الموضوع: المعلقات العشر
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 01-05-2007, 01:56 AM   #29
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

وأنس الفوارس من بني عبس، عاش لبيد في قومه عيشة السادة يقري الضيف ويهرع للنجدة وينظم في الفخر والحكمة والوصف ترفع عن التكسب بشعره أخذ من المجد من أطرافه ففي شعره فخر عمرو بن كلثوم ودقة امرئ القيس وحكمة بن زيد.
عاش لبيد حتى الإسلام وكان أخوه أربد في وفد بني عامر على الرسول صلوات الله عليه وفد مع عامر بن الطفيل وقد عقدا العزم على الغدر برسول الله ولما فشلا في مبتغاهما قفلا عائدين فمات عامر وعرف عنه غدة كغدة البعير وموت في بني سلول وانحدرت صاعقة على إربد فقتلته وكان ذلك نتيجة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهما فجع لبيد بمقتل أخيه ورثاه رثاء مرا وأعلن إسلامه ثم توقف عن الشعر منذ أن أعلن إسلامه وكان يفتخر بتلاوة القرآن الكريم وحسن إسلامه وقد يكون في ساعات الفراغ عاد فنقح شعره ولهذا نرى المعاني الإسلامية داخلة في شعره الرثائي رغم أنه لم يقل شعرا في هذه الفترة إذ عاش في الإسلام ردحا من الزمن وتوفي في أيام خلافة معاوية بن أبي سفيان ومن هنا أتت نظرة الاستسلام لمشيئة الله في الموت وهو آخر أصحاب المعلقات وقد أربى عمره على المئة والأربعين سنة.
يعتبر لبيد الشاعر الذي يمثل السمات العربية في بلاد نجد في تلك الفترة فقد كانت مضارب بني عامر في نجد من وصف للصحراء.
ولكنه لم يستطع أن يجعل نفسه مدار الفخر كما فعل عنترة أو أن يرتفع في شعره الملحمي إلى عمرو بن كلثوم من مبالغة وافتخار فهو فارس واثق من نفسه وسيد من سادات قبيلته ولهذا نلحظ فيه خشونة البدوي في بيته، في صحرائه يعرو كلماته الجفاف وتسيطر عليها الغرابة وخاصة في شعره الوصفي وتمثلها المعلقة إما إذا أردنا رقة اللفظ فعلينا أن نقرأ شعره الرثائي والحكمي وهذا ليس مجال بحثنا الآن.
المعلقة هي المعلقة الرابعة بين المعلقات السبع فهو يأتي بعد امرئ القيس وطرفة وزهير حسب رأي النقاد في تلك الأيام ويأتي بعده عنترة وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة فهو واسطة العقد بين المعلقات وهذه هي المعلقات التي أجمع عليها النقاد في أدبنا القديم.
تمتاز هذه المعلقة بأنها تبدي الصراع بين الموت والحياة ويبدو الصراع بين البقرة وكلاب الصيد واضحا، وكأنه أمام إنسان يصارع الحياة وقد تجلت بهمومها وعذابها، هذا المصير الذي يجعله يتعلق بهموم الحياة خائفا من المجهول الذي يأتيه بعد الموت وهذا ما كان يقف عنده الإنسان الجاهلي إذ لم يكن لديهم الحساب والعذاب والنعيم في الدار الآخرة.
فالصراع بين الحياة والموت كصراع البقرة الوحشية وهي تدافع عن مصيرها أوليس الإنسان فردا يصارع كالبقرة الوحشية.
بهذا المعنى النفسي بنى قصيدته ولهذا كانت موضوعية أكثر من بقية المعلقات التي كانت تتناول موضوعات عديدة لا رابطة بينها.
إن لبيد هو بداية لذي الرمة الذي تابع الصراع في ديوانه ولم يجعل الموت ينتصر على الحياة ولا الحياة على الموت بل تركها تتذبذب بين الاستمرارية والفنا بين الأمل واليأس.
ومن هنا يبدو وصفه عميقا متقصيا لحياة البقرة وما يحيط بها.
وهو في قصيدته يمثل الحياة البدوية خير تمثيل ولو كان باحث ما يريد أن يبحث الحياة البدوية الجاهلية بما فيها من مشقات وأتعاب لكان عليه أن يدرس معلقة لبيد بن ربيعة العامري.
لبيد والمعلقة
وقال أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وكان يكنى أبا عقيل.
عفت الديار: محلها فمقامـهـا بمنى تأبد غولها فرجامـهـا
فمدافع الريان عري رسمـهـا خلقا كما ضمن الوحي سلامها
المدافع مجاري المياه في الأودية واحدها مدفع، ويقال هي الأودية نفسها متصلة بعضها ببعض، والريان اسم واد وقيل اسم جبل، ويقال عرى وعراي أي عري من أهله، فخلا رسمها أي أثرها خلقا أي قد خلق بعد حدوثه، والوحي جمع وحي وهو الكتاب والأصل الموحو فصرف عن المفعول إلى فعيل فأبدلت من الواو ياء ومثله حلي وحلي، والسلام جمع سلمة وهي الحجارة.
دمن تجرم بعد عهد أنيسـهـا حجج خلون حلالها وحرامها
الدمن جمع دمنة، وهو البعر والسرخين والرماد، وآثار الناس، وحلالها يعني به شهور الحل وحرامها شهور الحرم.
ويروى دمنا تجرم بالنصب على الحال من الديار والمنازل المذكورة.
رزقت مرابيع النجوم وصابهـا ودق الرواعد جودها فرهامها
أي رزقت هذه الدار: أي أمطرت. والمرابيع جمع مرباع وهي التي تنجم أول الربيع يعني الأمطار، ضرب به مثلا وصابها بمعنى أصابها بمطر، والرواعد: السحاب التي فيها رعد. جودها جمع رهمة وهي الأمطار اللينة.
من كل سارية وغاد مدجـن وعشية متجاوب إرزامهـا
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت بالجلهتين ظباؤها ونعامها
فعلا من العلو والارتفاع، والأيهقان: الجرجير البري، واحدتها أيهق وأيهقانة، وأطفلت بمعنى توالدت والجلهتان ما استقبلك من جانبي الوادي، ويقال الجلهة: ما انحبس عنه نبات الوادي والجمع الجلهات.
والوحش ساكنة على أطلائها عوذا تأجل بالفضاء بهامها
ويروى والعين: وهو بقر الوحش، واحدها أعين. أطلاؤها أولادها واحدتها طلاء وهي الصغيرة من أولاد الظباء والبشر وغيرها، ويستعمل في كل صغير. تأجل يتأجل آجالا وهو القطيع من البقر والظباء.
وجلا السيول على الطلول كأنها زبر تجد متونها أقـلامـهـا
جلا بمعنى كشف، تجد مأخوذة من الجد، متونها: أرسانها.
أو رجع واشمة أسف نؤورها كففا تعرض فوقهن وشامها
ومعنى أسف: أي أسف وذر والنؤور يتخذ من دخان الشحم يجعل فيه الإثمد، ويجعل على الموضع الذي ضرب بالإبرة فيخضر.
فوقفت أسألها وكيف سؤالها صما خوالد ما يبين كلامها
كيف أسأل من لا يفهم، خوالد: بواق لم تذهب آثارها، ولم تدرس فيذهل عنها، ما يبين كلامها أي ليس لها ما تنطق فيبين.
عريت وكان بها الجميع فأبكروا منها وغودر نؤيها وثمامـهـا
عريت: بمعنى خلت من أهلها، غودر ترك، النؤي الحواجز تجعل حول الخباء والخيمة ليمتنع عنها المطر ولا يلحقها الحر.
شاقتك ظعن الحي يوم تحملوا فتكنسوا قطنا تقر خيامهـا
شاقتك ظعن الحي ويروى القوم، ويروى تحدروا إذا دخلن عشية، الهوادج جمع هودج، والظعن جمع ظعينة، والأظعان كذلك، وهي النساء في الهوادج، وقطن فيها وجهان: أحدهما يربد به الأغشية من القطن وهي أبرد من الكتان والصوف. والوجه الآخر أراد القطن وهو الساكن في الدار مع صاحبها والخيام هنا: الهوادج، وتقر لجدتها لأن العتيق لا يقر.
من كل مخفوف يظل عصيه زوج عليه كلة وقرامهـا
هو الهودج قد حف بالثياب إذ أفرغت عليه، فأخذت بحفافه أي جانبيه عصي خشبية والكلة: الستر الرقيق، قرامها، غشاؤها ويقال القرام: الثوب يجعل تحت الرجل والمرأة فوق الفراش، فيجلسان عليه.
زجلا كأن نعاج توضح فوقها وظباء وجرة عطفا آرامها
أي جماعات، والنعاج البقرة الوحشية وجرة اسم موضع.
حفزت وزايلـهـا كـأنـهـا أجزاع بيشة: أثلها ورضامها
حفزت: سبقت ودفعت دفعة واحدة، ومعنى زايلها: فارقها، ودافعها وحركها، والأجزاع جمع جزع، والرضام: حجارة مرتفعة بعضها على بعض، وقيل الرضام: جبال الصغار.
بل ما تذكر من نوار وقد نأت وتقطعت أسبابها ورمامهـا
نوار اسم امرأة، ورمامها هي الحبال الضعاف التي قد خلقت أراد بذلك تقطع من جديد وصالها فهو خلق بمنزلة هذه الحبال.
مرية حـلـت بـفـيد وجـاورت أرض الحجاز فأين منك مرامها؟
مرية أي مرة وهي في محل نصب على الحال وقد جاز رفعها، وفيد اسم موضع بأرض الحجاز ويريد حجاز طي وهي قرية من قراهم ويروى بلحد الحجاز.
بمشارق الجبلين أو بمحجر فتضمنتها فردة، فرخامها
يعني جبلي طيئ، ومحجر بكسر الجيم وفتحها، تضمنتها نزلت بها، والفردة اسم مكان ورخامها أيضا، وقيل اسم موضع كثير الشجر.
فصوائق إن أيمنت فـمـظـنة فيها وحاف القهر أو طلخامها
صوائق اسم موضع أي يظن لهذه المواضع، وحاف يريد بذلك جمالا صغارا واحدتها وحفاء، وحفاء النهر اسم جبل ويقال موضع، أو طلخامها: اسم جبل ويقال موضع والطلخام أيضا الأنثى من ولد الفيلة، والذكر تربيل.
فاقطع لبانة من يعرض وصله ولشر واصل خلة صرامهـا
اللبانة: الحاجة ومعنى صرامها: قطاعها، قطاعها، والصرم القطع، والصريمة القطيعة، والصرام القطاع، ويروى: ولخير واصل، والمعنى خير الواصلين: من صرم من يستحق الصرم ومن كان عنده صرم الخلة فوصله شر وصل.
واحب المجامل بالجزيل وصرمه باق إذا ضلعت وزاغ قوامهـا
أي اعط المجامل وإن كان صرمه باقيا، ضلعت: تغيرت، وزاغ: مال. قوامها: استقامتها واستواؤها.
بطليح أسفار تركن بـقـية منها فأحنق صلبها وسنامها
تركن: الأسفار تركن بقية من ناقة سقيمة، فأخنق أي فأضمر، ولصق بالظهر صلبها وسنامها، ولا يقال حنق السنام إنما يقال ذهب إلا أنه حمله على المفيد لعلم السامعين.
فإذا تغالى لحمها وتحسـرت وتقطعت بعد الكلال خدامها
أي ارتفع، ويقال ذهب من غلا السعر، تحسرت: انحسر لحمها عن عظمها ويقال سقط وبرها، ويقال صارت جسيما وهي المعيبة، ويقال تجسرت من الجسرة والخدام السيور التي تشد من أرسانها على الخف واحدتها خدمة ويقال للخلخال خدمة
فلها هباب في الزمان كـأنـهـا صهباء راح مع الجنوب جهامها
الهباب: الإسراع في السير والوثوب فيه والنشاط به، والصهباء: هنا يريد به السحابة الصهباء اللون، والجهام السحاب الذي قد هرق ماؤه تدفقا فهو شديد السرعة.
أو ملمع وسقت لأحقـب لاحـه طرد الفحول وضربها وكدامها
الملمع من ذوات الحوافر التي ألمعت أطباؤها باللبن حتى تقارب أن تضع ما في أجوافها من سخائها، والأطباء الضروع، وسقت أي جمعت، والأحقب الحمار الذي في حقيبتيه بياض ومعنى لاحه أي غيره، واللوح: العطش، وضربها أي ضربها بيديها ورجليها والكدم العض.
يعلو بها حدب الإكام مسحجا قد رابه عصيانها ووحامها
يعلو الحمار بالأتان، والحدب ما ارتفع من الأرض، مسحجا نصب على الحال والمسحج المع، يقول هذا الحمار إذا نهق كأن عودا في فمه تعرض.
ووحامها على وجهين أحدهما أن تشتهي الحبلى على حبلها الأكل، والآخر أن تشتهي الحبلى على حبلها الجماع والوحام والشهوة، فإذا اشتهت على حملها قيل: قد توحم وحما والمصدر الوحام، ووحمت توحم وحما ووحاما بكسر الواو إذا اشتهت الفحل وكل حامل تمتنع عن الفحل إلا الإنس.
بأجزة الثلبوت يربأ فوقـهـا قفر المراقب، خوفها آرامها
الأحزة جمع حزيزة وهو ما غلظ من الأرض، ويقال أحزه وحزات والثلبوت اسم موضع ويقال هو ماء لذبيان.
يربأ: يعلو، المراقب: المواضع المرتفعة، ينظر من يمر بالطريق، والآرام جمع إرم وهو العلم من الحجارة ينصب على الطريق ليهدي بها.
حتى إذا سلخا جمـادى سـتة جزءا فطال صيامه وصيامها
يريد الحمار والأتان أي استكملا أيامهما ويروى جمادى كلها جزءا.
رجعا بأمرهما إلى ذي مـرة حصد ونجح صريمة إبرامها
أي رجعا إلى الحشيش.
ورمى دوابرها الشفاء وهيجـت ريح المصايف سومها وسهامها
ويروى ريح الشقائق.
فتنازعا سبطا يطير ظـلالـه كدخان مشعلة يشب ضرامها
أي خلطت بنبت كثير الشوك.
فمضى وقدمها وكانـت عـادة منه إذا هي عردت إقدامهـا
فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامـهـا
قلامها نبت قيل هو القصب.
ومحففا وسط اليراع يظلـه منها مصرع غابة وقيامها
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس