عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-02-2009, 11:05 AM   #21
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

هل نحن نحلم ولا وجود لهذا العالم ؟


البداهة والفطرة تنفى هذا الرأى ، فالعالم الخارجى موجود ..

وحواسنا تحيلنا دائما على شىء آخر خارجنا .. ولكن هناك فجوة بيننا وبين هذا العالم .. حواسنا لا تستطيع أن تراه على حقيقته وإنما هى تترجمه دائما بلغة خاصة وذاتية ..وشفرة مختلفة ..

ولو أننا كنا نحلم .. ولو أننا نهذى كل منا على طريقته .. لما استطعنا أن نتفاهم ..

ولما استطعنا أن نتفق على حقيقة موضوعية مشتركة .. ولكننا فى الحقيقة نتناول بين أيدينا تراجم حسية .. ربما ناقصة .. وربما غير صحيحة .. ولكنها تراجم لها أصل أمامنا ..

إننا لا نحلم ..

وإنما نحن سجناء حواسنا المحدودة .. وسجناء طبيعتنا العاجزة .. وما نراه ينقل إلينا دائما مشوها وناقصا ومبتورا نتيجة رؤيتنا الكليلة ..


والنتيجة أن هناك أكثر من دنيا ..

هناك الدنيا كما هى فى الحقيقة وهذه لا نعرفها .. ولا يعرفها إلا الله ..

وهناك الدنيا كما يراها الصرصور .. وهى مختلفة تماما عن دنيانا .. لأن الجهاز العصبى للصرصور مختلف تماما عن جهازنا .. فهو يرى الشمس بطريقة مختلفة .. وهو لا يرى الشجرة كما نراها نحن شجرة .. وهو لا يميز الألوان ..

وهناك الدنيا كما تراها دودة الإسكارس .. وهى مختلفة تماما عن دنيا الصرصور ..
فهى دنيا كلها ظلام .. دنيا خالية من المناظر .. ليس فيها سوى إحساسات بليدة تنتقل عن طريق الجلد ..

وهكذا كل طبقة من المخلوقات لها دنيا خاصة بها ..

وكل طبقة من المخلوقات تعيش سجينة فى تصوراتها .. لا تستطيع أن تصف الصور التى تراها الطبقات الأخرى ..

لا يمكننا نحن الآدميون أن نتكلم مع الطيور أو الزواحف أو الديدان أو الحشرات لنشرح لها أو تشرح لنا ما نراه من الدنيا ..

وربما لو حدث هذا فى يوم لأمكننا أن نصل إلى ما يشبه حجر رشيد .. ولأمكننا أن نتوصل إلى عدة شفرات ولغات مختلفة للدنيا .. نضعها تحت بعضها ونفك طلاسمها ..
ونعرف سرّ هذه الدنيا ..

ولكن هذا الإتصال غير ممكن .. لأننا الوحيدون فى هذا الدنيا الذين نعرف اللغة وبقية المخلوقات عجماء ..

ما الحل ؟

هل ننتظر حتى نسافر إلى الفضاء ونعثر على مخلوقات فى المريخ تقرأ وتكتب ؟

علماء الرياضة يقولون لنا أنه لا داعى للإنتظار .. فهناك طريقة أخرى ..
طريقة صعبة لكنها قد تصل بنا إلى الحقيقة ..

هذه الطريقة هى أن نضع جانبا كل ما تقوله الحواس .. ونستعمل أساليب أخرى غير السمع والبصر والشم واللمس ..
نستعمل الحساب والأرقام .. نجرّد كل المحسوسات إلى أرقام ومقادير ..


القائمة الطويلة المعروفة للأشعة الضوئية .. الأحمر والأزرق والبنفسجى والأخضر ..... إلخ
نجرّدها إلى أرقام ..

ماذا يقول لنا العلم .. إنه يقول إن كل هذه الاشعة عبارة عن موجات لا تختلف إلا فى أطوالها وذبذباتها .. إذا هى فى النهاية مجرد أرقام ..
كل موجة طولها كذا .. وذبذبتها كذا ..
وكذلك كل صنوف الإشعاع كأشعة الراديوم واشعة إكس ..
الاشعة الكونية كلها أمواج .. مثل أمواج اللاسلكى التى نسمع المذيع يقول كل يوم إنها كذا كيلو سيكل فى الثانية ..
مجرد أرقام .. نستطيع أن نقيسها نحسبها ونجمعها ونطرحها ..

إذن نغمض عيننا ونفكر بطريقة جديدة ..

وبدلا من أن نقول اللون الأخضر أو اللون الأحمر نقول كذا كيلو سيكل ثانية ..

والذى أغمض عينيه وبدأ يفكر بهذه الطريقة الجديدة التى أحدثت إنقلابا فى العلوم ..كان هو العالم الرياضى ماكس بلانك الذى خرج فى 1900 م بنظريته المعروفة فى الطبيعة النظرية الكمية .. Quantum Theory

وقد بدأ من حقيقة بسيطة معروفة .. إنك إن سخنت قضيبا من الحديد فإنه فى البداية يحمر ثم يتحول إلى برتقالى ثم أصفر ثم أبيض متوهج ..

إذن هناك علاقة طردية بين الطاقة التى يشعها الحديد الساخن وطول أو ذبذبة الموجة الضوئية التى تنبعث منه ..

هناك معادلة ..

وبدأ يبحث عن عن هذه المعادلة حتى عثر عليها ..

وجد ببساطة أن الطاقة المشعّة مقسومة على الذبذبة (ن) تساوى دائما كمّا ثابتا (مثل النسبة التقريبية فى الدائرة) هذا الكمّ أسماه ثابت بلانك (هـ) ..
والمعادلة هى :

الطاقة = هـ x ن

وهى معادلة تقوم على إفتراض أن الطاقة المشعة تبعث فى كميات متتابعة .. فى دفعات .. أو حزم .. أو حبيبات من الطاقة .. أو ذرات ..
وأطلق على هذه الذرات الضوئية اسم "فوتونات" ..

وفى رسالة نال عليها أينشتين جائزة نوبل قدم دراسة وافية بالمعادلات والأرقام عن العلاقة بين هذه الفوتونات الضوئية الساقطة على لوح معدنى وبين الكهرباء التى تتولد منه ..

وعلى اساس هذه المعادلات قامت فكرة إختراع التليفزيون فيما بعد ..

يقول أينشتين إن من الظاهرات المعروفة فى المعمل أنك إذا أسقطت شعاعا من الضوء على لوح معدنى فإن عددا من الإلكترونات تنطلق من اللوح .. ولا تتأثر سرعة إنطلاق هذه الإلكترونات بشدة الضوء ، فمهما خف الضوء ومهما ابتعد مصدره فالإلكترونات تنطلق بسرعة ثابتة .. ولكن بعدد أقل .. وإنما تزداد هذه السرعة كلما كانت الموجة الضوئية الساقطة عالية الذبذبة .. ولهذا تزيد فى الأشعة البنفجسية وتقل فى الحمراء .

وهو يفسر إنطلاق هذه الإلكترونات بأن الضوء لا يسقط على اللوح المعدنى فى سيّال متصل وإنما فى حزم من الطاقة .. "فوتونات" .. وتصطدم هذه الفوتونات بالإلكترونات فى اللوح المعدنى كما تصطدم العصا بكرات البلياردو فتطلقها حرة خارج مداراتها ..

وكلما كانت الأشعة الضوئية ذات ذبذبة عالية (البنفسجية مثلا) كلما كان الفوتون يختزن طاقة أكبر .. كلما أطلق الإلكترونات بسرعة أكبر ..

وربط هذه العلاقات فى سلسلة من المعادلات الرياضية ..

وعمد التليفزيون إلى تطبيق هذه النظرية فى جهاز الإرسال التلفزيونى .. فأنت حينما تجلس أمام كاميرا التليفزيون فإنها تنقل صورتك التى هى عبارة عن نقط من الظل ونقط من النور إلى اللوح المعدنى الحساس ..

ونقط النور ونقط الظل الساقطة على اللوح المعدنى تطلق سيالا من الإلكترونات يتفاوت فى العدد وفى السرعة حسب الظل والنور فى الصورة .. وهذه الخفقات الإلكترونية تنتقل إلى عمود الإرسال وتذاع على شكل موجات مغناطيسية كهربائية إلى أجهزة الإستقبال ..

وأينشتين لم يفكر حينما وضع معادلاته فى إختراع التليفزيون ..

وعلماء الرياضة لم يثر إهتمامهم فى ذلك الحين ولا فيما بعاد .. ظهور التلفزيون .. وإنما الذى اثار إهتمامهم هو هذا الإفتراض الجديد الذى اقام عليه ماكس بلانك معادلته فى النظرية الكمية .. وأقام عليه أينشتين معادلاته فى الظاهرة الضوئية الكهربائية ..

إن الضوء ينطلق فى ذرات .. أو فوتونات .. لا فى أمواج متصلة .. فالضوء حتى ذلك الحين كانت طبيعته موجية .. فكيف يصبح شأنه شأن المادة .. مؤلف من ذرات .. أو فوتونات ..

وماذا تكون هذه الفوتونات .. هل هى كرات من الطاقة لها حيز .. ولها أوضاع فى المكان .. شأنها فى ذلك شأن جزيئات المادة .. وإذا كان الضوء ذرات .. فكيف يتصرف كما لو كان أمواجا ..

لماذا يحيد الضوء حينما يدخل من ثقب ضيق كما تحيد أمواج البحر حينما تدخل فى مضيق .. ولماذا ينعطف الضوء حول شعرة رفيعة فلا يبدو لها ظل .. كما تنعطف الأمواج وتلتحم حول عصا مرشوقة فى البحر ..

وكيف نفرق بين المعادلات التى تحسب الضوء على أساس أن طبيعته موجية متصلة وبين المعادلات الجديدة التى تحسب الضوء على أساس أن طبيعته ذرية متقطعة ؟

أم أن للضوء طبيعة مزدوجة ؟


وكيف !! ؟

كيف تكون الحقيقة بهذا التناقض ؟

أم أنه لا توجد حقيقة واحدة ؟ !!
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس