عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-08-2008, 02:09 AM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

ويتوقف في المقامة السابعة والمسماة _ "البرقعيدية » عند مظاهر العيد في تلك القصبة الواقعة في ديار ربيعة فوق الموصل ودون نصيبين والمعروفة بـ "رقعيد» (2) حيث تأسره تلك المظاهر الفولكلورية, وهو مقيم في تلك الديار فيقول (ص 48) "حكى الحارث بن همام قال : أزمعت الشخوص من برقعيد, وقد شمت برق عيد، فكرهت الرحلة عن تلك المدينة أو أشهد بها يوم الزينة, فلما أطل بفرضه ونفله, وأجلب بخيله ورجله, أتبعت السنة في لبس الجديد، وبرزت مع من برز للتعييد، وحين التأم جمع المصلى وانتظم, وأخذ الزحام بالكظم, طلع شيخ في شملتين, محجوب المقلتين الخ "بهذاالاستهلال, يضعنا الحريري في قلب الفولكلور العربي الاسلامي, حيث تقتضي الشريعة ابدال الملابس الجديدة بالقديمة في يوم العيد، يضاف الى ذلك فرض صلاة يوم العيد، واعطاء الزكاة والفطرة, ومن هنا يتضح أنه حدد عيد الفطر,ومن هذه الاحتفالية الكرنفالية, يظهر كيفية قيام الشحاذين والمكديين باستغلال مثل هذه المناسبة الدينية, وبعد أن يحكم أبوزيد السروجي لعبته في التكسب بيوم العيد، يدركه الحارث بن همام ليكشف حيله, فينصب عليه من خلال الفولكلور ذاته, حيث يطلب منه (غسولا يروق الطرف وينقي الكف وينعم البشرة, ويعطر النكهة, ويشد اللثة, ويقوي المعدة )(ص 94) ثم يميل بتلك الخديعة لذكر الأعشاب والتداوي بها فيقول (ص 54) "وليكن نظيف الظرف, أريج العرف, فتي الدق, ناعم السحق, يحسبه اللامس ذر ورا, ويخاله النا شق كافورا، واقرن به خلالة نقية الأصل, محبوبة الوصل, أنيقة الشكل, مدعاة الى الأكل لها مخافة الصب وصقالة العضب, وآلة الحرب ". ومن هنا ندرك مدى العمق الاجتماعي المنعكس في ذهن الحريري حتى يعرف كل هذه الأمور الصغيرة والدقيقة وكيفية توظيفها والاستفادة منها.

وفي المقامة الثامنة, والمسماة بـ "المعرية » يتناول الحريري موضوعة الحياة الزوجية والخلاف والطلاق, والزعل والغيظ, وما الى ذلك من تشابك في حياة الزوجين (ص 55- 61) اضافة الى حل الاشكالات الاجتماعية الناجمة عن الاعتداء على البكور, وما يرافق ذلك من دية أو ما يعرف ب " الفصل » في سياق العادات والعرف الاجتماعي, ومن معرة النعمان, ينتقل الحريري الى بلاد مصر، حيث يتوقف عند ذات الموضوع في المقامة التاسعة والمسماة بـ"الأسكندرية » ولكن بصورة أعمق, حيث يتسلل الحريري في هذه المقامة الى الأشياء الخاصة بين الزوجين, من حيث القدرة الجنسية والعملية : تقول المرأة (ص 62) "فلما استخرجني من كناسي, ورحلني عن أناسي, ونقلني الى كسره, وحصلت تحت أسره, وجدته قعدة جثمة وألفيته ضجعة نومة ». وهذه الشروط, تسقط التكليف عن الزوجة, ويحق لها طلب الطلاق في ضوء الشريعة الاسلامية, ومن المنظور الشعبي واسقاطاته على الحياة الزوجية, فان الحريري لا يترك الأمر، فيجعل المثل المأثور أحدى الدرءات لصد حالة نفور الزوجة, فيقول التاهي (ص 63) : "لا مخبأ بعد بوس, ولا عطر بعد عروس " ثم يستطرد بشرح الحالة (راجع ص 93- 70).

وفي المقامة العاشرة والمعروفة باسم "الرحبية " نسبة الى رحبة مالك بن طوق, فان الحريري يتطرق في مستهلها الى حلاقة الرأس في يوم السبت, وليس في يوم الاثنين, كما هو سائد الآن,يقول في ذلك ( ص 70) " فلما ألقيت بها المراسي وشددت أعراسي "حبالي » وبرزت من الحمام بعد سبت راسي " والسبت هو حلق الرأس. وعند نهاية المقامة, يضمن الحريري المثل (عاد بخفي حنين )والذي يقابله المثل الشعبي السائد عند أهل العراق هو (ايد من ورا وايد من جدام " في الأبيات الشعرية على النحو التالي (ص 75) :

" ولكم من سعى ليصطاد فاصطيـ...د ولم يدق غير خفي حنين "

وفي المقامة الحادية عشرة والمعروفة بـ "الساوية " وهي من بلاد فارس الاسلاميه (3) يذكر الحريري موضوع - زيارة القبور - كموروث اسلامي مازال العرب والمسلمون يأخذون به, وقد جاء الموضوع على النحو التالي : (حدث الحارث بن همام قال : آنست من قلبي القساوة حين حللت سارة,فأخذت بالخبر المأثور في مداواتها بزيارة القبور، فلما صرت الى محلة الأصوات (المقبرة) وكفأت الرفات, رأيت جمعا على قبر يحضر، ومنجوز يقبر) (ص 76).

وفي هذا المشهد, ينتقل الى مشهد فولكلوري آخر, هو ملاحظته الى "الندابات " اللاتي يندبن وينحن عل الميت, وهذا التقليد عربي أصيل, مازال ساريا حتى اليوم, يقول, وهو في معرض حديثه في الخطبة عند قبر الميت (ص 78) : وأعرضتم عن تعديد النوادب, الى اعداد المآدب, وعن تحرق الشواكل الى التأنق في المآكل).

وفي المقامة الثانية عشرة والمعروفة بـ" الدمشقية » فانه يتطرق الى عادة التسبيح عند النساء وذكر المسابح, وهي عادة شعبية مازالت قائمة عندنا للعجائز في دمشق, وغيرها من البلاد الاسلامية (ص 84) وعلى مسير القوافل الظاعنة نحو مكة, يظهر الحريري بطله - السروجي - وهو يأخذ القوم في الأحلام والرؤيا والفأل واستخدام الرقية «العوذة » (ص 86).

وفي المقامة الثالثة عشرة والمعروفة باسم "البغدادية " فان الحريري يتعرض فيها الى موضوع الأدب والأدباء،.. إلا أنه يذكر عادات النساء في ذلك الأوان وكيفية الاحتيال للعجائز لدخول نوادي الرجال الأدبية, يقول (ص 97_ 98) : "ونهضت أقفر أثر العجوز، حتى انتهيت الى سوق مقتصة بالأنام, مختصة بالزحام, فانغمست في الغمار وأملست من الصبية الأغمار، ثم عاجت بخلو بال الى مسجد خال, فأماطت الجلباب, وفضت النقاب, وأنا ألمحها من خصاص الباب ".

وتبرز المقامة الرابعة عشرة والمسماة بـ"المكية " مناسك الحج, وما يتوجب على الحجاج من تأدية بعض الشعائر والمراسم, اتباعا للشريعة الاسلامية, وما يجب على الحجاج المسلمين بعد قضاء مناسك الحج من نفث ~ وهو تقليم الأظفار, والحلق والهدي وأشباه ذلك (انظر ص 99), ثم يذكر بعض العادات والتقاليد السائدة في ذلك الحجيج من تقديم الكبير على الصغير (ص 100), ثم يذكر بعض الأكلات الشائعة _ وقتذاك _ ويوردها بسياق شعري جميل : (ص 103):

أريد منكم شواء وجردقا وعصيدة

فان غلا فرقاق به توارى الشهيدة

أو لم يكن ذا ولا ذا فشبعة من ثريدة

فان تعذرون طرا فعجوة ونهيدة

فأحضروا ما تسنى ولو شظى من قديدة

ويستوقفنا الحريري في المقامة الخامسة عشرة والمعروفة بـ"الفرضية "حيث أن موضوعها يدور حول الفروض والواجبات الشرعية, من وجهة نظر اسلامية, عاكسا ذلك على الأخلاق, لاسيما في مسألة اكرام الضيف من خلال المبدأ القائل "الجود بالموجود» لذلك يبرز "التمر» كمادة أساسية, والى جانبها "الالبأ » وهذا الغذاء الفولكلوري, يصاحب مواسم ولادة الأغنام والماعز، فهو يخرج من لبن الوليد، وهو ذو طعم طيب ولذيذ جدا (4). وتكون الوجبة الغذائية أكمل اذا صاحبها التمر، فإذا حل الضيف في موسم التكاثر_ الربيع _ فهي الأكلة المفضلة التي تقدم اليه, لذلك كان الحريري قد رصد هذه المسألة, وهو أبن ريف زراعي، وهذه الأكلة في جنوب العراق معروفة جدا، وهو ابن المبصرة, والبصرة من الجنوب, لندع الحريري يتكلم عن ذلك, يقول : (ص 106- 107) وهو في معرض حديثه لاستقبال السروجي : قال الحارث بن همام : "فأحضرته ما يحضر للضيف المفاجيء في الليل الداجي"، ثم يبدأ السروجي بحديثه يقول : "غدوت وقت الاشراق الى بعض الأسواق, متصديا لصيد يسنح, أو حر يسمح, فلحظت بها تمرا قد حسن تصفيفا، وأحسن اليه مصيفا، فجمع على التحقيق صفاء الرحيق, وقنوء العقيق, وقبالته لبأ قد برز كالا بريز الأصفر, وانجلى في اللون المزعفر, فهو يثني على طاهيه بلسان تناهيا، ويصوب الى مشتريه, ولو نقد حبة القلب فيه، فآسرتني الشهوة بأشطانها، وأسلمتني القيمة الى سلطانها، فبقيت أحير من ضب وأذهل من صب " (ص 08 1).

هذا النص يكشف عن الحالة النفسية عند مشتهى الأكلة المذكورة "الألبأ" فكلمة (القيمة) هي في الأصل شهوة اللبن (5)، وما التوصيف الآسر لها، من قبل الحريري بهذا الشكل الا دليل لأهميتها وحب الناس لها، حتى أن هذه المقامة برمتها تدور حولها وكيفية اقتناصها يقول السروجي، لمضيفه الحارث بن همام, بعد أن ضاف عند أحدهم, وعرض عليه رقعة شعرية تحتاج الى فتوى (انظر ص 110) ولحف أوجد حلها, شرط أن يطعمه تلك الأكلة, يقول السروجي بعد أن دخل البيت (ص 111): "أريد أزهى راكب على أشهى مركوب, وأنفع صاحب مع أضر مصحوب "، هنا الحريري يدخل القاريء بوحدة الالغاز، يستأنف (ص 111) : "فأفكر ساعة طويلة ثم قال لعلك تعني بنت نخيلة من لبأ سخيلة, فقلت اياها عنيت, ولأجلها تعنيت "، وبعد أن يتحاورا ويتنادرا, يقول السروجي(ص 111/ 112) : "فقلت له والذي حرم أكل الربا، وأحل أكل اللبأ ما فهت بزور، ولا دليتك بغرور, وستخبر حقيقة الأمر، وتحمد بذل اللبأ والتمر".

وفي المقامة السادسة عشرة والمسماة بـ "المغربية ", يذكر الحريري, بعض أنواع من الجلوس مثل "الحباء" وهو أن يجمع الرجل بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها، يقول (ص 5 11) : " فحلوا لي الحباء وقالوا مرحبا مرحبا". ثم يذكر لحنية الجلوس في المسجد بعد ابداء التحية له, ضمن المنظور الاسلامي, وهو "صلاة ركعتين, بعد أن يؤدي التحية بالكلمتين, أي يقول : السلام عليكم "(انظر ص 116).

وفي المقامة السابعة عشرة, والمعروفة بـ «القهقرية " ويدور موضوعها حول قراءة الرسالة بالمقلوب, يذكر الحريري أحدى الأدوات الفولكلورية الخاصة بجز الصوف, وهي "الجلم " (انظر ص 123).

أما في المقامة الثامنة عشرة, والمسماة "السنجارية " فان الحريري يذكّر بعلاقات الجوار والولائم والمآدب الجفلى "العامة " (ص 130) ثم ينتقل الى موضوعات النميمة بعد هذه وفي
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس