عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-03-2010, 01:11 PM   #5
الفكرون
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2010
المشاركات: 23
إفتراضي

شرح الفصول الأربعة لفيفالدي :

تعتبر بعض اعمال فيفالدي للكمان والالات الوترية الاخرى من ارفع المؤلفات الموسيقية الممثلة لعصر الباروك في ايطاليا, حيث انه من بين مايربو على المئتي كونشرتو للكمان كان قد كتبها فيفالدي في مراحل زمنية مختلفة, تحتل كونشرتات الفصول الاربعه المكانة الارفع والاشهر والاكثر شعبية على امتداد عصور نمو وازدهار الموسيقى الكلاسيكة والى يومنا هذا في اوروبا والعالم اجمع.

تتالف مجموعة الفصول الاربعة من اربع كونشرتات قصيرة تم كتابتها في بدايات القرن الثامن عشر, حيث تمثل كل كونشرتو فصلا من فصول السنه وتتالف من ثلاث حركات موسيقية, الاولى سريعه والثانيه بطيئه والثالثه سريعه ايضا, كما هو متبع في مثل هذا النوع من الاعمال الاوركسترالية. ان تجارب محاكاة الموسيقى للطبيعة كانت ترافق تاريخ التاليف الموسيقى في كل عصوره , فقد كتب بيتهوفن سمفونيته السادسه الريفيه ليعبر بها عن تجاربه مع الطبيعة بعيدا عن ضجيج المدن وصخبها, وكذلك عبر شتراوس بصدق بالغ في موسيقاه الشهيره (دون كيخوت) عن طبيعة الحياة الريفيه وايقاع الحياة فيها, وغيرها الكثير من التجارب الموسيقيه التي لايتسع المجال لذكرها الان. على اية حال, فان فهمنا لهذه الكونشرتات سوف يتعمق و احساسنا بالجمال والابداع البوليفوني في هذا العمل الفذ سوف يزداد من خلال التأمل في معاني القطع الشعريه (السوناتات) التي يعتقد بأن فيفالدي او احدا من زملائه كان قد كتبها لتكون مقدمة لهذه الكونشرتات الاربعة.

في (سوناتة) فصل الربيع فصل البهجة والسرور, تغرد الطيور وتصدح حناجرها باغاني الفرح والحياة المتجدده ومع نسمات الربيع العذبه تتمايل سنابل القمح الشامخه بنعومة وسط المروج الخضراء وتجري المياة في الجداول والانهار بصفاء وروية, وبين تلك المروج وعلى اصوات حفيف اوراق الشجر كان يرقد الراعي الصغير وبجانبه كلبه الوفي, وعلى انغام مزمار ريفي صادح قام ومعه ثلة من رفاقه الرعاة يرقصون بحب مع حوريات الربيع الحسان.

وفي( سوناتة) الفصل الحارق فصل الصيف, وتحت اشعة شمس لاترحم, تنهك الرعاة والقطعان معا وتحرق اوراق اشجار الصنور, كانت جموع الدبابير والهوام الغاضب تطارد الراعي الصغير الذي كان يفر منها هاربا الى داخل كوخه الخشبي. وبعد عدة شهور وفي يوم غائم بعض الشئ تبرق السماء وترعد لتعلن بذلك قدوم فصل جديد من فصول السنه.

( سوناتة) فصل الخريف تحكي كيف كان القرويون يبتهجون ويرقصون بحلول موسم الحصاد وكيف كانت تقرع كؤؤس الشراب بفرح غامر في تلك الليالي التي تنتهي بنوم عميق واحلام سعيدة. وعند مطلع الفجر كان الصيادون ينطلقون حاملين معهم بنادقهم وسهامهم وترافقهم كلابهم الوفية بحثا عن الصيد وتعقبا للطرائد التي كانت في اخر المطاف ورغم محاولاتها المحمومه تقع فريسة لهم.

اما( سوناتة) فصل الشتاء فتحكي لنا كيف كانت الرياح البارده والعواصف الثلجية تجعل هؤلاء القرويين يرتجفون من الصقيع وتصطك اسنانهم وتتجمد اطرافهم مرغمة اياهم على ان يلوذوا بالمدافئ متحلقين حولها كي يحتسوا الشاي الذي عله يبعث بعضا من الدفأ بين اضلاعهم وهم يسترقون السمع لزخات المطر والبرد التي تنهمر بغزارة خارج اكواخهم الخشبية المتواضعه.

عودة لموضوع التأويل الموسيقي للقطع النثرية او الشعرية( السوناتات), فانه من المعروف ارتباط النص المكتوب للاوبرا او العمل الغنائي مع الموسيقى المنبقه عنه ارتباطا وثيقا. يختلف الامر بالنسبه للعمل الاوركسترالي حيث هناك هوة بين الموسيقى التي يغلب عليها الطابع التجريدي والنص الذي كتب لها, ولكن من خلال الاستلهام لمعاني هذه السوناتات مع الاستماع المتأن للكونشرتات الاربع يتكشف لنا مدى الجهد العبقري المبذول من قبل فيفالدي لملأ تلك الهوة التي غالبا ماتنشأ بين النص المكتوب والموسيقى الاوركسترالية المرافقة له. لذا فان الشهرة الواسعه لهذه الكونشرتات جاءت من قدرتها على الانتقال بالمستمع الى عالم الحياة الريفية والاندماج في حوار باذخ مع الطبيعية في جميع اطوارها وتحولاتها وذلك من خلال جمل موسيقيه مذهله تجاري في بلاغتها بلاغة اللغة التي كتبت بها القطع الشعرية (السوناتات) نفسها.


د. زيد الحمداني
__________________
الفكـــرون
الفكرون غير متصل   الرد مع إقتباس