عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-12-2007, 07:47 PM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي رحلة المؤنث في وجدان الشعر العربي .

رحلة المؤنث في وجدان الشعر العربي بقلم الباحث المغربي عبد النور إدريس
عبد النور إدريس 07 ديسمبر 2005

رحلة المؤنث في وجدان الشعر العربي
بقلم: الباحث عبد النور إدريس/المغرب

ـــــــــــــــــ
تصدير: (”والآخر عند الذات الفحولية ليس سوى كائن أنثوي مختصر في جسد شبقي مشتهِ”محمد عبد الله الغذّامي)
ــــــــــــــ
مدخل:
تعتبر المرأة محور اهتمام الشعراء التي وصفوها على مر العصور بأحلى وأجمل النسيب وقد كانت صورتها واضحة المعالم بشعر الغزل والأموي على الخصوص، باعتباره عصر الغزل الذهبي، والإبداع الشعري حول المرأة بما أنه يشكل الإرهاصات الأولى لبناء معمار الشخصية الأنثوية التي امتلك فيها الرجل الشاعر أولا والسارد ثانيا هوية المؤنث وأخرجها من حدود أبعادها الجنسية، وسواء كان هذا الشعر حقيقة أو تجربة مُتخيلة ما زالت المرأة مُلهمة للأدباء الشعراء وقد شغلت حيزا وافرا من وجدان الإنسان العربي حيث كانت المرأة منذ العصر الجاهلي حتى نزار قباني هي ثلاثية:الأنوثة و الجسد والهوية، مارس فيه الخيال الفني ثورته على القيود والمحرمات باعتباره ينمو وفق منطقه الداخلي ليشكل خصوبة رمزية في الممارسات الإنسانية.
إن حقيقة الشعر العربي كنسق لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الإطار السياسي والاجتماعي الذي أنشأه وبلور احتفاليته الثقافية بالوعي العربي.
إن العمل الأدبي في تحركه نحو إنتاج العالم المعيش لا يستطيع السقوط في المباشرية كإعادة الإنتاج المادي لواقعه وإنما ينزع نحو تكثيف المثال الفني لينسج مكانه عالم آخر لا يتماثل مع الصورة الفنية للمعيش الشيء الذي يضع بين أيدينا افتراض حضور الطابع المثالي لامرأة النسيب كمثل أعلى للجمال الأنثوي و عودة الشعر الأموي إلى الصورة الفنية للشعر الجاهلي الذي كان يمتح من صورة المرأة المثال الوثيقة الصلة بالمعتقدات الدينية والأسطورية وتنحدر منها لتعشش في المخيال العربي مند القدم .
لهذا كان طرحنا لعدة أسئلة من شأنه أن يثير تلك العلاقة الجدلية بين الإنتاج الفني واستهلاكه الاجتماعي .
- ما هي أسباب تواجد وحدة الصورة للمرأة في الشعر العربي ؟
- ما هي الدوافع التي حركت وساعدت الشعراء لمدح الجمال الأنثوي بالعصر الأموي؟
- ما هي الطرق التي عبّر بها شعراء “الحجاز” عن مكنونات قلوبهم وخوالجهم وعاطفة الحب لديهم ؟
- هل تعكس مقاييس الجمال المُنشَد الذوق العربي في تجلياته الواقعية أم إنها تعبر عن مثل أعلى للجمال طافح مترسب عن معتقد ديني أو أُسطوري سابق؟
- كـيف يـكون الإبـداع الشعـري شخصيا ويعـبر عـن ذات الـشاعــــــر وجماعيا ويعبر عن جسد القبيلة في نفس الوقت؟
- ما هي مقاييس تصنيف الشعر عند الأمويين انطلاقا من مظاهر تشطير البيت العربي إلى واجهة للحرائر وأخرى للجواري؟
- ما هي صورة المرأة المثال في شعر الغزل الأموي بملامحها الجسدية والمعنوية؟
- ألا يساعد الحفر اللغوي على فهم الإسطير الفهم الأمثل؟
لاشك أن محاولة الإجابة على هذه الأسئلة يعطي لهذا الفصل تصميما خاصا قد يجيب على تساؤلات النقد الأدبي، حيث أن الدراسات التي تطرقت لشعر الغزل لم تكن ترسم بشكل واضح صورة للمرأة العربية ف “قلما حفلت الدراسات التي تتناول شعر الغزل على امتداد العصور الأدبية العربية بشأن المرأة ” (1) .
وقد اعتمدت في هذا البحث المنهجية التي تعتبر العملية الفنية نفي مستمر لذاتها ومحيطها نحو خلق وحدة نسقية منسجمة للشكل بمضمونه، كما نضع في اعتبارنا العلاقة السوسيولوجية بين مرسل ومتلقي الصورة الشعرية.
إذن ما هي أهم المؤشرات التي تفاعلت بالسلب والإيجاب في وجدان الشعر الأموي ؟
1-المؤشرات البارزة في حركية شعر الغزل .
يرتبط تطور الشعر بمدى إمكانية تطور حياة المجتمع ولعل من أهم الأسباب التي أثرت في الاتجاهات الأدبية للعصر الأموي وخاصة من حيث حضور هاجس المجتمع في موضوعات الشعر وصوره وألفاظه وأساليبه، والتي أثرت بالسلب والإيجاب في تمظهرات الإشكال السياسي والاجتماعي والثقافي بالإبداع الفني ومدى الحضور القوي لهذه التجليات في تطور مفهوم الممارسة الشعرية كحقيقة واقعية متجانسة تستبدل تشكيلها الواقعي باللفظ والصورة الشعرية.
1-1- المؤشر السياسي
إن هذا المؤشر من أبرز المؤشرات التي طبعت العصر الأموي و”لئن كان للأمويين الغلبة في الوصول إلى الحكم ، فإنهم لم يستطيعوا غلبة المعارضة نهائيا فأدركوا أن حكمهم يحتاج إلى الاستقرار، وأن هذا الاستقرار بحاجة إلى دهاء سياسي” (2).
ومن آثار هذا الدهاء أن حرك بنو أمية النعرة القبلية بين العنصر العربي وعداهم من المسلمين، فكان طبيعيا أن تشب نارها في الشعر وبذلك ساهموا في أن يفتح “سوق عكاظ” بابه من جديد في وجه التراشق الشعري بين المكونات المختلفة لمعارضيهم بالحجاز والعراق والشام.
كما أحدثوا شرخا بمشاعر الذاكرة والنفس العربيتين لما حوّلوا مركز الخلافة من بلد الحجاز إلى الشام.
وقد ساهم هذا المؤشر في الظهور القوي للمؤشر الاجتماعي.
1-2- المؤشر الاجتماعي
بعد انتهاج بني أمية لسياسة الفتوحات وانفتاح البلاد العربية على حضارة الترف البيزنطية والفارسية، كان لتدفق الأموال كبير الأثر في تميُّز دهائهم السياسي لإسكات المعارضين وخاصة أصحاب الحق الشرعي في الخلافة بالحجاز، حيث عالج بنوأمية هذه المعارضة “بالمال الوفير أغدقوه عليهم بلا حساب، وأبعدوهم عن المشاركة في السياسة والحكم “(3).
وقد أنجب حجاز الترف شعراء كالعرجي والاحوص والحارث بن خالد المخزومي الذين رسموا في شعرهم الملامح الأولى للمرأة التي سنجدها كاملة عند الشاعر عمر بن أبي ربيعة.
ولقد أصبح الانغماس في الملذات شيئا مباحا ومظهرا تتسم به هذه الحقبة وخاصة بالحجاز الذي ازدهر فيه الغناء والإيقاع وفنون اللهو في الغفلة المتعمدة للرقيب الذي غض الطرف “عمّا انهمك فيه الناس من لهو وترف وغناء وحرية التمتع بملك اليمين من سبايا الهند وفارس والروم وسواها من البلدان ” (4).
هكذا استمتع المجتمع الحجازي باسترخائه حيث أنه خلع ثوب الجهاد ومضى يتمتع بجني الفتوحات، جمالا ومالا، فكان الغزل “أشبه موضوعات الشعر بالغناء، ومطلب النفوس من هذا مطلبها من ذاك، ومن هنا كان التجاوب بين حالتيهما: فمن آثار الموسيقى في الحجاز توجيهها موضوع الشعر إلى الغزل”(5).
1-2-1- الوضعية المجتمعية للمرأة بين ظاهرتي الحجاب و”ملك اليمين”.
يتحدد الأسر كواحد من الأسباب المباشرة لظاهرة الرق باعتباره أهم مصادرها الرئيسية وقد تعمقت العلاقة بين الرجل والمرأة المسترَقَّة من الناحية الجنسية بحكم ورودها في النص القرآني كملك اليمين تقول الآية: ﴿ وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم ﴾ سورة النساء الآية 3.
- ما هي انعكاسات ظاهرة “ملك اليمين” على نفسية المرأة العربية؟
- ما هي القاعدة الواقعية التي جعلت عمر بن أبي ربيعة ناطقا رسميا باسم المرأة الحرة ؟
إن التفتح الواسع على عدد النساء “الجواري”اللواتي أضفن التنوع في الجمال الأنثوي وحسن الصوت والغناء بالبيت الأموي حيث كان منهن الروميات والفارسيات والسنديات والهنديات…
وقد أدى الاستغراق في المجون والخلاعة إلى الابتعاد عن فحوى النص القرآني الذي أسس هذه الإجازة الشرعية “ملك اليمين” كتدبير مؤقت، فأخذ المجتمع الأموي ينهل من الحضارة التي وفدت عليه الشيء الذي “أقحم على الحرائر عوامل القلق والتمزق النفسي حين فهم الرجل خطأ حرية التمتع “بملك اليمين”فانقاد إلى قيانه وجواريه ، وذا الميل الفطري المنجذب بمادية أحاسيسه إلى اللذة الجسدية ” (6)
إن هذا التفسخ والاستغراق في التمتع بالجسد الأنثوي المتنوعة مصادر جماله وفتنته قاد البحث إلى أن نفترض وجود أزمة للزواج بالمجتمع الأموي وبالتالي إعراض الرجال عن زوجاتهم، الشيء الذي أضر بالحرائر من النساء العربيات كما أضر بهن الحجاب الذي عزلهن عن المجتمع “ذلك أن المرأة الحرة لا تباع ولا تشترى فلا ينبغي لها أن تبرز محاسنها إلا على حَليلها، بينما تبرز الجارية محاسنها لأنها مادة تجارية في سوق الرقيق تباع وتُشترى”(7).
إن الحجاب قد ألحق الحرة العربية بالظل وقد انشطر البيت الإسلامي إلى شطرين : شطر للحرائر وشطر للجواري.
فالحرائر قد فرض عليهم منطق الحجاب لزوم بيوتهن، يقول تعالى: ﴿يا أيها النبئ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن﴾ سورة الأحزاب الآية 59.
وكان من الانعكاسات المباشرة للحجاب، عدم خروج الحرائر بأية زينة أو طيب، ويمكن القول بأن هذه الوضعية جعلت المرأة الحرة تحاول صياغة وعي خاص بها لشد الذكر العربي إلى مفاتنها الشيء الذي دفع بها إلى منافسة الجواري في إبراز محاسنها ، وهي معركة شاملة ذات بعد انفلاتي من بعض أحكام الشرع الإسلامي، تحمل في جوهرها سمات معركة تستبد بالمضمون لكي تستحكم الاستبداد بالشكل.
فالمرأة الحرة ” ربَّما سعت بجسدها الأنثوي لأن تكون “خليلة ” لزوجها بعد أن كانت حليلة مما يسَّر للشعراء إثر هذه المنافسة سبيلا لاقتناص الصور التي تلائم ميولهم في غفلة الرقيب ” (8) .
لقد أُعجب الحجازيون بالأسيرات فأصبحوا أسرى لجمالهن وفتنتهن ودلالهن فكان الإعراض عن الزوجات بالجسد المستورد الوافد من الأمصار.
1-2-2- معركة الحرائر لاستعادة المكانة المفقودة
- كيف عبًّرت المرأة الأموية الحرة عن رغبتها في خرق الطابوهات وتكريس استمرارها أحيانا؟
أثار حكم بني أمية النعرة القبلية ودعوة الجاهلية فعاد الشعر للتداول باعتبار ان الشعر هو ديوان العرب، فعمدت المرأة المحصنة إلى إحياء ذكرى الجاهلية في النفوس وإغراء الشعراء للتشبيب بمفاتنها واستعراض خباياها النفسية والجسدية ” إذا ما كانت عزباء، فيقبل عليها الخطاب، أما المتزوجات فلِثَني الرجل عن أفعاله واستعادته إلى بيته” (9).
- كيف عبّرت العبقرية الشعرية العربية عن ذاتها؟
- ما هي تلك الخصوصية التعبيرية؟
فبعدما رقَّقَ الغناء وتعاطي الجواري من طبع البداوة بالحجاز كان لشعر الغزل في الحرائر مفعول الرقيب على الأخلاق المتشعبة المسالك في جغرافيا تضاريس وعي المجتمع العربي الجاهلي حيث لم يكن الشاعر الجاهلي بوقا للقبيلة فقط وإنما لسانها والمعبر عنها إذ ضَمُّن شعره مُلتقى عواطف القبيلة ومحامدها وسجل أيامها ووقائعها كصدى لها بالإضافة إلى كونه أنشد الشعر كقيتارة للتعبير عن نفسه ،فالغزل في رأي ابن قتيبة “غرض بذاته ولكنه غرض لغيره” ،الشعر والشعراء، بتحقيق أحمد شاكر.
“فهذه النكسة الجاهلية كان لها أثرها في الحياة الأدبية في هذه الفترة (العصر الأموي) من ناحية الكم والكيف جميعا، فقد أتاحت لتيار النشاط الأدبي الجاهلي أن يمضي في سبيله، وان يغمر الحياة بأمواجه المندفعة في صخب وعنف ، بعد أن تهاوت السدود التي تمنعه أو تحاول تلطيفه وتهذيبه”(10).
وقد وُصف العصر الشعري الأموي بعصر الرجعة”إذ جعلت الحياة الأدبية تُراجع فيه نشاطها الذي عرفته في العصر الجاهلي ، كما أرادت أن تجعل من نشاطها فيه صورة من ذلك النشاط الجاهلي وامتدادا له ” (11).
ولعـل ما يثبت فرضية كون عمر بن أبي ربيعة ناطق رسمي باسم المرأة العربية الحجازية هو كونه” رسم لها طريق الخلاص حين أنطقها، في شعره، بكل ما تريد البوح به وأعلى من شأنها، وناصرها في صراعها مع الجواري والـقيان بُـغـية إثبات وجـودها كائـنا لـه حــق الـحـرية والـحـياة “(12). وعندما جعلها عاشقة لا معشوقة حرّك غيرة الرجال على نسائهم المُهمَلات.
- هل هناك شروطا نظرية يمكن من خلالها تحديد الشعر الأموي في حدود الإباحية والعذرية؟
- بأي معنى يمكن أن ندعو قصيدة النسيب الأموية إباحية ؟

.
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس