عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-01-2011, 01:38 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

توزيع النشاط بين قومية غير قوية وثقافة سائدة

الشعور القومي بالأساس يعني تعصب ابن القومية وتفضيلها على كل القوميات بالعالم، فالمنتمي لتلك القومية يُجهد نفسه في البحث عن عوامل قوة في تاريخ قومه منذ أن كُتب التاريخ، ليعزز بها شعوره المتعصب ويمد نفسه بوقود يبقي ديمومة روحه الوثابة. فلذلك تنتشر الكتابات التي تصب في هذا الاتجاه ويشتهر من كتبوها وألفوها ليصبحوا في عداد الأبطال والرموز القومية، والتي يردد أبناء تلك القومية أشعارهم وأفكارهم.

والثقافة السائدة هي مجموع المفاهيم والمعتقدات والأفكار وجزئيات التراث التي يستخدمها مثقفو وكُتاب وسياسيو منطقة معينة أو حتى تُستخدم عالمياً في بعض الحالات، فإن كانت الثقافة تُكتب وتُحكى بلغة معينة، سواء كانت لغة الحاكم أو لغة المثقفين في المنطقة أو العالم، فإن تلك الثقافة تصبح محط أنظار الرواد من كل أبناء القوميات في منطقة ما أو أجزاء واسعة من العالم. وعندها ستصبح تلك الثقافة بمثابة (أب) روحي ينافس الأب القومي الحقيقي، وقد تصبح في عينة معينة ملاذاً يلتجئ إليه أبناء قوميات معينة بدلاً من لجوئهم للأب الحقيقي.

في إقليم (كويبك) بكندا، حيث الناطقون بالفرنسية والذين تمتعوا بحكم ذاتي بعد نضالٍ طويل للانفصال دون جدوى، لاحظ أبناء الإقليم أن المهاجرين منذ عام 1947 وحتى الآن لا يفضل معظمهم الذهاب الى إقليم (كويبك) ولا للتعامل باللغة الفرنسية، إذ لم يستوطن في إقليم كويبك إلا 15% من الوافدين الجدد. وهذا له علاقة بآفاق الثقافة السائدة عالمياً، حيث الإنجليزية، وهذا دفع بحماس أبناء الإقليم للفتور والتراجع عما كانوا عليه في السابق.

وفي مناطق الأكراد في عدة دول متجاورة (إيران، العراق، تركيا، سوريا، روسيا). فإننا نلاحظ بوضوح هذا التشتت بين الولاء للقومية الكردية والثقافة السائدة، فعندما كانت الثقافة السائدة عالمياً هي معاداة الحكم في العراق، فقد اشتركت الدول الأربعة في إيواء الهاربين من العراق، واحتضانهم لزعماء أكراد والتنسيق معهم، رغم أن العراق هو الدولة الوحيدة بين تلك الدول التي أعطت للأكراد حكماً ذاتياً منذ عام 1971. وقد حمت القوات الأمريكية المنطقة الكردية في العراق، منذ عام 1991 في حين قامت بالقبض على (عبد الله أوجلان) زعيم حزب العمال الكردستاني التركي وتسليمه لتركيا!

في جنوب السودان، حيث تعيش قبائل سودانية تختلف في دينها ولغاتها وعاداتها وتاريخها، لم تبرز مسألة التوكيد على هوية اللغة أو الدين أو غيرها، بل برزت فكرة الانفصال نتيجة لمزاج وثقافة دولية سائدة، لا تكن وداً لنظام الحكم في السودان، فارتبطت معظم القيادات بمفاصل الثقافة السائدة عالمياً، والتي ترغب في فصل ذلك الجزء من السودان والتي تبلغ مساحته مجموع مساحتي كل من العراق وسوريا. لأغراض إستراتيجية لها علاقة بمستقبل دول حوض النيل وتأثيرها على الكيفية التي سترسم بها السياسات المستقبلية.

ومن كان يراقب لقاء الرئيس السوداني بنُخب جماهيرية من جنوب السودان، فقد كان يتكلم معهم بلغة عربية مفهومة، يعبسون عند بعض الجمل ويصفقون عند أخرى، ويضحكون عند سرد بعض النكات. أي أنه لغاية قبل أيام فإن الثقافة السودانية المتأثرة بالتراث العربي والإسلامي كانت هي الثقافة السائدة. ولكن وبعد الانفصال المتوقع ما هي الثقافة السائدة التي ستكون عليه في ذلك الجزء؟

إن معظم أبناء جنوب السودان أميون، حالهم حال أبناء السودان، وثقافة المثقفين والمتعلمين منهم آتية من نفس منابع ثقافة أبناء السودان الآخرين. هل ستحل اللغة الإنجليزية محل اللغة العربية المحكية والتي كانت سائدة بين دهماء الشعب هناك؟ وهل ستحل قبعة سيلفا كير محل غطاء الرأس السوداني الشعبي؟ أين المكاسب القومية في كل ذلك؟

المراتب والمهام والثقافة السائدة

مليئة هي صفحات التاريخ، التي تخبرنا عن أشخاص وأعلامٍ كبار تواروا خلف الثقافة السائدة، ليصلوا الى أعلى مناصب الدولة، أو أعلى المراكز العلمية والأدبية وغيرها.

عندما فكر أبو مسلم الخراساني أن يرتقي درجات سلم المجد، حاكى ما كان يفكر به بني عباس للانقضاض على الدولة الأموية. وهكذا فعل صلاح الدين الأيوبي، وحتى أبناء وأحفاد هولاكو، والذين انتهى بهم المطاف لاعتناق الإسلام.

وفي العصر الراهن، لم يكن لأوباما أن يصل الى ما وصل إليه في تسلم رئاسة أقوى دولة بالعالم دون التماهي مع الثقافة السائدة.

وعندما تكون الثقافة السائدة في إقليم ما، هي من الضعف بمكان، بحيث يصبح التطاول عليها أمراً مفروغاً منه، خصوصاً إذا كان حكام تلك الأقاليم قد رهنوا وجودهم بالحكم برعاية صاحب الثقافة السائدة عالمياً، فإن التزلف الى صاحب الثقافة السائدة عالمياً سيصبح مُحركاً لتململ أبناء القوميات الأخرى، وهنا تحدث المشاكل التي أصبحت فهرستها ـ لكثرتها ـ صعبة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس