عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 07:57 PM   #13
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

فعلى الرغم من الآثار السلبية لعملية التحديث الاقتصادية

والإدارية، فإنه لا ينبغي أن ننسى ما كان يعتبر في بداية عصر

النهضة جنينيا وهامشيا، يتصارع مع قيم الجهل والمعتقدات

البدائية والتقاليد الإقطاعية والحكم الاستبدادي، والذي أصبح

اليوم يتمثل في العقلانية التواصلية التي أدت أن يشمل العقل

عدة مجالات، مثل إرساء قيم المساواة بين الأفراد واحترام القيم

الأخلاقية المختلفة واحترام القانون وصولا إلى بلورة أنظمة

ديموقراطية وقوانين ودساتير...

لذلك لا يوافق هابرماس تيار ما بعد الحداثة (فوكو، دريدا،

ليوتار...)على الازدراء الذي يكنوه لمشروع الحداثة واستخفافهم

بالعقل، بعدما اعتبروا الآثار السلبية للتقنية والبيروقراطية

سقوطا لمشروع الحداثة.

بادىْ ذي بدء، يدعو هابرماس إلى الحد من العقلانية الوظيفية

التي تمارسها التقنية بكل صلافة، والتي أطبقت سيطرتها على

الاقتصاد وتحكمت بيروقراطيتها في الدولة؛ لكي يعود الاقتصاد

والدولة إلى وظيفتهما الطبيعية. إذ لا يمكن أن يؤدي الاقتصاد

والدولة مهامهما إلا باعتبارهما نسقين متداخلين، فلا يجوز من

هذا المنطلق أن يحتكر السوق وحده مهمة إعادة التوازن.

الأمر الذي من شأنه أن يعيد دور السياسة إلى الصدارة بعد أن

تهاوت هذه الأخيرة أمام الاقتصاد، وأن يصبح الوعي الجماعي

أكثر تفكرا وتأملية تحت تأثير عقلانية تواصلية تستخدم البرهان

والحجج في إثبات قضاياها المعيارية.

لذا يجب تنفيذ عقلانية تنويرية وتحديثية في آن وعلى وجه

أكمل في مستويات العالم المعيشي الثلاثة: ۱– الثقافـة، ۲–

المجتمـع، ۳– الشخصـية.

الأمر الذي سيعطي لا محالة نتائج فعلية وفورية لمشروع

الحداثة:

١‘– الاعلاء من التأمل والتفكير العقلاني في الحياة الثقافية على

نحو أكثر عمقا.

۲“– تحقيق معيارية كونية تطبق على الجميع بعد أن تصدر من

لدنهم وبموافقتهم.

۳‘‘‘– العمل على بلورة تنشئة اجتماعية مولدة للمهارات

الفردية وتساعد على النضج الشخصي.

ومن هذا المنطلق، ينقض هابرماس العقلانية الأداتية الخاصة

بالتقنية والأنساق التي لا تعرف إلا منطق الحسابية والوظيفية،

ويقدم لها بديل العقلانية التواصلية التي تكفل شروط التفاعل

السليم والحوار المتبادل، بغية تأهيل الإنسان لحماية عالمه من

هدير التقنية على نحو يعيد التوازن بين عالمه المعيش وعالم

الأنساق.

وتحدد العقلانية التواصلية الشروط السليمة والكفيلة بامتحان

مصداقية ومعيارية أي خطاب يدّعي لنفسه الصلاحيةvalidité

على ما عداه من خطابات أخرى منافسة، فهي تمدنا بالوسائل

المسعفة لاختبار ادعاءات الصلاحية لأي من القضايا المعيارية

المعروضة وتزكيتها فقط، إذا تحقق فيها شرط الكونية الذي

يدعو إليه العقل.

وفي هذا الباب، فهو لا يؤمن بقدرة ذات عارفة كتلك التي يقول

بها ديكارت للوصول إلى هذه النتيجة ولا قدرة التفكير

الميتافيزيقي القائم على الحدس المتعالي لبلوغ ذلك. ويبقى

السؤال كيف السبيل إلى ذلك مادام أن لا الذات ولا الوعي قادران

على تحقيق ذلك؟

يلتجئ هابرماس أولا إلى الخروج من النموذج الإبستمولوجي

الذي ساد في الفكر الإنساني )الذات ـ الموضوع( أو ما يعرف

بفلسفة الوعي الذاتي واستبدال الفكر التأملي أو التفكر الذاتي

بالتذاوتي، حيث لا يجد الوعي فهما سليما له إلا من خلال قياسه

وامتحانه بالشكل الذي يقابله من علاقة ''أنا ـ أنت ''.

إن الضرورة التي تقتضي هذا الاستعراف التذاوتي

Reconnaissance intersubjective تنبع من اللغة

وهي تبزغ من الرصيد الثقافي والاجتماعي الذي يحيط بالفرد

المتكلم، ولا تأتي مستوردة من الخارج ولا من علياء السماء،

بمعنى أن مفرداتها موجودة قبل أن نوجد، وهي خزان المعارف

والتجارب لمن سبقونا. فعندما نتبادل الكلام نلتجىْ إلى معجم

نفهمه ويفهمه المتحدث الذي أمامنا، وإلاّ انعدم الاتصال

بالصوت والتواصل الاجتماعي بيننا.

__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس