عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-02-2008, 11:50 PM   #5
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]ولكن مصرا وما شان مصر ** بمن قيد الحــــــــر في مصره
تريد لنا ما يريد الطــــــــــغاة ** بشيخ ذوي الغصن من عمره
كلا الشاعرين عاشا في مصر وحبهما صادق لكنهما سودانيان لا يتحملان اقل ما يوحي بالإهانة.

السيف في رد الكريهة مغرد
وعلى الزمان إذا أساء يجرد
السيف ـ يا لكيف ـ أن بحده
تبنى الشعوب حصونها وتشيد

انفعال الشاعر هنا واضح في هذه الجملة الاعتراضية التي فيها تعجب واستغاثة ومنذ الآن تنبه على كثرة الجمل الاعتراضية في شعره كما سترد في هذه الكلمة إلى أن بلغ قوة انفعاله فاخذ يصف .
السيف ـ قولوا السيف ـ إن سيوفنا
دنيا بها يشقى الأنام ويسعد
السيف ـ قولوا السيف ـ انك يا أخي
حر وان الحر لا يتقيد
ألا تحس أيها القارئ الكريم معي إننا أما بطل ثائر هزه ذكر السيف فاخذ يترنم به مكرراً له متخيلاً نفسه أمام الجماهير هاتفاً بها ( قولوا السيف ) , أن الشعب السوداني تعرف الفهم أليك ويعتذرون في أسف أن أبعدتهم صروف الدهر عنه قال الشاعر السوداني محمد سعيد العباسي رحمه الله تعالى عندما اضطرته الظروف إلى ترك الكلية الحربية في مصر :
لولاهمو ما أطرحت السيف تعرفهكفي ولا رضيت من بعده الظلما
لسيف تمنيت أن ألقى العدو به
تحت العجاجة يوم الروع منتقماً
نم أن شاعرنا عبد النبي يبالغ في صحبته للسيف وحبه له فيقول في
عدلي حديثك امتشق الحسام واكسي بقرابه
أي لباسه ووشاحه في الحرب غمد السيف الم يقل لبيد :
ولقد شهدت الحرب تحمل شكتي
فرط وشاحي إذ غدوت لجامها
هذا وشاحه في الحرب لجام فرسه ، وشاعرنا لباسه الحرب قراب سيفه وذكر السيف يهزه ويحرك فيه النشاط في نشوة تعيده من الشيخوخة إلى شرة الشباب يقول في قصيدته ( غضبة شيخ ) يناغي فيها ينته سلمى التي بكت حين رأته يكثر من ذكر الحرب ولكنه هدأ روعها وبعث في قلبها الأمن ولما سمع جلبة المعركة انتفض قائلاً :

وبينا يناغي الشيخ سلماه أشعلت
مراجلها الهيجاء بالذعر والرعب
فذبت بين الروح يا شيخ نضوة
أعادت له عزم الشبيه في الشعب
فصاح بها سلمى اعدي لي القنا
فما الحرب أن أقدمت تفتك الهذب
اعدي لي الصمصام فالركب قد مضى
لألحق من قبل العشبة بالركب

هذا بطل هزه ذكر الحرب فجعل يصيح يطلب السيف وأيضا ليلحق بالركب لا يلوى على شيء كأنه فارس المنى القح الذي تهزه الحرب هزة تطيره من ظهر فرسه وتلقيه في قلب المعركة .
نح يكاد صهيل الخيل يقذفه
عن سرجه فرحاً بالضرب أو طرب
وقوله فرحاً بالحرب أو طرباً
احتراس لطيف مخافة أن يسبق إلى الذهن إن هذا خوف من الحرب
وأما القصيدة الثانية التي عنوانها ( سميراء ) فقد ورد فيها اسم سلمى مصغراً ست مرات وفي التصغير ملاحظة وتمليح وفيها يقول :

لقد جئت أهلي يا سميراء فاهبطي
منازل من داموا على البعد أهليا

هذا يكاد يطون تصريحاً بان سميراء رمز لوطنه السودان ويمضي قائلاً :

سميراء إن عطرت بالحب مزهري
وأرسلت لحن الحب هيمان حانيا

ويقول

سميراء من قومي سواهم ومن هموا
عداهم بهم من لذعة الوجد ما بيا
سميراء هم ساروا وفي الصدر غلة
لها مثل جرح الرمح ما زال داميا
ففي الحي نبئت والحي هاتف
سميراء يدعو صوته الحري داوياً
سميراء هذا مهبط الحق إنني
به في طريق المجد ما رمت ثائبا

هذه سميراء أو قل هذا هو اللون الأسمر الذي يعتز به ويفخر به حتى بلغ من اعتزازه به أن جعل لوائه اسمر حيث يقول في

أنا بأقدام الإباء إلى العلا
سرنا وسار بنا اللواء الأسمر

فهل أراد أن يقول جمعية اللواء الأبيض هي جمعية اللواء الأسمر
ومما يلفت النظر كثرة العبارات والجمل الاعتراضية مثل قوله

فاسمع ـ أبيت اللعن ـ صاح بأضلعي
قلب يرد النصح بالخفقات

أي أبيت أن تاتي شيئاً تلعن عليه ، ومن هذه العبارات عبارة تفيد القسم تأكيدا للكلام مثل قوله في
:
وهل عرفوا اني ـ وعمري ـ لبعدها
أبيت على شوك وارقد في حجر

فقوله وعمري قسم ، وقد يقسم بأشياء أخرى مثل القسم بجيد المحبوبة
ومثل قسمه بحبها

وما صفتها كالزهر إلا لكي أرى
ـ وحبيك ـ جيد الجود يزدان بالزهر

وقد يأتي شاعرنا بعبارة اعتراضية فيها صيغة الاستغاثة مثل قوله

فإذا به السودان ـ يا لولائه ـ
قد عاد في سرر المنى يتقلب


وهذا كثير في شعره واقف منه على نمط من العبارات الاعتراضية تشترك في ذكر الكلمة ثم تكرر فيها الكلمة في صيغة النداء الذي فيه لام الاستغاثة ويفيد التعجب مثل قوله

غير اني أرى إلى المجد قومي
ـ يا لقومي ـ تسابقوا للسحاب

لما ذكر الشاعر قومه انفعل فكرر الكلمة في هذا النمط ومثله قوله :
والسيف ـ يا للسيف ـ أن بحده
تبنى الشعوب حصونها وتشيد
ذكر الشاعر كلمة السيف فثارت نفسه لذكره فكرره في النمط المذكور وقريب من هذا قوله :

هو الحب ـ يا ويلي من الحب ـ إنني
لعمرك قد حملت أعباءه وحدي


حيث ذكر كلمة الحب ثم كررها في هذه العبارة الاعتراضية .
والظاهر إن الشاعر وجد في هذا النمط راحة ومجالات انفعاله والترنم به فتكرر في شعره , ولشاعرنا خيال مبدع يظهر ذلك في موضوعاته التي هداه إليها خياله ، خذ مثلاً قصيدته خطرات إلى اعتي الدقاقة يخاطب فيها ساعته مترنماً معها :

ودقي .. ودقي
ودقي ودقي ففي مهجتي
تدق الشجون وفي خاطري
ودقي فان بلادي التي
وهبت مهجة الثائر
تسير إلى الخلق لا مثلها
تخفين في سيرك العابر
تعيش بها عصبة كالبغاث
لتقتات من سفره الجائر
ودقي فان زمان الآلي
مضى يا ابنة الزمن الحاضر

ارايت كيف ربط الشعر بين دقات الساعة وبين بلاده التي يسعى دائماً إلى تحريرها وتقدمها .. واطلب منك أيها القارئ الكريم أن تقف عند هذه الكتابة التي هي من أبداع شاعرنا وابنة الزمن الحاضر كناية عن الساعة مثل ما كنى الشاعر عبد المطلب عن الطائرة بذات أجنحة في قوله :
فهي لي ذات أجنحة لعلي
بها ألقى على السحب الاماما
ومثل ما كنى الشاعر الأستاذ الدكتور عبد الله الطيب عن المضيفة بجارة البين في قوله :
يا جارة البين
أردت بهذه الإشارة أن اثبت لشاعرنا حقه في التكرار هذه الكتابة اللطيفة التي لا اعرف أحدا سبقه إليها حسب إطلاعي .
المبالغة في شعره
لشاعرنا مبالغات فيها اشتطاط وإحالة مثل قوله

وان مت يا خلي فقلبي بالهوى
على رغم انف الموت يخفق في لحدي
حري في هذا على منهج ابن زيدون
إن كان في الدنيا قد عز اللقاء ففي
مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا


ومع هذا فلشاعرنا مبالغات فنية وردت في التغني بشعره مثل قوله
إذا ما قلت في حبيك شعراً رد به تشدو مع الورق الغصون
بالغ الشاعر هنا في تأثير شعره الرنان بأنغامه المطربة على الحمائم فأخذت تشدو به ثم زاد في المبالغة فجعل الغصون تشدو مع الحمائم بشعره من الحمائم إلى الغصون وفي هذا نظر شديد إلى قول أبي الطيب .
يجد الحمائم ولو كوجدي لانبرى
شجر الأراك مع الحمام ينوح
بالغ المتنبئ هنا فنقل النوح إلى شجر الأراك فجعله ينوح مع الحمام كما نقل شاعرنا الشدو إلى الغصون .
وعلى ذكر الحمائم والغصون نقف عند قول شاعرنا :
سجعت بسرحتك الحمائم فانبرى
مثل الحمائم بالنشيد يعبر
انبرى الشاعر هنا يسجع سجع الحمائم وتأمل ذكر الحمائم هنا والفعل ( فانبرى ) فانهما في بيت المعنى السابق :
يجد الحمام ولو كوجدي لانبرى
شجر الأراك مع الحمام ينوح
والمتنبئ نفسه نظر في هذا إلى قول جرير
ولو وجد الحمام كما وجدنا
بسلمانتين لاكتأب الحمام
بالغ جرير في وجده فنقله إلى الحمام وجاء الجو الطيب فنقل الوجد منه إلى الحمام ومن الحمام إلى شجر الأراك ووقف عند الحرف لو عند جرير وعند المتنبئ فهذا عندهم بحسن المبالغة لكن شاعرنا ترك ذكر هذا الحرف ( الو ) ليجعل الأمر كأنه قد حدث إلى أن الغصون أخذت تشدو مع الورق
بدأ المعنى جرير فأخذه المتنبئ فتبعهم شاعرنا وهذا يدل على أن الشعر العربي متصل الحلقات تجد أصداء المتقدم عند المتأخر .
ونختم هذه الكلمة بذكر ألفاظ لهج بها الشاعر من ذلك الفعل ( صيّح ) فقد ورد كثيراً مع آلات الطرب وأكثر ذلك مع المزهر الحبيب إلى نفسه مثل قوله :

بمزهري إن بنت صيح مزهري
شوق إليه وعبرة تتقطر
وقوله في

تعزيت بالنوى وصيحت مزهري ** أناديك كي ألقاك بين الازاهر

أو صيح المزهر الهيمان شاعرهم
لما تطلعت ما جاءوا بإحسان
ونجد الفعل صيح أيضا مع قيثارة

وصيحت قيثاري وفي القلب مأتم
لما حاق بالأفراخ يا نسر بالوكر

قد صيح القيثار وانتفضت به
ألحان محزون تئن وتشجب
هذا كما ترى غناء حزين
ونجد الفعل صيح مع العود

فغنى به الشادي وصيح عوده
بجوف الليالي ساهد الجفن ساهره
اقترن ذكر الفعل صيح مع آلات الطرب ولعل الشاعر وجد فيه ما يعين على التطريب حين ينشده شعره . ومع الفعل صيح نجد فعلاً غريباً تكررت مادته عند الشاعر وهو الفعل منهن يقول في

وأحبتي من كل غصن فاتن
أوهنهن بعض الاهاب مدللويقول في

ورأيت في رديك قلب مهنهن
بض رقيق الحس في الأنعام

ويقول في موضع ثالث

والشادن ألهنهن المبسام احسبه
أن صيح العود غنى لحن داؤود

وهذا الفعل من مضعف الرباعي كما يقول الصرفيون وهو ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس وعينه ولامه الثانية من جنس فوزن هنهن فعلل الهاء فاء الكلمة تكررت في اللام الأول والعين عين الظلم تكررت في لامها الثانية وهذا كما ترى ضرب من التكرار ولم أجد هذه المادة في كثير من المعاجم التي كشفت عنها فيها ولكني رأيتها تفترن في كلامه بالبضاضة والرقة .
وخلاصة القول أما أمام شاعر رقيق طروب يعجبه شعره لأنه يتاتي له بانتقاء الكلمات التي تحقق له ما يريد من الطرب والغناء وقد كان يعرف هنا الجانب في شعره فيقول عنه

واسجع كما سجع الهزار وغنني
بقريضك العذب الرقيق المرسل

رحم الله الشاعر الثائر المخلص الطروب عبد النبي عبد القادر مرسال فقد كان شاعراً متدفقاً قوي الشاعرية :

كتبه بابكر البدوي دشين
شهر رمضان المبارك 1425هـ
أكتوبر نوفمبر 2004م
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس