عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-01-2011, 11:16 AM   #14
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

4- آليات تحقيق الديمقراطية وتعزيزها


ولتحقيق الديمقراطية، ثمة آليات من شأنها أن تهيّئ الشروط التحتية لإشاعة الثقافة والقيم الديمقراطية في المجتمع العربي، وأن تسرِّع من وتائر الضغط الشعبي في اتجاه تحقيق عملية الانتقال الديمقراطي، وأن تساهم في توحيد الجهد النضالي من أجل الديمقراطية على الصعيد القومي. ومن أهمّ هذه الآليات:
- نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعزيزها وطنيّاً وقوميّاً، من خلال إقرار موادها في المقررات المدرسية وفي معاهد تكوين الشرطة وأجهزة الأمن، كما من خلال تسخير وسائل الإعلام المكتوب والسمعي – البصري لهذا الغرض.

- تفعيل حركة حقوق الإنسان داخل كل بلدٍ عربي وعلى الصعيد القومي، وتوحيد جهدها النضالي وبرامج عملها على نحوٍ يتعاظم فيه تأثيرُها في مجال إنتاج رأيٍ عام ديمقراطي، وفي مجال الضغط على النخب الحاكمة من أجل إقرار حقوق الإنسان بمعاييرها الكونية واحترامها.

- إحداث آليات للعمل الديمقراطي على الصعيد القومي وإطلاق مؤسساته من قبيل إنشاء منظمة عربية لحقوق المرأة، ومنظمة عربية لحقوق الطفل، ومنظمة عربية لحماية البيئة، ولجنة حقوقية عربية موحدة لمراقبة نزاهة الانتخابات، ومجلس دستوري عربي، ومجلس أعلى للقضاة العرب، وبرلمان شعبيٍ عربي، وما شاكل ذلك من مؤسسات قومية للعمل الديمقراطي.

5- الديمقراطية كنظامٍ اجتماعي

ليست الديمقراطيةُ نظاماً سياسيّاً أو نظاماً للدولة فحسب، وإنما هي أيضاً نظامٌ اجتماعيّ أو نظام للمجتمع. ولا يكفي، من منظور المشروع النهضوي، أن ينصرف النضال من أجل الديمقراطية إلى النضال من أجل "ديمقراطية" الدولة فحسب، بل ينبغي أن ينصرف في الوقت نفسه إلى النضال من أجل "ديمقراطية" المجتمع. وقد يكون من الأولى أن يقال، في هذا الباب، إنه كلما تقدمت العلاقات الديمقراطية داخل المجتمع، تعاظمت فرص قيام النظام السياسي الديمقراطي. وفي الحديث عن الديمقراطية بوصفها نظاماً اجتماعيّاً، ينبغي التشديد على الوظائف الاجتماعية الأربع للديمقراطية.

أولها أن الديمقراطية إذْ تؤسِّس علاقة المواطنة، بوصفها علاقةً تَشُدُّ أفراد المجتمع إلى ولاءٍ عام للدولة يعلو على علاقاتهم الأهلية وولاءاتهم الفرعية، ويقيم المساواة بينهم في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن الدين والجنس والعرق، تقدِّم – في الوقت نفسه – قاعدةً لحلّ مسألة الاندماج الاجتماعي التي تعاني منها المجتمعات العربية نتيجة هشاشةِ النسيج الاجتماعي وثِقْلِ الموروث العصبويّ والتفاوت في مستوى مشاركة الجماعات الاجتماعية في السلطة. وهكذا كلما ترسخت الديمقراطية وسادت علاقةُ المواطنة، أُعِيدَ صَوْغُ النسيج الاجتماعي على نحوٍ تتضاءل فيه الانقسامات العامودية الموروثة وتَتَّسِعُ وشائجُ الترابط والاندماج الاجتماعيَّيْن. وكلما اتسع نطاق الاندماج الاجتماعي، توطَّدت أركان الديمقراطية ورسخت علاقاتُها في الدولة والنظام السياسي.

وثانيها أن الديمقراطية السياسية لا تستقيم في الوطن العربي إلاّ متى أمكن للمرأةِ أن تَخْرُجَ من هامشيتها أو تهميشها واستبعادها لكي تشارك مشاركة فعّالة في الحياة السياسية أُسوةً بالرجل. ولا يمكن لذلك أن يتم إلا بمقاومة ثقل التقليد الذُّكوريّ في المجتمع العربي، وإقرار علاقة المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والفرص كافة دون تمييزٍ أو انتقاص. إن الديمقراطية في العلاقة بين الرجل والمرأة هي رافعة للديمقراطية في المجتمع والدولة على السواء.

وثالثُها أن الديمقراطية السياسية لا تستقيم بغير إعادة تأهيل النظام الأسري والنظام التربوي على القيم الديمقراطية بحيث تسود فيه، وينتظم بها أمْرُ العلاقة بين الآباء والأبناء، بين المُرَبِّين والمتعلمين، وبحيث تصبح الأسرة والمدرسة مؤسستيْن للتنشئة والتربية على القيم الديمقراطية من أجل خلق المواطن الديمقراطي في وطننا العربي.

أما رابعها، فهو أن إقامة النظام السياسي الديمقراطي ممتنعةٌ عن التحقُّق إن لم تكن أدواتُ النضال الديمقراطي نفسُها ديمقراطيةً. إن المبدأ القائل إنه لا ديمقراطيةَ من دون ديمقراطيين صحيح من غير شك. وعليه، إذا لم يكن في وسع المؤسسات الحزبية والنقابية والمنظمات الشعبية في الوطن العربي أن ترسيَ العلاقات الديمقراطية في عملها العام وفي أطرها التنظيمية، وأن ترسّخ القيم المؤسَّسِيَّة فيها، وتفتح مواقع المسؤولية فيها أمام مبدإ التداول، فكيف سيكون في إمكانها أن تناضل من أجل دولةٍ ديمقراطية، ومن أجل تداولٍ ديمقراطيٍّ للسلطة؟ بل أيةُ صدْقية ستبقى لمطالبها الديمقراطية أمام جمهورٍ يُعَايِِنُ غياب الديمقراطية فيها؟ إن تصحيحاً ديمقراطيّاً لأوضاع المؤسسات الشعبية في الوطن العربي، هو المدخل الذي لا مدخَلَ سواه إلى ترشيد النضال الشعبي العربي من أجل الديمقراطية.

يفترض المشروع النهضويُّ العربيُّ أن المعركة من أجل النهضة تمرُّ من بوَّابة المعركة من أجل الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون. لكن هذه أيضاً تتلازم في الوقت نفسه مع النضال من أجل الديمقراطية في المجتمع: في الأسرة والمدرسة والنقابة والحزب والجمعية وفي العلاقة بين الجنسيْن. أما التشديد على مبدإ التلازم بين المعركتيْن، فَمَردُّهُ إلى أن كل واحدةٍ منهما تستدعي الأخرى وتتغذى من نتائجها. أمَّا الفصل بينهما بدعوى أولوية السياسيِّ على المجتمعيِّ أو العكس، فلن تكسب منه المعركة من أجل الديمقراطية سوى تَبَعْثُر الصفوف وفقدان البوصلة التي تسترشد بها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس