عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-05-2011, 07:21 PM   #28
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(22)
قد لا يخرج قارئ منها بأكثر من الدلالات الحرفية للألفاظ بينما يستطيع قارئ آخر أن يدرك المعنى العام المباشر –غير الشعري- للقصيدة ، وهو أن القصيدة نوع من المقابلة بين المدينة والقرية –ممثلة في "جيكور"قرية الشاعر في جنوب العراق –ولا نستطيع أن نسمى أياً من هاتين القارءتين قراءة شعرية للقصيدة،ولكن القراء الشعرية تبدأ بعد ذلك ،حيث يوجه القارئ اهتمامه إلى التقاط الإيحاءات التي تشعها الأبيات، وهذه القراءة الشعرية ذاتها تتعدد مستوياتها باختلاف القدرة على تلقي هذه الإيحاءات ، فقد يقف قارئ عند حدود الإحساس بأن الشاعر يصور هنا ضيقه وتبرمه بمادية المدينة وزيفها وافتعالها ، ويحن إلى بساط ةلاقرية وبراءتها الناصعة ، وقد يذهب خطوة أبعد من ذلك فيرى أن الأبيات تعبير عن الحنين الأبدي إلى براءة الفطرة الأولي ونقائها –كما يتمثلان في القرية- والضيق بمادية الحياة الحديثة وجفافها وجهامتها-كما يتمثل ذلك كله في المدينة.
وقد لا يقنع قارئ آخر أكثر إخلاصًا ودأبًا بمثل هذه الإيحاءات العامة ، فيمضي يقتش عن الإيحاءات الأكثر خفاء وعمقًالكل عنصر من عناصر البناءا لشعري منفردًا ومتفاعلاً مع بقية العناصر ،بكل ما يشعه هذا التفاعل من إيحاءات جديدة غير متناهية ، فثمة (دروب) في مطلع القصيدة "تلتف " "حول" الشاعر ،هذه الدروب هي "دروب المدينة" ، وإذن فإن في الأمر "التفافًا" لعله الحصار الذي تضربه المدينة حول الشاعر ،بل لعله ضرب من الشنق ، فإن هذه الدروب تتحول إلى "حبال" ومن التفاعل بين "الالتفاف" و"الحبال" تشع إيحاءات الخنق ، إذن فإن العمل الذي تمارسه المدينة نحو الشاعر ليس مجرد الحصار وإنما هو القتل ، ولكن أي قتل ؟ إن الدروب –الحبال التي تلتف حول الشاعر –هي حبال "من طين" تمضغ قلب الشاعر "ويعطين عن جمرة فيه طينة" وإذن هو قتل روحي لأنه خنق ما هو متوهج ونبيل في أعماق الشاعر .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس