عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-08-2009, 11:58 AM   #49
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

عمار بن ياسر

أبوه: ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن حصين العنسي، ثم المذحجي وهو أول شهيد في الإسلام.
أمه: سمية بنت خياط، أول شهيدة في الإسلام.
كنيته: أبو اليقظان.
• وهو من أوائل المسلمين، ومن المعذبين من أجل الإسلام، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد مع النبي (صلّى الله عليه وآله) جميع مشاهده.
• لازم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة.
• شهد حرب الجمل وصفين مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) واستشهد في صفين سنة 37 بين يدي أمير المؤمنين وصلى عليه الإمام ودفنه، وأبّنه.
• عمره 94 سنة.
• قبره في الرقة (من مدن سوريا) مزار يقصده وبجنبه قبر التابعي أويس القرني (رضي الله عنه) المستشهد بصفين أيضاً.


قبس من حياته
لماذا يعذب هؤلاء يا أبتاه؟!
إن هؤلاء حادوا عن آلهتنا، ودانوا بغير ديننا، وتبعوا محمد.
محمد.. ومن هو محمد يا أبتاه؟!
محمد: فتى عبد المطلب، يتيم أبيه، فقير قومه. كفله عمه أبو طالب، وتولى تربيته بعد جده، جده عبد المطلب.
ولم ذلك؟
لأن والده عبد الله توفي عنه، وهو بعد لمّا تكتحل عيناه بنعيم الحياة.
أبتاه: ماذا يريد هذا اليتيم؟ وبماذا جاء؟
يقال: أنه دعا إلى دين، يوجب عبادة الله وحده، لا شريك له.
وماذا في ذلك؟
ماذا في ذلك؟! ذلك يعني أن أصنامنا يجب أن تزول حيث لا مبرّر لوجودها بعد.
ثم ما يري بعد هذا؟
لا أدري، أراك كثير الكلام، أسكت، ولا تتحدث بهذا الحديث، بل تناساه، نعم تناساه يا بني، فإني أخشى عليك من عذاب قريش.
يا أبتاه دعني أتقدم لهذه الزمرة التي أخذت بيدها مكاوي الحديد. لتطعن بحر نارها جلود هذه الأجساد الهزيلة التي تضورت من الألم بين أيديها.
حذار... حذار.
أتركهم يا ولدي، دعنا وشأننا، ما لنا وهذه الأمور؟
هيا بنا، هيا... هيا.
لماذا لم يتركوهم وشأنهم، ليعبدوا ما يعبدون؟
أجننت؟ كيف ترضى قريش أن تصاب آلهتها بالبوار؟
بني، إن خطر الإسلام على الجاهلية عظيم.
يا أبتاه: رحماك، لي رغبة ملحة في أن أذهب إلى محمد فأسمع منه ما يريد.
لا.. لا.. قالها الأب، وهو يزأر من الغضب، وكمّ فم ولده كي لا يستمر في الحديث.
ثم التفت يمنة ويسرة، وهو يخشى أن يقف أحد على حديثهما.
ثم حاول أن يتحدث، فماتت الكلمات على شفتيه، وهو يرتعد خوفاً ودهشة.
ما بك يا أبتاه؟
وغاب الوالد في تفكير عميق، وبدت علائم الاستفهام جلية على قسمات وجهه، ترى ماذا أصاب والده؟ فقد بدا في حالة عصبية للغاية.
وفضّل السكوت ريثما تهدأ حالة الشيخ. ما أن رأى والده قد عاد إلى صوابه، واسترجع وضعه الاعتيادي، حتى التفت إليه ثانية قائلاً:
أبتاه: هل تعدني أن أذهب إلى محمد، أبتاه: يحدوني ميل شديد لأن أعرف أهداف دعوته، ولأتبين حقيقة خطرها على آلهة قريش.
انتفض الأب من مكانه وهو يضطرب من الخوف والوجل وصاح بولده: دعنا نسير، دعنا نذهب إلى البيت، لنستريح من شر هذا اليوم.
وفي طريق عودتهما إلى البيت مرّا على جماعة تحمل السياط وتلهب بها ظهور ثلاثة أشخاص من بينهم امرأة واحدة، وقد تجمهر عليهم جمع يتضاحكون ويتصايحون.
يا عمار: أين رب محمد لينجيك من هذا العذاب؟... قالها أحدهم ساخراً وكان أحد الجلاوزة الموكلين بالتعذيب.
وعمار كالحديد يتدرّع بالإيمان، ويتحلّى بالصبر، عيناه شاخصتان إلى السماء، وشفتاه تلهجان: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
وما أن سمع أبو جهل هذه الكلمات ترفّ على شفاه عمار حتى هجم عليه ثانية والغضب يتطاير شرره من عينيه، وانقضّ على عمار يفتح فكيه ليقطع لسانه، لقد هاله أن يسمع منه هذه الكلمات.
فيستقبله بعض أصحابه، وهم يتضاحكون...
وتقبّل الرجل من زمرته شكرهم، وعيناه لا يرفعهما عن هذه الأجساد الثلاثة المطروحة بين أيدي جلاوزته، تلهبها سياطهم المحمومة وتمزقهم حرابهم الحاقدة.
ويلتمّ شمل الصفوة الخيرة من المسلمين في حلقة تضم نبي الرحمة محمد (صلّى الله عليه وآله)، وهو يعيد على أسماعهم آيات من كتاب الله المجيد.
كان العدد لا يتجاوز الأصابع، وقد تعذّر حضور ياسر وزوجته، وولدهما عمار، حيث أن عذاب المشركين كان لا يزال ينصبّ عليهم صباً دون رحمة ولا شفقة.
ويعلم الرسول بكل ما يجري على هذا النفر المستضعف من أصحابه فلم يملك لهم من الأمر إلا أن يرفع يده للدعاء: (من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله).
ولم يقف عذاب القوم عند حدّ، فقد فاق كل وصف وكان عمار سابع من أسلم، وآمن بدعوة محمد، وكان عذاب الجاهلية يتفاقم عليه كما رأت أن هذا الرجل قد تدرّع بالصبر.
ولكن عمار كان ولا يزال فوق هذه الهمجية من العذاب فقد تحدّاها بقوة أعلى من أن تنهار على دكّة المشركين، إنما هي صلابة الإسلام، وإيمان محمد تبعثانه على التفاني في سبيل عقيدته.
كان عمار حليفاً لبني مخزوم، وكان يرجو أن ينال من مخالفته هذه بعض الراحة والطمأنينة، ولكن بني مخزوم هي التي قدمته قرباناً مقيداً إلى بساط التعذيب على يد المشركين من أمثال أبي سفيان، وعتبة، وأبي جهل، وغيرهم.
ونادى منادي المسلمين بالهجرة إلى الحبشة، فقد أصبح شبح الموت أقرب من الظل إلى أصحاب رسول الله، وكان عمار أحد أفراد هذه القافلة الصغيرة من رجال الإسلام.
ورمق الركب ـ وهو يجد سيره حثيثاً ليبعد عن واقع الظالمين ـ أحد أعوان الزمرة والطاغية، فذهب وأشاع النبأ لدى القوم، وهم في فناء البيت.
أتعلمون أن ركباً من أصحاب محمد قد غادر أبواب مكة وسوف يهرب ويفلت من بين أيدينا، وحاول البعض أن يقوم بما يلزم من عرقلة سفر هذه الصفوة، ولكن هيهات فقد سلم الركب بنفسه من أن يقع فريسة لدى الأعداء.
وفي مساء رائع ـ رائع بعبير التضحيات ـ ودع عمار البقية الباقية من أهل بيته، بعد أن قُتل أبواه في ساحة التعذيب وترك المدينة.
ترك المدينة برهة من الزمن، ولكن ذكرى إنسانية محمد لم تبارح مخيلته، وآيات الله البينات تمور في أجواء نفسه وتنطوي الأيام عجلى، وانطوت معها صفحة من الذكريات ولكنها عادت حية منشورة بعد زمان، زمان قليل، بعد أن عاد أصحاب الرسول من الحبشة إلى يثرب، مدينة الرسول.
عادوا وأكاليل الغار تتوج حياتهم، وأعلام النصر تركزت في ربوعهم.
وعمار... ذلك الرجل الذي استمر طيلة حياته يدافع وينافح عن الإسلام، ويذب عن كيانه بجهاد متواصل، ينتظر، وهو على موعد.
ينتظر اللحظة الحاسمة ـ التي خلدت وجوده ـ من حياته وهو يردد دائماً قول الرسول:
(يا عمار آخر شراب لك من الدنيا ضياح من اللبن).
وترتبط حياة الصحابي الجليل بعلي بن أبي طالب ارتباطاً وثيقاً فقد كانت كلمات الرسول الأعظم خالدة في ابن عمه ورفيق دعوته، وهي تنفذ إلى أعماق الإنسان كنور الفجر وسحر المطر... (يا علي لا يعرف الله إلا أنا وأنت، ولا يعرفني إلا الله وأنت، ولا يعرفك إلا الله وأنا).
وترف هذه الكلمات الزاهرة ندية في أذنيه، ويستوعب تفكيره النير هذا القول: (ولا يعرفك إلا الله وأنا).
ولماذا لا يكون من علي بمنزلة العطر للورد، والشروق للأمل.. وهو الذي تقول عنه عائشة: (ما من أحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أشاءُ أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر، فإني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: مُلئ عمار إيماناً إلى أخمص قدميه).

__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس