عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-02-2010, 04:26 AM   #2
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Post

لملمت أشلائي المتناثرة، وحملت نفسي بقوة على النظر في تفاصيل خارطتك المشوهة :
قلت في جلد :
ـ من أنت؟ من تكون؟ ماذا تريد مني؟

قال ساخرا :
ـ أنا ماضيك الأسود، أنا الذي رأيت حتى عميت عيناك.

قلت :
ـ أنت كائن معتوه لا تجيد سوى اختلاق الأكاذيب لتعذيبي.

قال :
ـ لا أفتعل تعذيبك، لكنني شاهد على كل الجرائم التي اقترفتموها في حق الأطفال
والنساء والأشجار..
قلت :
ـ إنك تهذي، أنت مجرد كتلة تجمعت في جمجمتها ركامات الخيبة والأوحال !!

قال :
ـ أنتم من صنع هذا التاريخ، وتتحملون مسؤولية أفعالكم.

قلت في حنق :
ـ وأية أخطاء تحملني تبعاتها ؟!!

رماني بنظرة شزراء، وكشر عن أنيابه، كأنه شيطان مارد، وددت لحظتها أن أهرب بنفسي إلى مكان سحيق..
قال منتشيا :
ـ ألم تفتحوا صدوركم للذئاب الضارية وتوقعوا صكوك المودة والقربى ؟

قاطعته مزمجرة :
ـ أنا لم أوقع شيئا، أنا حتى لم يسبق لي أن مددت كفي للسلام على مخلوق
أجرب ينوي على غدر، يداي هاتان ما تزالان نظيفتين، ما تزالان تغرسان زيتونا وتفاحا..
بل كيف لمجرم مثلك أن يحاكم من يفترض بها أن تكون الضحية !! أنت تجهل من أكون. أغمضت عيناي بعصبية، لأتحاشى النظر إلى تفاصيل فيافيه الجرداء...
جثت روحي في سكون، تبحث في صفحات سجل ذاكرة جديدة، تستحث الخطو إلى وطن الحلم، تتوسل طيف حورية، ناديتها بحرقة أن خذيني إليك ولا تذريني وحيدة في زمن الجذب والقهر، فأشقى، فتهلل وجهي لإطلالة طفلة تقبل إلي باسمة، تستبق الريح، أحلامها كبيرة لا تسع الفضاء الرحب، كفها خضراء، عيناها تطالان الأفق البعيد.. لم أدمن الفراغ يوما، خمس عشرة سنة ، أنفقتها في حركة دؤوبة، أنا من يساعد أمي في تدبير شؤون منزلنا، أنا من يرتب ملابسي، أنا من يحرص على تنظيف مكتبي من الأوساخ العالقة، دأبت على نفض الغبار عن جميع ممتلكاتي الخاصة، كيف تعاتبني على التقصير والإهمال ؟؟ حتى ساعدي أصبح قويا، أنا من يساعد والدي في الاعتناء بحديقة منزلنا، بنينا سورا عاليا من الإسمنت، وطوقناه بالحجر والطوب، يقول والدي أن قطاع الطرق تهاب الحجر الصغير، فويل لمن يتجرأ استراق النظر إلى شجيراتنا العالية، لنرجمنه بالحجر والطوب، ولنهشمن رأسه، ولنذرنه حطاما.. ليكون عبرة لغيره من القناصين الخونة..
غمرني إحساس غريب، فجر بداخلي رغبة مستعرة في كسر شوكته، استدرت نحوه كما الإعصار، أتعلم من أكون؟ أنا ابنة الطوب والحجر.. ما استرقني إنسي ولا جان، ولدت حرة، نوافذي مشرعة، روحي مسكونة بنبض المطر، لن أدعك تتحكم في مصيري أيها الأخرق، أنت شاهد على نفسك فحسب، وأنا أدينك الآن.
ارتسمت على شفتاي
ابتسامة ساخرة، استفزت هدوءه المقيت..
ـ لم تضحكين يا آنسة ؟!!
ساورني شعور لذيذ ممزوج بانتصار لحظة تاريخية عتيدة، شهدت ولازالت تشهد لنضالات تليدة، قادت مسيرتها جثث معطرة، لأعلن احتفائي بالتخلص من تفاصيل ذاكرة سوداء أضنت روحي، أما آن الأوان لأفرح ؟ ألا أستحق بعد كل هذا التحدي أن أكون أنا أول الأغنيات، ولمن يأتي من بعدي ؟ كفانا بكاء على زمن كسيح، بترته من أجزاء جسدي لأسير في دربي واثقة الخطى، أعلم أن الطريق أمامي طويل وشاق، لكنه مليء بالأمنيات.. لن أدع هذا الكائن المريض يفترسني، تملكتني رغبة شرسة في ابتلاعه، فأطلقت العنان لضحكات شريرة، تقدح شرارات نارية، تأكل الجدران والهياكل والكتب..
قيل لي أن معلم التاريخ، ألقى بجمجمته من النافذة، وتهشم رأسه، لكنه نجا بنفسه من موت محقق.
عدت إلى المنزل منهكة القوى، كانت معركة عنيفة، نظرت إلى وجهي في المرآة، غمرني إحساس لذيذ دافئ بالرضا، رغم مسحة الحزن التي علت محياي، سرعان ما بددتها ابتسامة ماكرة ارتسمت على شفتاي، لقد قررت أن أنفذ مشاريعي الدموية بدءا من اللحظة، أنا الحاضر.. أنا المستقبل.. فتحت باب غرفتي الصغيرة، أتفحصها كطبيب يجس جسد مريضه، كان كل شيء يدعو إلى الاطمئنان، لمست بأطراف أصابعي جوانب مكتبي، كما عهدته دوما، لا يشكو أثر الإهمال، سحبت نفسي تحت الغطاء النظيف، أغمضت عيناي لأنال قسطا من الراحة، لكن لم يغمض لي جفن !!.
__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!


آخر تعديل بواسطة المشرف العام ، 06-02-2010 الساعة 01:59 AM.
ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس