عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-06-2011, 09:16 PM   #112
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي


(107)
أما الطباق والمقابلة فإن مبناهما على مجردالجمع بين ضدين- في الطباق -أو مجموعةمن الأضداد في المقابلة- في عبارة واحدة دون اهتمام بإبراز التناقض القائم بين هذه الأضداد أو استغلاله استغلالًا تعبيريًا، بل دون اشتراط أساسًا لوجود تناقض واقعي في السياق الشعري بين هذه الأضداد ، فكل ما يهتم به البلاغي القديم هو مجرد التضاد أو التقابل اللغوي بين مدلولي لفظتين أو مدلولات عدد من الألفاظ حتى وإن نظمت هذه الألفاظ المتضادة في سياق واحد لا يقوم على التناقض بل على التكامل -وهذا هو شأن معظم صور الطباق والمقابلة- وإذًا فهاتان الصورتان - من وجهة نظر البلاغة القديمة-محسنان شكليان جزئيان لا هدف لهما سوى التحسين البديعي الشكلي ، ولا يتجاوز مداهما البيت أو العبارة .
فحين يقول المتنبي :
فلا الجود بغنى المال والجد مقبل
ولا البخل يبقى المال والجد مدبر


فإنه لا يهدف إلى إبراز فكرة التناقض بني الجود والإفناء والإقبال في الشطرة الأولى ، والبخل والإبقاء والإدبار في الشطرة الثانية ، لأنه ليس من بين هذه الأضداد في البيت تناقض أساسًا ، والشطرة الثانية تكاد تكون صياغة أخرى بما يريد الشاعر أن يوحي به في الشطرة الأولى ، وقاصى ما يهدف إليه الشاعر هو المقابلة بين المدلولات اللغوي لهذه الأضداد ، أو الجمع بينهما على صعيد واحد ، وهذا هو المدلول البلاغي لمصطلح "المقابلة " الذي هو الصورة المركبة "للطباق ".
أما حين يقول شاعر معاصر كبدر شاكر السياب في تصوير حال أبناء العراق الكادحين الذين كانوا يضطرون في بعض العهود إلى الهجرة إلى الخليج تحت ضغط الحاجة مخاطرين بحياتهم بحثًا عن لقمة العيش التي كانوا لا يكادون يعثرون عليها ، على حين يفيض العراق بالخيرات التي كان ينعم بها المستغلون والطغاة :
وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال رغوة الأجاج والمحار
وما تبقى من عظام بائس غريق
من المهاجرني ظل يشربا لردى
من لجة الخليج في القرار
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
من زهرة يروبها الفرات بالندى
(99)

______________________
(99): ديوان أنشودة المطر، بدر شاكر السياب ، ص106
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس