عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-12-2007, 07:57 PM   #5
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

وقد كان تميُّز غزليات عمر بن أبي ربيعة عن باقي الغزليين هو ما أسْمَيْتُه “غزل المرآة” وهو شعر تحوّل فيه الشاعر إلى موضوع ومن عاشق إلى معشوق فهو المطلوب من النساء والمعرِض عنهن بدلاله ” وقد فَتَنَ عمر النساء وتيّمهن فأخذن يطرينه ويتهالكن علية حتّى فُتِن بنفسه، فلم يتغن ّبحبِّه إيّاهن كما تغنّى بِحُبِّهنّ إيّاه ” (32)،حيث قال:
قالت لتِرْب لها تحدِّثها * انفسدنَّ الطواف في عمر
قومي تَصًدَّيْ له ليعرفنا * ثم اغمزيه يا أخت في خَفَرٍ
قالت لها : قد غمزته فأبى * ثم اسبطرَّت تسعى على أثري.
( اسبطرت = أسرعت)
كما قال أيضا:
أرسلتْ هندُ ُ إلينا رسولا * عاتبا: أنْ ما لنا لا نراكا؟
فيم قد أجمعت عنا صدودا؟* أأردت الصرم :أم ما عداكا؟
إن كنت حاولت َغيضي بهجري * فلقد أدركتَ ما قد كفاكا
قلتُ : مهما تجدى بي، فإني * أظهر الودّ لكم فوق ذاكا.
إنه لا يتحدث عن حبه، إن نرجسيته تظهر في كونه يفخر بنفسه ويشيد بجماله ويصور إعجاب النساء به وقد يشاركه في تلك الطفرة النرجسية ما قاله جميل بن معمر في نفسه على لسان صاحبته.
إنّي، عشيّة رُحتُ،وهي حزينة * تشكو اليَّ صبابة، لصبورُ
وتقول : بِتْ عندي،فديتك،ليلة * أشكوإليك،فإن ذاك يسير
3-1- استمرار حضور الدنجوانية في وجدان الشعر الأموي.
- هل استمرت الدنجوانية الشعرية (خيالا ولغة) في شعر عمر بن أبي ربيعة بعد الدنجوانية العبثية لإمرئ القيس؟(33)
لقد نهج عمر بن أبي ربيعة منهج امرئ القيس إجمالا فانسابت في شعره نفس العبثية التي صاغ فيها نفس البناء القصصي ونفس النهل من المعجم البلاغي والاصطلاحي له و التي نسجها ” في انسلاله إلى خِدر الحبيبة دون أن تمنعه عين كاشح واشٍ من الوصول إليه ، بُغية إقامة ليلة ، ثم ينسل كالحباب مع خيوط الفجر الأولى،وما أحد من الناس يعرف …ولكن إذا كان امرئ القيس ملكا ضليلا فقدَ عرشه، فإن عمر قد انتصر له بعد زمان، فحافظ على العرش وتزيّا بزيِّه، دون أن يتربع عليه، لأن دورا آخر مع المرأة ينتظره” (34).
فهذا عمر بن أبي ربيعة دخل خِدر “نعم” في ثوب امرئ القيس حين دخل خِدر “عنيزة” وحين حمله الشوق إليها، فانساب بين الخيام انسيابَ الحُباب حتى أدركها فتولَّهت ثم لانت، فهدّأ من روعها.
قال عمر بن أبي ربيعة:
وخفض مني الصوت أقبلت مشية * الحُباب وشخصي خِشية الحي أَزوَرُ
فحَيَّيتُ إذ فاجأتها فتولَّهـــــــــــت * وكادت بمكنون التحية تُجــــهــــــــر
وقالت وعضَّت بالبنان فضحتني * وأنت امرؤ ميسور أمرِكَ أعسَـــــــرُ
إن هذه الأبيات تنسجم كليا مع ما جاء به امرئ القيس في معلقته حيث قال :
سموت إليها بعد ما نام أهلها * سُمُوَّ حُباب الماء حالاً على حالِ
فقالت سَباكَ الله إنَّكَ فاضِحي *ألست ترى السُمَّار والناس أحوالي.
وقد تجسدت هذه الدنجوانية في قرب الشاعر من معشوقته وملامسة جسدها كذات وبذلك يتحطم التمثال ويجري نبذ المعشوقة للبحث عن تمثال آخر لا زال لم يتحوّل إلى واقع حي عند الشاعر.

2-3- الشعر العربي بين رقة الإحساس وخشونة اللغة.
إن التشبيه ملاك الغزل فهو المرتكز الأول للعمل الفنِّي وقد عاش الشاعر العربي ثُنائية الرقة /الخشونة في حياته الأدبية، فالرقة تعبير عن الحياة الداخلية التي يبدو فيها الإحساس جليّا وخشونة الحياة الخارجية التي تبدو في الصور التي تعكس ذاك الإحساس الرهيف .
فإذا كان من طبيعة شاعر الغزل الرقة فإن حياة الخشونة والقسوة لم تُسعفه في صياغة هذه الرقة في صور مماثلة لاحساساته.
وقد نأتي لوصف العينان بالشعر الأموي والجاهلي فنجد أن أجمل ما استقاه التخيُّل الشعري حول العيون، ما كانت واسعة وتُسمّى النجلاء والسوداء الحدقة وتسمى الكحلاء ، وذات البياض الشديد والسواد الشديد ، وتسمى الحوراء وذات الأهداب الطويلة الكثة وتسمى الوطفاء ..وقد أسهب العرب في وصف العيون، فشبَّهوها بعيون المَها، وعيون البقر.
قال عمر بن أبي ربيعة:
لها من الريم عيناه ولفتَتُهُ * ونجوةُ السَّابق المختال إذ صهلا .
أما امرئ القيس فإحساسه الرهيف بكل ما في نظرة المحبوبة من عطف وحنان قد أثَّر في وِجدانه الشعري بالاستجابة والتفاعل من تذوق الجمال وسُمو الرُّؤية الحسِّية، ” لكننا حين ننشد التعبير عن هذه العين الجميلة الواسعة ، وهذه النظرة العميقة النافذة، وهذا الحنان الذي يشع منها والعطف الذي يفيض عنها لا نجد عند الشاعر غير نظرة بقرة وحشية مُطْفِل من وحش وجرة ” (35) ويعود عمر بن أبي ربيعة للتعبير بالصورة الخارجية الجافة عن طراوة العاطفة الداخلية في وصف مشية المرأة .
بيضا حِسانا خرائدا قُطُفاً * يمشين هَوْناً كمشية البقر .
وفي وصف امرئ القيس لطول أصابع صاحبته وجمال تكوينها ونعومتها وطراوتها حيث” وقف يتأملها، وتمثلت له تعبث في عالمه النفسي وتستثير مشاعره تضغطها أو تفرج عنها، بهذه الأصابع، كيف تشاء…فلمّا جاء يعبر عن ذلك كله كان كل ما وجد حوله أساريع ظبي أو مساويك إسحل”(36) .
ولم يستطيع العربي التخلص من الحياة التي لم تنفصل عن وجدانه ولم تفارق نفسيته وذاكرته تلك الممارسات العنيفة في غزواته أو في ميدان القتال ومن هنا جاءت تلك الصفات الخشنة التي ألفها وسيطرت على علاقته بالمرأة عندما يختلي بها وهي صفاة وأفعال وأسماء حددت قاموس علاقته مع المرأة وقد اتسمت بالخشونة والعنف والعدوانية وهي ” بالنسبة إليهم أفعال معتادة يمارسونها بمنتهى السهولة بصفة دورية منتظمة أي أنها معلم طبيعي من معالم معيشتهم وليست استثنائية أو شادة أو فاذة”(37).
4- صورة المرأة المثال في شعر الغزل العذري.
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس