عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 01-04-2010, 05:49 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
اتسمت القصيدة أخي العزيز بقدر كبير من القدرة على تشكيل العبارة أو القطعة الفنية . ذلك التعبير الذي كان يعتمد على إحداث المفاجأة من خلال التصورات الذهنية والمدخلات المعرفية السابقة والتي قد يستحضرها المتلقي في تفسيرالعلاقة بين الدال والمدلول .بمعنى آخر : الدال هو عنترة والمدلول الفروسية مثلاً .هذه الرموز تنسحب على معان أخرى كالفروسية العاطفية والسياسية ،....إلخ
الذي ميز القصيدة هو ذلك التخفي والتعمية على المقصود حتى يتم استدراج القارئ إلى النهاية القوية والتي أحسن مبدعنا العزيز سبك قوالبها .

وإذا قلنا إن الصورة التي يضعها المبدع في أول المشهد تدل على العنصر الأكثر والأعظم أهمية وإن المشهد الختامي يعبر كذلك عن النهاية والتي تأتي كنتيجة لهذا السبب فإن مبدعنا العزيز قد استطاع أن يحدث معنى من معاني التشويق في القصيدة واستطاع التعمية من خلال توارد سمات الآخر\الأخرى وهي الأنثى لتأتي النهاية وفيها صورة المحب عنترة قد فقد زمام السيطرة وانساق إلى لحظة في غاية الخطورة .تختلف دلالات فقدان السيطرة من كل مبدع وآخر حسب مدخلاته الثقافية وآليات قراءته العمل الأدبي.

نلاحظ أننا بعد أن وجدنا اللفظ أعدو على سيف الزمان وجدنا الإشارات الدالة على الحبيبة ، وهي تتلهف الخطوات منه تتلاحظ الخطوات منه .ويختفي وجود اسم عنترة أو صفاته أو أي ضمير يفيد المذكر لتأتي مرحلة احتلال الأنوثة التي أفقدته السيطرة .هذه المرحلة عبر عنها مبدعنا العزيز بذكاء فذ وعبقرة متفردة من خلال وصفه عينيها بالحفرتين :
والحفرة السوداء تزحف نحوها متحدره
والحفرة الأخرى تربص بي
..
إن الحياة البشرية سليل من الصراعات بين المادة والروح بين الخير والشر بين الرذيلة والفضيلة ،ليبقى الصراع مستمرًا مكتسبًا ديمومة تزيد من توتر الحالة
اعتمادًا على عنصر التورية لتكون الحفرة السوداء كناية عن العين تلك الزاحفة بتحدّر مما يدل على حالة الخوف والريبة . ولعل كلمة متحدرة أخفت خبرًا وهو تقديره كلمة دموعي كأنه شاعرنا يريد القول تزحف دموعي نحوها متحدره أو تزحف نحوها متحدرة دموعي
وفي ظل هذه الحالة الصراعية تكون معركة العيون غير متكافئة بين العين (عينه او عين من يتحدث على لسانه) التي تزحف بشبه مذلة والأخرى التي تتربص به إنها عين الحبيبة والتي آلت أن تغزوه غزوًا عنيفًا لا يستطيع له صدًا .وكان استخدام كلمة سوداء فيه تورية تعبر عن سوء المآل الذي يقبع وراءهذه الحفرة.
إنها العين حينما تغدو حفرة فلابد من السقوط .
شاعرنا العزيز في هذه الأيبات يعبر عن السقوط باللفظة سوداء لتأتي لنا صورة تشكيلية انتفت فيها جميع العناصر المرئية وتبقى الصورة صراعًا بين عينين.
والشطر الذي فاتني التعبير عنه وهو دمها يفوح وينفح الألم الكريه منظره جاء ليعبر عن فريسة اصطيدت وهي النفس . فالنفس هي الفريسة التي بقت لها هذه الرائحة بينما حدث الالتفات حينما انتقل من وصف المحبوبة في الأشطر الثلاثة الأول لينتقل إلى النفس والتي قد أصبحت ذات رائحة كريهة من جراء شيء ما تخبئه أصداف النص .

وتأتي لفظة المقبرة معبرة عن تلك الحفرة التي سقط فيها وهي العينين .وكان التدرج في وصف الحفرة تارة بالحفرة ثم بالمقبرة معبرًا عن هذا السقوط المدوي والذي كأنه مقبرة لا يمكن الخروج منها.
لقد اشتُهِر عنترة بالفروسية وكان مما يميزه قوله حينما سئل عن سبب تفوقه أنه كان لا يدخل مدخلاً لا يعرف له مخرجًا . ومن هنا فإن القصيدة تتناول موضوعًا شديد الانتشار في أوساط المجتمع أي مجتمع تحت وطأة الظروف النفسية والضغوط وارتفاع تكاليف الحياة ،حينما تغدو الخطيئة هي نهاية المطاف وختم الحصاد.
لهذا يبدو فارس هذه المغامرة العاطفية وهو يحسب نفسه عنترة ،لكن عنترة اشتهِر بما أشرت إليه كما اشتهر بالعفاف ، تلك السمة التي أرهقت هذا الفارس فأُسقِط في المقبرة والمراجم هي تعبير عن قبيح الكلام كما قرأت في المعاجم واستخدم الشاعر هذا اللفظ للمداراة على خصوصية الموقف الذي اقتضى منه استعمال مثل هذه الأدوات الاستنثنائية لاستثنائية الموقف له وليس لجميع الأفراد وأخيرًا يأتي زمام السيطرة تعبيرًا عن هذا الثبات في مواجهة هذه التي فهمت من النص أنها فعلت ما كانت ترجوه امرأة العزيز من يوسف ، غير أنه لم يعد يوسف ..وانكسر سيف عنترة.
أشكرك على هذه الإضافة العبقرية إلينا ولك مني خالص الشكر والتحية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس