عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-01-2011, 11:20 AM   #16
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

4- توجّهات استراتيجية من أجل التنمية المستقلة


إن إمكانات الوطن العربي من أجل بناء التنمية المستقلة هائلة على صعيد موارده الطبيعية (الطاقية والمائية والزراعية...)، وموارده البشرية (اليد العاملة النشطة)، وأرصدته المالية، وسوقه القوميّ. وهو يحتاج اليوم، وفي الأفق المستقبلي القريب والمتوسط، إلى تعزيزها وتنمية القدرة على استخدامها الاستخدام الأمثل من خلال تنمية الرأسمال المعرفيّ والعلميّ لديه وتعظيمه عبر بناء منظومة حيوية لاكتساب المعرفة في الوطن العربي. ونحن نعتقد، من منظورٍ نهضويّ، أن التربية يمكن أن تكون قاطرةً للتقدم مثلما كانت دائماً في كل المجتمعات التي أنجزت تنميتها.

وتنطلق هذه النظرة النهضوية إلى دور المعرفة في التنمية والتقدم من توجهات استراتيجية ثلاثة:
يتمثل التوجُّه الأول في بناء رأسمالٍ بشريٍّ راقِيِ النوعية. والسبيل إلى ذلك:
- تعميم التعليم الأساسي وإطالة مدته الإلزامية إلى عشر سنواتٍ على الأقل.
- إحداث نَسَقٍ مؤسَّسيّ لتعليم الكبار مستمرّ مدى الحياة.
- إيجاد وسائل، داخل مراحل التعليم كافة، تكفل ترقية نوعية التعليم بما يجعله مستوفياً معايير التكوين الراقي في المجتمعات المتقدمة.

ولا مناص، من أجل ذلك، من أن توفّر البلدان العربية موارد أضخم للتعليم وأن تزيد من كفاءة استغلالها.

والتوجُّه الثاني متمثّل في صوْغ علاقة تضافر قوية بين التعليم وبين المنظومة الاجتماعية والاقتصادية على النحو الذي يترابط فيه التعليم مع التنمية، ويتحوَّل إلى أولوية في عمل الدولة وقطاع الأعمال والمجتمع المدني. ومع أنه يصعب أن يقوم حافز الربح أساساً للوفاء بحاجات الفئات الاجتماعية الفقيرة من التعليم، إلا أن تحسين تراكم الرأسمال البشري يمكن أن يستفيد من نظام تعليمٍ وطني وقويّ، غير حكوميّ، لا يَتَغَيَّا الربح في المقام الأول. والضمان لذلك أن تتولى أجهزةٌ رقابية قوية – تشترك فيها الدولة والمجتمع المدني – ضبط التعليم الربحيّ وضمان جودته وأهدافه الوطنية.

على أنه من الضروري أن ينظر إلى العلاقة بين التعليم وبين المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، بحيث لا تقف عند جعل التعليم مطلباً لرفع مستوى الإنتاجية، بل تعتبر التعليم ركناً أساسياً من أركان نوعية راقية للحياة، تتيح للإنسان التمتع بطيبات الحياة والإسهام في بناء نهضة حضارية متجددة.

والتوجُّه الثالث متمثل في إقامة برنامجٍ لتطوير التعليم على الصعيد العربي يقوم على أساس شراكةٍ قوية بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لأن الحاجة أضحت ماسَّة اليوم إلى قيام سلطة تعليمية فوق – قطرية وفعّالة على الصعيد العربي. وسوف يكون من المهام الأولى لهذه السلطة مواجهة الاختراقات الأجنبية لمنظومة التعليم التي من خلالها تتوارى اللغة العربية وتحل محلها قيم مجتمعية غربية تقود إلى تفتت المجتمعات المحلية.

إن هذه التوجهات الاستراتيجية هي عينُها التي تحكُمُ الرؤية إلى قطاع البحث العلمي والتقاني ودوره المركزي في عملية التنمية، والحاجة إلى تطوير هذا القطاع على الصعيد الوطني وعلى الصعيد العربي لسدّ احتياجات الوطن العربي والحدّ من اللجوء إلى استيراد ما يمكن توفيرُهُ ذاتيّاً من خبرة علمية ومن تقانة. كما أن العجز الذي يعانيه الوطن العربي في مجال الرأسمال البشري عالي النوعية، وفي قطاع البحث العلمي، فضلاً عن رؤوس الأموال، يمكن تغطيته باستعادة الكثير من الكفاءات العربية المهاجرة ورؤوس الأموال والاستثمارات النازحة. ويتعين بناء سياسة في هذا المجال قائمة على الأسس التالية:
- تقوية الأواصر بين الكفاءات المهاجرة وأوطانها.
- إنشاء برامج تحقق الاستفادة من خبرة هذه الكفاءات مع بقائها في الخارج.
- دعم البلدان العربية لتنظيمات الكفاءات المهاجرة حتى تصبح شكلاً مؤسَّسيّاً لعلاقةٍ ذات اتجاهين تقوم بين المهاجرين وأوطانهم.

على أن هذه السياسة ينبغي أن توازيها سياسة استراتيجية أخرى عمادُها العمل على الحدّ من هجرة الكفاءات إلى الخارج وذلك من خلال تعطيل الآليات الأساسية التي تؤدي إلى نشوء ظاهرة هجرة الكفاءات، وتوفير المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي المناسب الذي يؤمِّن لها فرص العمل الكريم ويشجعها على البقاء في أوطانها.


* * *


والخلاصة إن التنمية المستقلة من منظورٍ نهضوي تقوم على المبادئ التالية:
أولاً: يمتنع اكتمال التنمية المستقلة في الوطن العربي دون تكاملٍ اقتصادي عربي، ودون توسُّعٍ في برامج التعاون والشراكة والاعتماد المتبادل وصولاً إلى أهداف السوق المشتركة والوحدة النقدية والاقتصادية. ويعني هذا أن جهود تحقيق التنمية المستقلة يجب أن تبدأ على المستوى القطري في إطار رؤية تكاملية قومية، حتى لا تكون الدولة القطرية فريسة للقوى الداعية للاندماج في الاقتصاد العالمي في المدة التي يستغرقها وصول التكامل القومي إلى صورته النهائية، على أن يكون واضحاً أن اكتمال هذه الجهود لا يمكن أن يتحقق –كما سبقت الإشارة- دون إنجاز هذا التكامل.

ثانياً: يتوقف تحقيق التنمية على سياسة وطنية وقومية شاملة تنمي الموارد الاقتصادية والبشرية كافة، وتُحْسِن توظيفها، وتأخذ بقاعدة الأولويات في البناء التنموي (التهيئة العلمية، الأمن الغذائي، البنى الارتكازية..). وتعمل على نقل الاقتصادات العربية من الطابع الريعي الذي يغلب عليه إلى الطابع المنتج.

ثالثاً: تنهض الدولة القطرية (وفيما بعد القومية) بدورٍ مركزيّ في عملية التنمية، وتشجع على تنمية المبادرة الحرة والقطاع الخاص على أساس ترشيد دوره ومراقبة نشاطه بما يحمي حقوق المواطنين وبما يتناسب والمصلحة العامة. وفي مرحلة النضال من أجل تجسيد المشروع تكون وظيفة المؤسسات القومية هي ترشيد القرارات القطرية التنموية وتخليصها من معوقات التناقض السياسي والتفكك الاجتماعي والتردي الثقافي والتباين الاقتصادي.

رابعاً: يتوقف نهوض الدولة بهذا الدور على وجود قطاع عام قوي متطور وقادر على التنافس في الأسواق المحلية والدولية ومتحرر من الفساد في إطار مواجهة مجتمعية شاملة لهذه الظاهرة.

خامساًً: لا يمكن للتنمية أن تتحقَّق وأن تُجَدْوِلَ أهدافها إلاّ من خلال سياسة التخطيط التي تضعها الدولة وتحدّد استراتيجياتها العليا في الميدان الاقتصادي.

سادساًً: إن الإنسان هو مبدأُ التنمية وأداتُها وهدفُها. ولذلك، فإن تمتيعه بحقوقه وبالتعليم والتكوين الراقيَّيْن هو أفضل استثمار من أجل التنمية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس