عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-12-2006, 02:00 AM   #46
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

ولكنه يعود فيقاتل الصنف الثانى إذا عظموا رسول الله أو زاروا قبره أو مدحوه شعراً ، كما قالوا عن الإمام البوصيرى مادح الرسول الكريم فى قصيدة البردة .

على العموم الانقسامات العقائدية تبدأ دائماً حول التصور لأنه الله سبحانه وهو الحقيقة المطلقة غير قابل للتعدد والانشطار فى حين يتباين البشر بسبب تعددية الرؤى للحقيقة الإلهية أى تعدد التصورات البشرية القاصرة لحقيقة واحدة مطلقة .

ولذلك يقول الامام على فى نهج البلاغة (الحمد لله الذى انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته وردعت عظمته العقول ، فلم تجد مساغاً الى بلوغ غاية ملكوته ، هو الله الحق المبين ، أحق وأبين مما ترى العيون ، لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبها ، ولم تقع عليه الاوهام بتقدير فيكون ممثلاً ، خلق الخلق على غير تمثيل ولا مشورة مشير ولا معونة معين ، فتم خلقه بأمره ، وأذعن لطاعته ، فأجاب ولم يدافع ، وانقاد ولم ينازع " .

وهذا الذى قاله الامام على هو عين التوحيد الرسالى الذى نزل به الوحى الإلهى على الرسول الأعظم .

ان التفرقة بين الربوبية والألوهية لا تعدو ان تكون مجرد مبرر لتوزيع الاتهامات بالكفر ممن لا يملك ضد من لا يستحق من المسلمين الأبرياء . هذا هو فكر التكفير عن الألوهية والنبوة والرسالة وغيرها .

وبناء على هذا الفكر قال الشيخ ابن عبد الوهاب ليصل إلى تكفير كل البشر وأنهم وحدهم الفرقة الناجية : (وقولكم أننا نكفر المسلمين كيف تفعلون كذا كيف تفعلون كذا ، فإنا لم نكفر المسلمين بل ما كفرنا الا المشركين – يقصد المسلمين الذين لا يقولون قولهم – وكذلك أيضاً من أعظم الناس ضلالاً متصوفة فى معكال (بلد بالجزيرة) وغيره مثل ولد موسى بن جوعان وسلامة بن مانع وغيرهما يتبعون مذهب ابن عربى وابن الفارض ، وقد ذكر أهل العلم أن ابن عربى من أئمة أهل مذاهب الاتحادية وهم أغلظ كفراً من اليهود والنصارى ، فكل من لم يدخل فى دين محمد (ص) ويتبرأ من دين الاتحادية فهو كافر برىء من الإسلام ، ولا تصح الصلاة خلفه ، ولا تقبل شهادته ، وصاحب الاقناع قد ذكر أن من شك فى كفر هؤلاء السادة والمشائخ فهو كافر) .

أى أن التكفير يشمل الجميع ، وتلك هى المحنة التى تعيشها الأمة منذ انتشار الفكر التكفيرى بالدعم المالى .




خاتمة البحث :

قبل ختم البحث لابد هنا من إيراد ما أقره علماء مكة وسائر البلاد الإسلامية وقضاتها ومفتوها الذى عنون باسم (الأجوبة المكية فى الرد على الرسالة النجدية) وهى التى ذكرناها فى أول مقالنا ، وهم الذين عاصروا قتل أهل الطائف على يد الوهابيين قبل اقتحامهم مكة المكرمة .

قالوا : " تم النظر فى الباب الأول وحان العصر ، وقامت الصلاة فقاموا والنقش لأحمد الباعلوى (هو أحمد بن يونس الباعلوى كاتب الرسالة إملاء من علماء مكة) واللفظ أكثر للشيخ عمر عبد الرسول وعقيل بن يحيى العلوى والبعض للشيخ عبد الملك وحسين المغربى (من علماء مكة) ، ولما فرغوا من الصلاة رجعوا فى النظر إلى الباب الثانى فإذا طائفة من مظلومى الطائف دخلوا المسجد الحرام ، وانتشر ما جرى عليهم من أيدى الوهابيين واشتهر أنهم لاحقون من أهل الحرم وعامدون لقتلهم فاضطرب الناس كأنها قامت الساعة .

فاجتمع العلماء حول المنبر وصعد الخطيب أبو حامد وقرأ عليهم الصحيفة النجدية وما نقشت من ألفاظ العلماء فى ردها وقال : أيها العلماء والقضاة والمفتون سمعتم مقالهم وعلمتم عقائدهم فما تقولون ؟

فاجتمع كافة العلماء والقضاة والمفتون على المذاهب الأربعة من أهل مكة المشرقة وسائر بلاد الإسلام الذين جاءوا للحج وكانوا جالسين ومنتظرين لدخول البيت عاشر المحرم وحكموا بكفرهم وبأنه يجب على أمير مكة الخروج إليهم من الحرم ، ويجب على المسلمين معاونته ومشاركته ، فمن تخلف بلا عذر يكون آثماً ، ومن قاتلهم يصير مجاهداً ، ومن قتل من أيديهم يكون شهيداً .

فانعقد الاجتماع بلا خلاف على كلمة واحدة ، وكتبت الفتوى وختمت بخواتيمهم كلهم ، فصلوا المغرب وذهبوا بعد الصلاة إلى الشريف أمير مكة المعظمة .

واتفق كل من بمكة على قتالهم واتباع أمير مكة فى الجهاد عليهم والخروج بكرةً من حد الحرم إلى جهتهم واشتغل كل من فى استعداده " ، انتهى ما كتبه علماء مكة المعاصرين لابن عبد الوهاب .

ولكن ما حدث هو أن حروب الوهابيين لم تنقطع وعاثوا فساداً فى البلاد التى فتحوها ، قتلوا الرجال وسبوا النساء دون رادع من عروبة أو دين أو خلق ، وكلها بسبب فتاوى التكفير . وعندما استتب الأمر لآل سعود بفتاوى آل شيخ التكفيرية ، وظهر النفط الكثير لديهم قاموا بالانفاق على الحرمين الشريفين لكى يعطوا مصداقية لما يقولون ، وامتد أثرهم إلى الأجيال اللاحقة الذين لم يروا الأماكن المقدسة قبل أن يغير معالمها الوهابيون ، فلم يروا غضاضة من القول إن السعوديين يمثلون الإسلام طالما أنهم يوسعون الحرم أو يشقون الطرق ، أو يصرفون على مساجد أنصار السنة فى الديار الإسلامية .

يقول أبو هاشم الشريف : إن الأمة الإسلامية التى تنتسب إلى أهل السنة الآن مفرقة مشتتة، لا تدخل مسجداً أو حياً أو نجعاً إلا وتجد الخلاف فى مسائل الدين أصلاً من أصوله ، وكأن الأصل عند أهل السنة هو الاختلاف ، والاستثناء هو الاتفاق .

والسبب فى ذلك التنازع هو انتشار فكر مدرسة ابن عبد الوهاب (فكر التكفير) التى استمدت أفكارها وأصول مبادئها من فكر ابن تيمية فمثلاً : كان أهل مصر ينتهجون المذهب الشافعى فقهاً وعبادة وأسلوباً وهو منهج صحيح لا غبار عليه .

فجاء تلاميذ مدرسة التكفير :

ان وجدوا مسجداً يقنت فيه فى صلاة الصبح أحدثوا الفرقة والتنازع وإن وجدوا جماعة يجهرون بالبسملة فى الفاتحة فى الصلاة أحدثوا الفرقة والتنازع .

وإن وجدوا أهل قرية يقرأون القرآن لأمواتهم نفروهم وأحدثوا الفرقة والنزاع . وإن رأوا مجموعة من المسلمين تنتسب إلى شيخ صوفى كفروهم وأخرجوهم من الملة . وإن رأوا أناساً يتبركون برسول الله (ص) أو بآل بيته اتهموهم بالشرك الأكبر المخرج من الملة . أ.هـ .

ولكن الإشكالية الكبرى هو اقتناعهم بأن يجب قتل المسلمين المخالفين لهم فى الفكر .. وتعيش الأمة مأزقاً خطيراً بسبب الهجوم التكفيرى من جهة ، والهجوم الاستعمارى الاستكبارى من جهة أخرى .

عود على بدء

ان الخروج من هذه الأزمة الرهيبة يتطلب إعادة الأمة إلى نفس الموضع الذى كانت عليه قبل الظهور التكفيرى .

والبداية هى سحب الشرعية الدينية التى يقومون عليها ويقيمون عليها دعوتهم ألا وهو سحب الإشراف التكفيرى عن الحجاز المقدس ، وهذا سيجعلهم بالتأكيد يفقدون الكثير من مصداقيتهم.

ولكن ذلك سيعيد الإسلام صفاته الأولى قبل انتشار الفكر التكفيرى .

من هنا تأتى دعوتنا لأسلمة الحجاز ومنها تنطلق الدعوة لإحياء العقل وهى دعوة تستحق الكتابة والتضحية .





--------------------------------------------------------------------------------

* باحث مصرى متخصص فى شئون الحجاز يعمل بمركز يافا للدراسات والأبحاث - القاهرة

السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس