عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-02-2009, 05:54 PM   #30
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

مبدأ الشك



هل الضوء أمواح ؟

هل الضوء ذرات ؟

كانت المعركة محتدمة بين العلماء الذين يقولون بأن للضوء طبيعة موجية .. وبين العلماء الذين يقولون بأن طبيعته مادية ذرية .. حينما تقدم عالم نمساوى اسمه "شرودنجر" بمجموعة من المعادلات .. ليعلن نظرية اسمها "الميكانيكا الموجية" .

وفى هذه النظرية أثبت شرودنجر بالتجربة أن حزمة من الإلكترونات ساقطة على سطح بللورة معدنية تحيد بنفس الطريقة التى تحيد بها أمواج البحر التى تدخل فى مضيق .. واستطاع أن يحسب طول موجة الإلكترونات التى تحيد بهذه الطريقة ..

وأعقبت هذه المفاجأة مفاجآت أخرى .. فقد أثبتت التجارب التى أجريت على حزم من الذرات ، ثم على حزم من الجزيئات .. أنها بإسقاطها على بللورة معدنية تتصرف بنفس الطريقة الموجية وأن طول موجاتها يمكن حسابه بمعادلات شرودنجر ..

وبهذا بدأ صرح النظرية المادية كله ينهار ..

إن الهيكل كله يسقط ، ويتحول إلى خواء ..


إن كهان العلوم دأبوا من سنين على أن يعلمونا أن الذرة عبارة عن معمار مادى يتألف من نواة (بروتون أو أكثر) تدور حولها الإلكترونات فى افلاك دائرية كما تدور الكواكب حول الشمس ..

وأكثر من هذا حسبوا عدد الإلكترونات فى كل ذرة وقالوا لنا إنها إلكترون واحد فى ذرة الأيدروجين ثم تزيد فى العناصر الثقيلة حتى تبلغ 92 إلكترون فى ذرة اليورانيوم ، وأن كل ذرة لها وزن ذرى .. وأثبتوا كل هذا بالمعادلات ..

فماذا يقولون فى هذا الذى يهدم لهم صرح الهيكل ليقول إنه لا يحتوى على شىء له كيان مادى أو حيز ، وإنما كل ما هنالك طاقة متموجة وأكثر من هذا يقدم لهم الإثبات بالمعادلات والتجارب !

وكانت بلبلة علمية لا حد لها ..

كيف يمكن أن يقوم البرهان على شيئين متناقضين .. وهل يمكن أن يكون للشىء طبيعة متناقضة ..


كيف يمكن أن تكون للمادة صفات موجية ، وللضوء صفات مادية ..

وتقدم عالم ألمانى هو "هايزنبرج" وبرفقته عالم آخر هو "بورن" ليقول إنه من الممكن تخطى هذه الفجوة وأنه لا توجد مشكلة ، وقدم مجموعة من المعادلات يمكن عن طريقها حساب الضوء على أنه أمواج أو على أنه ذرات .. ولمن يريد أن يختار الإفتراض الذى يعجبه ، وسيجد أن المعادلات تصلح للغرضين فى وقت واحد ..

كيف يمكن أن تكون الحقيقة متناقضة ؟

العلماء يسألون .. وهايزنبرج يرد ببساطة ..

الحقيقة المطلقة لا سبيل إلى إدراكها ..

العلم لا يستطيع أن يعرف حقيقة أى شىء ، إنه يعرف كيف يتصرف ذلك الشىء فى ظروف معينة ، ويستطيع أن يكشف علاقاته مع غيره من الاشياء ، ويحسبها .. ولكنه لا يستطع أن يعرف ما هو ؟

لا سبيل أمام العلم لإدراك المطلق ..

العلم يدرك كميات ، ولكنه لا يدرك ماهيات ..

العلم لا يمكنه أن يعرف ما هو الضوء .. ولا ما هو الإلكترون ..

وحينما يقول أن الاشعة الضوئية هى موجات كهربية مغناطيسية أو فوتونات فإنه يحيل الألغاز إلى ألغاز أخرى .. فما هى الموجات الكهربائية المغناطيسية ؟ حركة فى الأثير ؟ وما الحركة ؟ وما الاثير ؟

وما الفوتونات ؟ حزم من الطاقة ؟ وما الطاقة ؟

العلم لا يمكن أن يعرف ما هية أى شىء .. إنه يستطيع أن يعرف سلوك الشىء وعلاقاته بالاشياء الأخرى والكيفيات التى يوجد بها فى الظروف المختلفة .. ولكنه لا يستطيع أن يعرف حقيقته ..


وحينما يكتشف العلم أن الضوء فى إحدى التجارب يتصرف بطريقة موجية .. وفى تجربة أخرى يتصرف بطريقة مادية ذرية .. فلا تناقض هناك .. لأن ما اكتشفه العلم هو مسلك الضوء .. والكيفيات التى ينطلق بها فى الظروف المختلفة ، لا فى حقيقة الضوء .. ويمكن أن تكون للضوء طبيعة مزدوجة ..

والصفة الثانية للعلم .. أن أحكامه كلها إجصائية وتقريبية .. لأنه لا يجرى تجاربه على حالات مفردة ، لا يمسك ذرة مفردة ليجرى عليها تجاربه .. ولا يقبض على إلكترون واحد ليلاحظه .. ولا يمسك فوتونا واحدا ليفحصه .. وإنما يجرى تجاربه على مجموعات .. على شعاع ضوء مثلا (والشعاع يحتوى على بلايين بلايين الفوتونات) .. أو جرام من مادة والجرام يحتوى على بلايين بلايين الذرات .. وتكون النتيجة أن الحسابات كلها حسابات إحصائية تقوم على الإحتمالات .. وعلى الصواب التقريبى ..

والقوانين العلمية اشبه بالإحصائيات التى يمسح بها الباحثون الإجتماعيون المجتمع لتقرير حالات الإنتحار أو اسباب الطلاق ..
أو علاقة السرطان بالتدخين . أو الخمر بالجنون .. وكل النتائج تكون فى هذه الحالة ناتج عن إحتمالية وإحصائية لأنها جميعا متوسطات حسابية من أعداد كبيرة ..

أما إذا حاول العلم أن يجرى تجاربه على وحدة اساسية .. كأن يدرس ذرة بعينها أو يلاحظ إلكترونا واحدا بالذات .. فإنه لا يمكنه أن يخرج بنتيحة أو معرفة .. لأنه يصطدم باستحالة نهائية ..

ولكى يثبت هايزنبرج هذه الإستحالة تخيل أن عالما يحاول أن يشاهد الإلكترون .. فعليه أولا أن يستخدم ميكروسكوبا يكبر مائة مليون مرة .. وعلى افتراض أنه حصل على هذا الميكروسكوب .. فإن هناك صعوبة أخرى ، وهى أن الإلكترون اصغر من موجة الضوء .. فعليه أن يختار موجة قصيرة .. مثل اشعة إكس .. ولكن اشعة إكس لا تصلح للرؤية .. إذن عليه أن يستخدم اشعة الراديوم .

وبإفتراض أنه حصل على هذه الاشياء ، فإنه فى هذه اللحظة التى يضع فيها عينيه على الميكروسكوب ويطلق فوتونا ضوئيا ليرى به الإلكترون فإن الفوتون سوف يضرب الإلكترون كما تضرب العصا كرة البلياردو ويزيحه من مكانه مغيرا سرعته (لأن الفوتون شحنة من الطاقة) .. فهو فى محاولته لتسجيل وضع الإلكترون وسرعته لن يصل لأى نتيجة .. إذ فى اللحظة التى يسجل فيها مكانه تتغير سرعته .. وفى اللحظة التى يحاول فيها تسجيل سرعته يتغير مكانه .. لأن إطلاق الضوء عليه لرؤيته ينقله من مكانه ويغير سرعته ..

إن عملية الملاحظة التى يقوم بها تغيّر من النتيجة المطلوبة .. إنه يحاول أن يرى طبيعة الإلكترون ليسجلها ولكن عملية الرؤية تغيّر أو ما تغيّر تلك الطبيعة التى يجرى وراء تسجيلها .. فهو ينقل الإلكترون من مكانه فى اللحظة التى يحاول فيها أن يسجل مكانه ..

وهكذا يكون التعامل مع الوحدات الأساسية فى الطبيعة مستحيلا .. فحينما نصل إلى عالم الذرة الصغير .. يستحيل علينا التحديد .. وفى نفس الوقت يتعطل قانون السببية ، فلا يصبح ساريا ..

إننا نكون مثل الإعمى الذى يمسك بقطعة مربعة من الثلج ليتحسس شكلها ومقاييسها .. وهى فى اللحظة التى يتحسسها تذوب مقاييسها بين يديه ، فيفقد الشىء الذى يبحث عنه بنفس العملية التى يبحث بها عنه .

وهكذا تتعطل القوانين حينما تصل إلى منتهى أجزاء ذلك الكون الكبير وتتوقف عن اصغر وحدة من وحداته .. فلا تعود سارية ولا تعود صالحة للتطبيق ..

وبالمثل هى تتعطل أحيانا حينما نحاول أن نطبقها على الكون باسره ككل .. فقانون السببية أيضا لا يعود ساريا بالنسبة للكون ككل ..

القوانين تصطدم مع الحد الأكبر ومع الحد الأصغر للكون ولا تعود سارية ..

والعقل يصطدم بالإستحالة حينما يحاول أن يبحث فى المبدأ وفى المنتهى .. لأنه لم يُجهز بالوسائل التى يقتحم بها هذه الحدود ..

بهذا البحث الفلسفى الرياضى .. استطاع هايزنبرج أن يفسر الطبيعة المزدوجة للضوء .. ووضع المعادلات التى تصلح لتفسير الضوء على الاساس المادى وعلى الأساس الموجى فى نفس الوقت ..

إن كل ما يمكن للعلم ان يدركه هو "الكميات" و "الكيفيات" ولكن لا سبيل إلى إدراك الماهيات !


لكن آينشتين كانت له وجهة نظر أخرى ..

كان يرى العالم فى وحدة منسجمة ..

كان يرى العالم الكبير بشموسه وأفلاكه .. والعالم الصغير بذراته وإلكتروناته خاضعا كله لقانون واحد بسيط ..

وكان يرى أن العقل فى إمكانه أن يكتشف هذا القانون .. وكان يبحث عنه جاهدا ..

وفى سنة 1929 أعلن عن نظرية "المجال الموحد" .. ثم عاد ورفضها بعد ذلك واستبعدها ..


وعاود البحث من جديد ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس