عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-04-2010, 10:02 AM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاستيراد الأقل كلفة.. أم الإنتاج الأكثر كلفة؟

في أوائل السبعينات وبالتحديد، في الأول من حزيران/يونيو 1972، أمم العراق نفطه، ومنذ ذلك التاريخ فُتحت عليه أحقاد العالم الغربي، فتم حصاره بعد قرار التأميم ومنع من تصدير نفطه، فامتنعت دول العالم عن شراء النفط العراقي، وابتدأت الدول الدائنة للعراق بالمطالبة بتسديد ديونها، ومن بين تلك الدول (الاتحاد السوفييتي)، الذي كانت مجموع ديونه 16 مليون دولار فقط، فعرض العراق على السوفييت أن يأخذوا قمحا من القمح العراقي حيث كان الموسم جيداً، (7 مليون طن إنتاج العراق في ذلك العام)، وبعد طول مفاوضات، فقد وافق السوفييت على أخذ مليوني طن بسعر الطن 8 دولار، في الوقت الذي كان فيه السعر العالمي للقمح بين 39 و 45 دولار.

تركت تلك الواقعة، أثراً كبيراً عند صانع القرار العراقي، فبعد أن كان شعار الدولة (الزراعة بديل النفط)، تراجع ذلك الشعار، ليظهر مرة أخرى عندما مهد الغرب لمكيدة (دخول العراقيين للكويت)، إذ سبق ذلك التاريخ، ظهور ما سمي في نهاية الحرب العراقية الإيرانية، توجه العراق لحيازة أسلحة الدمار الشامل، فبعد تهمة تطوير (المدفع العملاق) ألغيت صفقات القمح الأمريكي والقمح الأسترالي في شهر مارس/آذار 1990، ليجد العراق نفسه أمام محاصرة اقتصادية في قوت الشعب، فأدرك أهمية عدم الاعتماد على الاستيراد.

وصرح بذلك وزير التجارة الخارجية العراقي،عندما قال (كنا نعتقد أنه من إنتاج يومٍ أو يومين من النفط نستطيع أن نؤمن لشعبنا قمح عام كامل، ولكن اتضح لنا أنا كنا على خطأ)

آراء صانعي القرار في بلداننا لا تختلف كثيراً

في أحد اللقاءات مع وزير الزراعة، مع منتجي الدجاج اللاحم، سأل الوزير: لماذا تخشون من استيراد الدجاج اللاحم من الأسواق الخارجية؟ ألا تستطيعون أن تبيعوا دجاجكم بنفس السعر الذي يبيعه فيه المستوردون؟

كانت أجوبة المنتجين المحليين: إن كلفته عند منتجيه في الخارج أقل بكثير من كلفته عندنا.. ضحك الوزير وقال: توقفوا إذن عن إنتاج الدجاج.

النماذج الحكومية المشابهة لذلك النموذج كثيرة، ففي بعض الدول العربية ينتشر فهمٌ يصل الى حدود التعليم العالي، ففي بعض الدول يقول المسئولون : لماذا نُدرس الطب؟ ولماذا نُرهق أبنائنا في دراسته، لننتج بالتالي أطباء غير أكفاء؟ في حين أنه بالإمكان استقدام آلاف الأطباء من دولٍ كثيرة (كوبا مثلاً) وبكلفة زهيدة؟

حمى الفهم الخاطئ تصل الى الأسر والأفراد

يجلس بعض أفراد الأسرة، يناقشون وضعهم الداخلي ومستوى معيشتهم، ويقارنون أوضاعهم بأوضاع الأسر الأخرى، فشكل البيت والأثاث والملابس والطعام هي دون مستوى غيرهم.

فيتفحصون ممتلكاتهم من عقارات، فتقع أعينهم على قطعة أرضٍ لا تنتج في الموسم إلا القليل من القمح أو الشعير، وإنتاجها كله لا يكفي لإعاشتهم شهراً واحداً. في حين أن ثمنها سينقلهم من حالٍ الى حال، فيبيعونها ويتنعموا بثمنها لفترة، وقد يؤسسون لمشروع تم دراسته على عجل، فغالباً ما تفشل مثل تلك المشاريع وغالباً ما يستنزفون مدخراتهم وأملاكهم في ظرف عدة سنوات، حارمين أنفسهم من ضمانة معنوية ومادية، وحارمين أبنائهم من الاتكاء على تلك الضمانات مستقبلاً.

وقد ينسحب ذلك على تسرب التلاميذ من المدارس، بتشجيع من ذويهم أو بغض نظرٍ عن ذلك التسرب، بحجة أنه لماذا أتعلم؟ وما هو مستقبل ذلك العلم؟

هناك مسائل لا تُقاس بالمردود المادي لها

عندما يجتهد شيخٌ في الثمانين من عمره، في أن يتم أصغر أبنائه دراسته الجامعية، فإنه لا يطمح أن يقوم هذا الابن بالتكفل برعاية والده، ولكن روح الاهتمام بإكمال رسالته تجاه الأسرة هي الدافع لاجتهاده.

هذا الأمر ينسحب على الدولة أيضاً، فعندما تفتح المدارس وتعبد الطرق وتؤسس المستوصفات الصحية في المناطق النائية، فإنها لا تنشد الربح المباشر، بقدر ما هي مسئولية أدبية وأخلاقية تقود في نهاية المطاف للارتقاء بالشعب الى حالة من القوة تعتمدها الدولة في تحسين مكانتها بين الدول.

لكن هل المشاريع التي يكون إنتاجها أكثر كلفة من استيرادها، يخضع لنفس المفهوم؟

هناك بعض الدول، توقفت عن إنتاج بعض السلع وتركتها لدولٍ أخرى ضمن تفاهم معين، كاليابان في صناعة التلفزيونات والأجهزة الكهربائية وحتى السيارات. وهناك دول تخصصت في جزء من صناعة مُنتَجٍ ما، وتعاونت مع دول أخرى في تصنيع الأجزاء الأخرى. وهذا يُفسر اقتصادياً بأن تلك الدول تريد ربط أسواقها الخاصة وأسواق شركائها بمصلحة واحدة تعود بالنفع على تلك الدولة، كما أنه ببعض الحالات يكون من الأوفر على الدولة أن يقوم شركائها من الدول الأخرى في تصنيع أجزاء من منتجها الأساسي، كون الأيدي العاملة أقل كلفة أو أن المواد الخام والقوانين الصناعية في تلك الدولة متوفرة بشروط أحسن.

لكن كل ذلك، لم يؤثر على القاعدة الاقتصادية، في أيٍ من أطراف الإنتاج، لأنه في حالة فك الشراكة، فإن قدرة الدولة لن تضعف على إيجاد شركاء جدد، أو أنها تقوم بالتصنيع نفسه.

جدلية نمو القاعدة الاقتصادية

إن تمسك الدولة بتنويع أبواب اقتصادها، سيحفز الباحثين الإداريين والفنيين على تطوير الإنتاج والبحث عن وسائل تقليل الكلفة، والبحث عن أسواق، إضافة الى تأمين فرص عمل لقطاعات واسعة من الشباب الداخلين حديثاً لسوق العمل. إضافة لتنويع أبواب الدخل القومي للدولة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس