عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-01-2011, 11:30 AM   #18
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل السابع: الاستقلال الوطني والقومي


يُعَدُّ الوطن العربي أكثر مناطق العالم احتكاكاً بالعالم الخارجي وتأثُّراً بالعوامل الخارجية لعدة أسباب منها موقعه الجغرافي الذي يتوسط العالم ويتحكم في أهم خطوط مواصلاته، ومكانتُه الثقافية والحضارية باعتباره مهداً للديانات السماوية الثلاثة، ولعدد من أهم الحضارات القديمة، كما لأهميته الاستراتيجية والاقتصادية كمستودع لأكبر مخزون لاحتياطيات النفط المؤكدة في العالم. ولقد كانت هذه العوامل والمعطيات تضيف إلى الوطن العربي، في مراحل صعوده، وتدعم مكانته على المسرح الدولي. لكنها كانت تشكّل أيضاً عبئاً ثقيلاً عليه في مراحل التراجع والانكسار بمقدار ما تغري القوى الخارجية بالتدخل فيه أو بسط السيطرة عليه وإفقاده استقلاله.

لقد كان الاستقلال الوطني والقومي –وما زال– شرطاً بديهياً من شروط النهضة وركيزةً أساساً من ركائزها. إذ لا يمكن لأي شعب أن ينهض ويتقدم إذا كان فاقداً لإرادته أو كانت إرادتُه مقيَّدة، كما لا يمكنه أن يحمي استقلالية إرادته وقراره إن لم ينجح في حماية أمنه الوطني أو القومي. ولأن أيَّ مشروعٍ للنهضة هو، في جوهره، مشروعٌ للاستقلال والأمن في آنٍ معاً، فمن الطبيعيّ أن يصبح الأمن أحد أهم أهداف المشروع النهضوي العربي.

وللوطن العربي اليوم خصوصية يتعذر في إطارها إحداث فصلٍ كامل بين البعد الوطني والبعد القومي لقضيتيْ الاستقلال والأمن. ومع أن مفهوم الاستقلال الوطني يبدو أقرب إلى واقع الحالة العربية الراهنة من مفهوم الاستقلال القومي – لأن الموجود فعلاً دولٌ وطنية "مستقلة" أو معْتَرفٌ لها بالاستقلالية من منظور القانون الدولي وليس دولة عربية قومية جامعة ومستقلة – إلا أن الاستقلال الوطنيَّ نفسَه ما زال يعاني من النقص والانتقاص الشديديْن. فإلى جانب أن مفهوم الاستقلال الوطني يشمل استقلالية القرار الوطني ويفترض الأمنَ الاقتصاديَّ والغذائيَّ من مقوِّماته، وهذا مما ليس متحققاً، فإن قسماً غيرَ قليلٍ من البلدان العربية ما زالت أراضيه رازحة تحت الاحتلال: كلاًّ أو بعضاً، وما زالت سيادتُه متراوحةً بين الفقدان الكامل والفقدان الجزئي والاستباحة الدائمة! فإلى فلسطين المحتلة منذ العام 1948 من قبل الحركة الصهيونية، انضاف احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وحليفاتهما في2003؛ بينما ظل الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية قيد الاحتلال الصهيوني، وظلت مدينتا سبتة ومليلية والجزر الجعفرية المغربية محتلة منذ مئات السنين من طرف إسبانيا، وجزر "طنب الكبرى" و"طنب الصغرى" و"أبو موسى" الإماراتية محتلة من قبل إيران منذ سبعينات القرن الماضي، وخضع جزء من أراضي الصومال لتدخل إثيوبي مسلح منذ2006. وهذا إذا تغاضينا عن أراضٍ عربية أخرى تم الاستيلاء عليها ولم تعد الدول العربية المعنية تطالب بها.

إن خطورة وحيوية مسألة الاستقلال الوطني والقومي، والأمن الوطني والقومي استطراداً، تدفعها إلى موقع الأولوية من ضمن أولويات أخرى في المشروع النهضوي، وتفرض الحاجة إلى صوغ استراتيجية عمل شاملة لتناولها في وجهيْها المترابطين: الاستقلال والأمن، لاتصال ذلك بتأمين القاعدة الارتكازية لتحقيق سائر عناصر المشروع النهضوي العربي وأهدافه الأخرى. وتتزايد الحاجة إلى هذه الاستراتيجية في ضوء الخبرة التاريخية التي أثبتت أنه كلما أخفق الوطن العربي في صناعة أمنه القومي وحماية استقلال إرادته وقراره، أخفق في صون أمنه وحماية أراضيه وسيادته من الأطماع الأجنبية بل من جيوش الغزاة الزاحفين عليها. وكان فشلُهُ في تسوية نزاعاته الداخلية – ومنها النزاعات الحدودية بين دوله – مدخلاً إلى تمكين القوى الأجنبية المعادية من التدخل في شؤونه والنيل من سيادته، كذلك أصبح احتلال هذه القوى المعادية لأراضيه، وبصفة خاصة الاحتلال الصهيوني لفلسطين والاحتلال الأمريكي للعراق، مدخلاً إلى إعادة تمزيق كياناته الوطنية من خلال دقّ الإسفين بين الجماعات المختلفة المكوّنة للجماعة الوطنية، وتوظيف تمايزاتُها الثقافية أو الإثنية في توليد انقسامات سياسية وإنتاج فتن طائفية وحروب أهلية ترهن الوطن برمته لسياسات الدول الاستعمارية وإدارتها.


1- استراتيجية الاستقلال الوطني والقومي

يَقع ضمن هذه الاستراتيجية تحقيق أهداف خمسة: تحرير الأرض من الاحتلال، مواجهة المشروع الصهيوني، تصفية القواعد العسكرية الأجنبية، مقاومة الهيمنة الأجنبية، بناء القدرة الاستراتيجية الذاتية.

أ- تحرير الأرض العربية

لا يستقيمُ استقلالٌ وطنيٌّ أو قوميٌّ ولا يكتمُل إلا ببسط السيادة على كامل الأرض العربية وتحريرها من أيِّ احتلالٍ أجنبي. ومن أجل هذا الهدف، يتعين التوسُّل بكافة الوسائل المتاحة بما في ذلك الوسائل العسكرية (النظامية والشعبية). وحيث تكون هذه الوسائل مشروعة ومطلوبة في مواجهة الاحتلال الأجنبي، يُسْتَحْسَن التفكير في نهجٍ سياسيٍّ تفاوضي حين تكون القوة المحتلة منتمية إلى دائرتنا الحضارية كما هي الحال مع إيران التي تحتل أراضٍ عربية.

ب- تصفية القواعد العسكرية الأجنبية

إن وجود أية قاعدة عسكرية على أية بقعةٍ من الأرض العربية مظهرٌ خطير من مظاهر فقدان الأمن والاستقلال والسيادة. وقد ناضلت الحركة القومية العربية، في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، من أجل تصفية القواعد الأجنبية وإلغاء التسهيلات العسكرية الممنوحة لقوىً أو لأحلافٍ خارجية. ولقد أتتْ هذه القواعد تُطِل برأسها من جديد على منطقتنا بعد التحولات التي طرأت في النظامين العالمي والإقليمي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والحرب الأطلسية على العراق في مطالع التسعينيات من القرن الماضي. واليوم، تعُج أجزاءٌ كثيرة من الوطن العربي بقواعدَ وتسهيلات عسكرية أصبحت تتجاوز مجرَّد فرض القيد على القرار والإرادة والاستقلال إلى تهديد أمن الوطن العربي وسلامته.

إن تصفية هذه القواعد، وإلغاء هذه الامتيازات والتسهيلات العسكرية الممنوحة للقوات الأجنبية، تقع في مقدمة الأهداف التي على حركة النضال العربي، المسترشدة بالرؤية النهضوية الشاملة، العمل من أجل تحقيقها صوناً لأمن الوطن وسلامة أبنائه، وحمايةً لإرادته واستقلالية قراره. وإن نجاح قوى المشروع النهضوي العربي في تصفية هذه القواعد سيرتبط – من ضمن ما سيرتبط به – بمدى نجاحها في استيلاد آليات فعّالة لتسوية المنازعات العربية – العربية بالوسائل السلمية من جهة، وإيجاد نظامٍ فعّال للأمنِ الجماعيِّ القوميّ يَدْرَأُ التهديدات الخارجية ويدفع الأخطار المحدقة بالوطن العربي.

ج- مواجهة المشروع الصهيوني

بعد سلسلة من الهزائم العسكرية التي دشنتها حرب العام 1948، وسلسلة من الهزائم السياسية التي دشنتها اتفاقيتا كامب ديفيد (1978)، والتصحيح النسبي للخلل الاستراتيجي في الصراع العربي–الصهيوني الذي نهضت به حرب تشرين الأول/أكتوبر (1973) وإسقاط "اتفاق 17 آيار/مايو" في لبنان (1983)، وتحرير المقاومة للجنوب اللبناني (أيار/مايو2000) وانتصارها التاريخي على العدو الإسرائيلي في2006، وانتفاضتا 1987 و2000 في فلسطين، وبعد سقوط أوهام التسوية التي أطلقتها "كامب ديفيد" الأولى (1978) – و"اتفاق أوسلو" (1993) و"وادي عربة" (1994) واتفاقات التطبيع الاقتصادي مع العدوّ الصهيوني – وأَنْهَتْهَا اللاءات الفلسطينية في "كامب ديفيد" الثانية (تموز/يوليو2000)، بات يَتَعَيَّن على الأمة العربية ونخبها وقواها الحية أن تستعيد إدراكَها لخطورة المشروع الصهيوني على مستقبل الوطن العربي ومصيره – وضمنه مستقبل فلسطين ومصيرها – وأن تُطْلِقَ برنامجاً قومياً للمواجهة طويلة الأمد مرتكزاً إلى العناصر والأسس التالية:
أولاً: تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه وحقوقه كاملة، وتقديم الدعم الماديّ والسياسيّ له عبر إحداث صندوق خاص لهذا الغرض يَفِي بسائر احتياجاته الحياتية والمدنية ويرفع عنه ضائقة الحاجة والفقر والتهميش، وتمتيع اللاجئين من أبنائه في البلدان العربية بحقوقهم المدنية والسياسية كافة مع التمسك برفض مبدأ التوطين باعتباره آلية لتصفية حق العودة.

ثانياً: التأكيد على إفلاس نهج التسوية مع إسرائيل خاصة في إطار تبني النظام العربي الرسمي شعار السلام "كخيار استراتيجي وحيد" وإسقاطه مبدأ أن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.

ثالثاً: تقديم الدعم والإسناد للمقاومة وللمؤسسات الوطنية في فلسطين، ورعاية حوار دائم بينها من أجل تعزيز الوحدة الوطنية ووحدة قوى المقاومة وتطوير منظمة التحرير بما يواكب التغير في الخريطة السياسية الفلسطينية.

رابعاً: التمسك العربي بالثوابت القومية المتمثلة في عدم التفريط بأي حق من حقوق الأمة العربية في فلسطين، وفي عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، أو التنازل له، أو عقد اتفاقات معه؛ والتمسك بمبدإ مقاطعته اقتصادياً ومقاطعة المؤسسات المتعاملة معه.

خامساً: الضغط من أجل تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، وتبنِّي استراتيجية دفاعية لمواجهة خطر المشروع الصهيوني تُسَخَّر لها – وفيها – كافة الموارد العسكرية والمالية والسياسية المطلوبة والمناسبة.

سادساً: إقامة السياسة الخارجية العربية مع القوى الدولية والإقليمية على مقتضى موقفها من الصراع العربي – الصهيوني ومن الحقوق الوطنية الفلسطينية والحقوق القومية العربية، واستعمال العرب لأوراق الضغط التي في حوزتهم، وبصفة خاصة النفط، والأرصدة المالية لدفع القوى الحليفة للكيان الصهيوني إلى مراجعة مواقف الانحياز لديها.


د- مقاومة الهيمنة الأجنبية بأشكالها كافة

ولقد زادت وطأة هذه الهيمنة بعد زوال الحرب الباردة وانهيار التوازن الدولي وانفراد القطب الواحد الأمريكي بإدارة شؤون العالم، ثم بانهمار وقائع العولمة وما في جوفها من تحوّلات باعدتِ الفجوة بين الأقوياء والمستضعفين في العالم. وإذا كان دفْع تحديات الهيمنة والعولمة يحتاج إلى ترتيب الداخل العربي من خلال إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة، قصد التكيف مع عالمٍ أصبح ينهض فيه العلم والتقانة والمعلومات بدورٍ حاسم في تشكيل معايير القوة ومحدّداتها ومؤشراتها، وقصد كفِّ الأشكال المختلفة من الاستباحة التي يتعرض لها الوطن العربي للاستيلاء على موارده وثرواته أو لمصادرة حرية قراره وفرض شروطٍ أو صفقات غير متكافئة عليه...، فإن نهوضه بأمر مواجهة تلك التحديات قد يتجاوز قدرته وإمكانياته الذاتية وحده إن لم ينخرط في علاقاتٍ من التعاون والتنسيق مع كافة الأمم والدول المتضررة من فعل الهيمنة الأمريكية، والمُنَاهِضَة للعولمة المُجْحفة أو المطالِبة بعولمةٍ أكثر إنسانية، والداعية إلى قيام نظامٍ عالمي متعدد ومتوازن القوى والمصالح.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس