عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-03-2010, 07:57 PM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

الرؤية الثانية
الكاتب والمجتمع

ليس يكفي أن تقول العمل جميل هكذا ثم تنصرف فإن لكل شيء سببه . وهذا العمل قد جعل يرسم الصور الجميلة أمامي والتعبيرات الشائقة حتى وجدتني مسحوبًا كما يسبح البحر قاربًا صغيرًا إلى نهايته .. وجدتني مسحوبًا لأفضي بكل خبايا نفسي عن هذا العمل .

كنا نقول إن العمل الأدبي إذا لم يكن لسان حال المجتمع ووقف عند البكاء على فراق الأحبة وذكر الديار فهو بذلك تزوير على الأدب أو قل تزوير على شخص الأديب وإذا كنا لا نفصل العمل الأدبي عن صاحبه ، فهذا العمل بمفهوم الحداثة عمل له مزيته الأولى ألا وهي أنه ليس محدودًا بمكان ولا زمان . فهذا أمر يطّــرد حدوثه في كافة المجتمعات وبأشكال ووسائل مختلفة ثم هو إلى ذلك لم يفــصّـــل ويسرد في أسماء أحياء ولا أماكن .
إذًا هذا العمل له طابعه المميز من الحنكة فربما يقول كاتب مثله ما قاله عن واقع في بلده اللاتيني أو الأسيوي أو أي دولة من الدول .
لقد كانت قضية الكاتب في هذا العمل فقط الإنسان لذات الإنسان وقد آلم القارئ بعبارته تلك :
وقد انكمشوا وتضاغطوا إذ لا يمكن أن تــُمــَط ّ العربة فتسعهم ، ولكن يمكن أن يــُكبـــَسوا ويتداخلوا حتى يشغل الثلاثة أو الأربعة منهم حيّز اثنين . ومن منهم إذا تألم سيذهب فيشكو لأبيه ...؟إ
نه الإنسان من حيث هو الإنسان لا دينه ولا جنسه ولا عرقيته وهذا الإبداع في قصيدته يــُكســـِب ُ عمله هذا صفة الديمومة والعالمية ، فلو أن مترجمًا راح يبحث عما ينقله إلى العالم لوجد في ذلك العمل مرتعًا خصبًا له .
لاحـِظ أن الكاتب رحمه الله لم يتحدث عن ثياب الأمين المزورتين كما فعل من قبل في أعملا أخر وصف بها أزياء لابسيها لغرض ما في نفسه . لاحظ أنه لم يذكر اسم حاكم ولا اسم طفل ولا شكله لتكون العبارة المؤلمة موجهة إلى الإنسان تربت على أحزانه وتطبع قبلات الشفقة الأسية الحائرة على جبينه الذي لربما نالته (ضربة الشمس ) فوق هذا البحر .
وانظر إلى حديثه على لسان الحصانين فلا تجد ذكرًا لوظيفة معينة وإنما هو الهم من حيث هو هم ٌ لا هم الوظيفة ولا هم المأكل والمشرب ولا همّ المال وإنما الهم لابد للإنسان أن يصرف نفسه عنه أينما أخذ شبرًا من الراحةالذي قررته له شرائع السماء ثم الأرض .

ورآهم الأدهم ينزلون اللقطاء ، فاستخفه الطرب ، وحرك رأسه كأنما يسخر بالكميت وفلسفته ، وكأنما يقول له : إنما هو النزوع إلى الحرية ، فإن لم تكن لك في ذاتها ، فلتكن لك في ذاتك ، وإذا تعذّرت اللذة عليك ، فاحتفظ بخيالها ، فإنه وُصــْلــَتـُك بها إلى أن تمكن وتتسهل ؛ ولا تجعلن ّ كل طباعك طباعًا عاملة كادحة ، وإلا فأنت أداة ليس فيها إلا الحياة كما تريدك ، وليكن لك طابع شاعر مع هذه الطباع العاملة ، فتكون لك الحياة كما تريدك و كما تريدها.
تكون لك الحياة كما تريدها وكما تريدك ... قمة التوغل أو الإيغال في الفلسلفة الإنسانية الإنسان من حيث هو كائن له حق الاختيار ولغيره نفس الحق ... إنه امتد بعمله ذلك من فكرة الرأي الواحد إلى تعدد الآراء واحترام كل ٍّ ،فلم يعــِب على الكميت ولا الأدهم وإنما توسط بينهما وترك لك أيها القارئ اختيار من تحب نموذجًا . أو قـُل إن كل واحد هو نموذج لك في ساعة معينة من اليوم .
أخيرًا : تراه يدلل على ما يريده من أهمية التحاور واحترام الغير في هذا السطر الرائع البديع :
إن الدنيا شيء واحد في الواقع ؛ ولكن هذا الشيء الواحد هو في كل خيال دنيا وحدها .

"كل واحد هو في كل خيال دنيا وحدها " فليتخذ كل واحد من خياله ما يشفي به غليل نفسه من صدأ الواقع ومرارته . ولينظر كل واحد بالمرآة التي يحبها لكن الكل أكبر من مجموع أجز ائه . كلٌّ يرى الدنيا جدًا أو مزاحًا أو غير ذلك والدنيا ليست س ، ولا ص ، ولا ع وإنما هي س،ص،ع مجمتمعون .
إنها فكرة العالمية عالمية المشاعر والأحاسيس والإنسانية .. كانت كذلك مختمرة هذه الفكرة في ذهنه قبل أن تظهر فكرة .. الكونية أو العولمة .
رحمك الله ابن طنطا ، رحلت كشعاع ظل لفطة الهزء بمن بعده أنْ قصَّروا عن أن يكونوا مثله
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 12-03-2010 الساعة 03:44 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس