودة يوسف بن تاشفين إلى أرض المغرب، حدثت الصراعات بين أمراء المؤمنين الموجودين في بلاد الأندلس بسبب الغنائم وتقسيم البلاد المحرّرة.
وهنا ضج علماء الأندلس وذهبوا يستنجدون بيوسف بن تاشفين من جديد، لا لتخليصهم هذه المرة من النصارى، وإنما لإنقاذهم من أمرائهم...
يتورّع يوسف بن تاشفين عن هذ الأمر، إذ كيف يهجم على بلاد المسلمين وكيف يحاربهم؟! فتأتيه رحمه الله الفتاوى من كل بلاد المسلمين تحمّله مسئولية ما يحدث في بلاد الأندلس إن هو تأخر عنها، وتحذّره من ضياعها إلى الأبد، وتطلب منه أن يضمها إلى أملاك المسلمين تحت دولة واحدة وراية واحدة، هي دولة المرابطين.
فجاءته الفتوى بذلك من بلاد الشام من أبي حامد الغزالي صاحب "إحياء علوم الدين"، وقد كان معاصرًا لهذه الأحداث، وجاءته الفتوى من أبي بكر الطرطوشي العالم المصري الكبير، وجاءته الفتوى من كل علماء المالكية في شمال أفريقيا.
لم يجد يوسف بن تاشفين إلا أن يستجيب لمطلبهم، فقام في سنة 483 هـ= 1090 م وبعد مرور أربعة أعوام على موقعة الزَلَّاقة، وجهّز نفسه ودخل الأندلس.
((الواقع يقول أن ابن تاشفين لم يطمع في الأندلس وتردد كثيرًا قبل العبور، وعف عن الغنائم بعد ذلك وتركها للمعتمد ولأمراء الأندلس ولم يأخذ منها شيئًا، وكان عودته، ثم يعود في الجواز الثاني بسبب اختلافات ملوك الطوائف، وتحالف بعضهم مع عدو الإسلام، وكان الجواز الثالث لوضع حد لمهزلة ملوك الطوائف، لقد آن - وباسم الإسلام - لهذه الدويلات الضعيفة المتناحرة المتحالف بعضها مع الأعداء أن تنتهي...))

كان زوال دولة بنو عباد حتمية .. مصير أى أمة تركت الجهاد وإتخذت مسلك الترف واللهو ..
وآن لكل من يقدح فى تاريخ المرابطين أن يكف لسانه عن دولة هى أروع ما أنجبته صحراء إفريقيا .. رحم الله يوسف بن تاشفين ..


جلست ذات يوم إمرأة المعتمد بعد زوال ملك بنى عباد بأعوام مع زوجها وبعد مشاجرة زوجية خفيفة قالت مقولة كل إمرأة لزوجها .. ما رأيت من خيرا قط .. فنظر لها بن عباد وقال : " ولا يوم الطين " .


__________________


آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 07-01-2008 الساعة 11:17 AM.
محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس