عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-11-2009, 01:56 PM   #2
اقبـال
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2009
المشاركات: 3,419
إفتراضي

يكشف الكتاب عن القوى التي حاولت الاستفادة من التراث الذي صار مشاعا ففي حكاية دار المخطوطات التي تم انقاذ معظم مخطوطاتها ووضعها في ملجأ محصن وفي حاويات محمية حاولت جماعات وضع اليد عليها وتصويرها الا ان المعارضة القوية ادت الى نجاتها على الاقل في الوضع الحالي لانه لا يعرف ان كانت ظروف الجو في الملجأ مناسبة. من المثير ان امريكا التي تنفق يوميا على جهود الحرب بالعراق مليار دولار امريكي لم تعبر عن استعداد لتوفير مبلغ مليون دولار للمساهمة بحماية التراث. مع ان الولايات المتحدة وفرت في مرحلة لاحقة بعض المال من اجل تدريب العراقيين على ادارة متاحفهم والحفاظ على تراث الا ان الساخر في الامر هو انه جاء من دولة مسؤولة عن محو هويتهم. لم يخسر فقط العراقيون اكثر تراثهم القديم والاسلامي ومجموعاتهم من الكتب والمخطوطات والسجلات العثمانية والفترة الهاشمية بل ان عمليات عسكرة الفضاء الحضري تسهم في قتل تراثهم من مثل الكتل الاسمنتية التي تقوم بالقضاء على التنوع وتأكيد الهويات الطائفية فمن من 200 حي من احياء بغداد تحولت 25 منها الى احياء متجانسة، سنية او شيعية خالصة. كما ان بناء سفارة امريكية عملاقة في قلب بغداد والمشاريع التحديثية التي تتحدث عنها الحكومة العراقية لقصبات مدن تاريخية ستؤدي لمحو تراث وطرائق حياة متعارف عليها منذ قرون، كما ان عملية زيادة القوات الامريكية في عام 2007 والتي هدف منها تحقيق الامن ببغداد الا انها ادت لتحويل العاصمة الى غيتوهات طائفية واسهمت في النهاية لقتل الحس الجامع بين العراقيين وكونهم ينتمون الى هوية عراقية تتجاوز كل التقسيمات الطائفية.
ملاحقة الطاقات والكفاءات العلمية
من بين السياسات الاكثر همجمية وفظاعة كانت سياسة اجتثاث البعث التي ادت الى حرمان قطاع واسع من الحرفيين والمؤهلين والكفاءات من وظائفهم وادت بالنهاية الى الاستهداف المنظم للعقول العراقية التي تمت من خلال استراتيجيتين الاولى: القتل المستهدف والثانية: الاعتقال والتعذيب اضافة الى الترهيب والتخويف الذي قاد الى هروب العديد من العلماء من العراق ليواجهوا مصيرا قاتما حيث اصبح الكثير منهم عمالا سخرة، يبيعون الخضار ويسوقون السيارات من اجل النجاة في وضع جديد. ويلاحق الباحث ديريك اندريانسين ملاحقة طبقة الانتلجنسيا والمثقفين ويدرس حالات من النهب التي تمت والقتل المستهدف كما حدث في كلية طب اسنان بغداد ومسؤولية الاحتلال. ويرى الباحث ان شعار اجتثاث البعث لم يكن الا شعارا لتدمير وقتل المثقفين وحرق السجلات وتدمير الدولة الوطنية العراقية': سجلاتها دوائرها اعلامها ومؤسساتها، ممتلكاتها،قوانينها ونظامها القضائي والتدمير هنا لم يكن اثراً للحرب بل نتيجة لسياسة مدبرة ومخطط لها قبل الغزو. . فيما يدرس كل من ماكس فوللر واندريانسن فكرة تنظيف اللوح كطريقة للبداية من نقطة الصفر والعملية التي جرت من خلالها تطهير المثقفين وابعادهم عن النظام التعليمي واجبارهم على الهرب ان لم يقتلوا ومداهمة ونهب المؤسسات التعليمي. وفي محاولة لمعرفة القاتل او الفاعل لملاحقة الاكاديميين فان العديد من التحقيقات التي وعدت بها الحكومة العراقية لم يعلن عن نتائجها فيما لم يتم القبض على المشتبه بهم. ويعتقد الباحثان انه ايا كانت هوية المتهمين: الميليشيات وايران واسرائيل وقوات الاحتلال والحكومة الا ان الامر يدخل ضمن سياسة عبر عنها اندرو اردمان، المستشار الامريكي الكبير لوزارة التعليم العالي العراقية الذي آمن بضرورة تنظيف اللوح كشرط لبداية جديدة للدولة الجديدة يتم فيها قطع صلتها بالماضي 'النظام السابق' وهذا الانفصام يظل ضروريا وان كان رمزيا حسب المسؤول من اجل بناء نظام تعليمي على الرغم من انجازات وتاريخ النظام التعليمي العراقي. ويعني مدخل اردمان ان تاريخ العراق يحتاج الى اعادة كتابة ومن منظور المنتصرين، اي من زاوية مؤيدة لامريكا. ومن هنا كانت هناك ضرورة لاجراء انتخابات في الجامعات واستبعاد المحسوبين او ممن يتهمون بالبعثية من مراكز القرار في مؤسسات التعليم العالي. وهنا فان دور الاحتلال لم يكن بمحاولاته اعادة كتابة التاريخ بل ببنائه الجدار الذي حصن الجماعات التي مارست القتل واستهدفت عقول العراقيين والكفاءات التي يحتاج اليها البلد. ففي حالة مثلا يشار فيها الى ان معتقل الجادرية الذي قيل ان القوات الامريكية عثرت عليه بالصدفة عام 2005 ووجدت فيه معتقلين منهم اكاديميون يقال ان قوات الاحتلال كانت تعرف بوجوده وبنشاط الجماعات الذي تديره. وضمن هذا الفهم تمكن قراءة ورقة فيليب مارفليت 'تطهير العقول العراقية' التي ناقش فيها من ضمن ما ناقش الاساليب التي استخدمت لتنظيف العراق من كفاءاته كما علق اكاديمي عراقي في عمان، ومنها خيار السلفادور والعودة بالعراق الى عام الصفر.
تسييق التطهير
يقدم كتاب التطهير الثقافي عرضا مكثفا لأزمة العراق التي نجمت بسبب الاحتلال ويحاول تسييق الكارثة الثقافية العراقية من خلال مقارنتها بسياق تطهير ومحو تاريخي وهوية في فلسطين والبوسنة ففي كلتا الحالتين لم يسلم الموتى من المحو. وفي حالة العراق لم تسلم الاضرحة والتكايا والمدارس فيما تحولت المقابر العراقية الى مناحات دائمة ينعق فيها الغراب ليل نهار. ويؤكد الكتاب في ثناياه ان المحو الثقافي استخدم في كل عصور التاريخ كوسيلة للهيمنة ويتخذ المحو عدة اساليب منها تدمير المعالم والرموز التاريخية ومحو اللغات والكلمات، وقتل الجماعات وشطب الذاكرة الجماعية وهوية الجماعات. وفي حالة فلسطين والبوسنة يتم الشطب من خلال محو كل الاثار والادلة على وجود هذه الجماعة او تلك وفي حالة الابقاء على دليل تاريخ تتم قولبته من اجل تأكيد الاستمرارية التاريخية ـ كما يتم في فلسطين من تقسيم للحرم الابراهيمي ومصادرة المقامات الاسلامية وختمها بهوية جديدة هي الهوية اليهودية كما في مقام يوسف بنابلس ومقام راحيل ببيت لحم. في السياق العراقي فان الهوية العربية، لغة وتاريخا، والاسلام متجذران في الوعي العراقي ومن الصعب على اي جهة اقتلاعهما على الرغم من ان عددا من منظري المحافظين الجدد اعتقدوا بسذاجة ومنذ بداية الغزو امكانية تحويل العراق الى ارض خصبة للتبشير المسيحي. ويعتقد غلين اي بيري في دراسته المقارنة لعملية التطهير الثقافي ان الغزو عمل على المدى القريب على زعزعة الهوية القومية العربية للعراق من خلال تأجيج النزعات الطائفية وقد ينجح الغزو لفترة لكن استراتيجيته باستهداف تاريخ العراق ما قبل الاسلام ستترك آثارها السلبية. ومع ذلك يظل الغزو يحمل مخاطره التقسيمية خاصة على التنوع الثقافي العراقي وخطره على الاقليات كما تشير ورقة مختار لاماني الذي يرى ان اختفاء الاقليات فيه ليس خسارة له اي العراق ولكن للانسانية. مقاربات الكتاب مهمة من المقدمة الى ورقة بيري والبحراني التي تحاول فيها مواجهة مقولات انثروبولوجية باعتبارها استعمارية وغيرها من الاوراق ولكن ورقة عباس الحسيني على الرغم من اهميتها من ناحية سردها لمعالم التدمير ركزت كثيرا على الدمار الذي تم قبل الغزو وغير ذلك.
هدى صالح عماش
وفي النهاية وبعد هذه الرحلة المأساوية لتطهير العراق من ثقافته اتوقف مع شهادة عن حالة هدى صالح عماش المعروفة لدى الامريكيين بدكتور انثراكس والتي كانت على قائمة المطلوبين (رقم 53) ووصفها بيان امريكي بالعضو في القيادة القطرية والمسؤولة عن ابحاث اسلحة الدمار الشامل، واعتقلت في اذار(مارس) 2004. ويرى اندرو دواينيل، صاحب دار نشر ان عماش لم يكن لها علاقة بانتاج اسلحة الدمار الشامل حسب مفتشي الامم المتحدة. وعماش هي باحثة في مجال البيئة البيولوجية واول من تحدثت عن مخاطر اليورانيوم المنضب اثناء حرب الخليج على العراقيين من ناحية انتشار حالات السرطان خاصة بين الاطفال. لم يتم توجيه اية تهمة لعماش التي حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة ميسوري، وتم الافراج عنها في النهاية ويعلق مقرب منها قائلا: ' هي بلا عمل وبدون دعم مالي ولا يسمح لها الاحتلال بأخذ ما تحتاجه من حسابها المصرفي. وكانت في حالة صحية سيئة بسبب فظاعة التحقيقات معها. واثناء عملية اعتقالها قام الجنود الامريكيون بأخذ كل شيء من بيتها، كتبها واوراقها وجهاز كمبيوترها والقمامة وحتى اورواق التواليت، سي ديز، وكتبها والمجلات وكلها نقلت الى واشنطن دي سي الديمقراطية. وعندما افرجوا عنها لم يعيدوا اليها ما اخذوه منها. وعندما زرت بيت عائلتها القريب' وبحسب الشهادة جاء اعتقال عماش لاهتمامها بموضوع اليورانيوم المنضب'.
ابن الاثير
في النهاية وبعد هذه الرحلة نتذكر ما كتبه ابن الاثير صاحب كتاب 'الكامل في التاريخ' وهو يتحسر على زحف قوات التتار نحو بلاد الاسلام باعتبار الحادث مثيراً للخوف وتمنى ان امه لم تلده وانه كان نسيا منسيا. مات ابن الاثير عام 630 للهجرة وسقطت بغداد بيد التتار ونهبت ودمرت ثقافتها عام 656 للهجرة. كان الله رحيما بابن الاثير واختاره لجواره قبل ان يرى الدم والانهار التي اسودت من كثرة من مزق من كتب ورمي فيها. كان نهب بغداد فعلا بربريا وعملية تطهير بشري وثقافي ترك بغداد تتأوه لقرون وتتذكر ما حل بها ولطف الله بالاسلام والمسلمين عندما وقف زحف المغول وهزيمتهم في معركة عين جالوت على ارض فلسطين. على خلاف ابن الاثير لم نكن من اصحاب الحظ فلم نشاهد نهب بغداد بل شاهدنا الاخ يقتل أخاه في لعبة انتقام غريبة.
Cultural Cleansing
Why Museums were Looted, Libraries Burned and Academics Murdered
Edited by:
Raymond Baker, Shereen T. Ismael and Tareq Y. Ismael
Pluto Pre/ 2009
اقبـال غير متصل   الرد مع إقتباس