عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 28-01-2008, 02:28 AM   #4
د.صالحة رحوتي
باحثة وأديبة
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2008
المشاركات: 18
إفتراضي الهم الجسدي في الأدب النسائي الحداثي

[FRAME="11 70"]3 ـ ركوب صهوة التحدي و الاقتداء بالأديب المبدع الرجل:
هو الفكر الحداثي طبعا الذي دعاها هي الأديبة ـ كما سلف الذكر ـ إلى التحرر من كل قيد أثناء الفعل الإبداعي...و هو الذي سوغ لها أن تطرق ما تريد و ترضى من مواضيع ـ و بخاصة موضوعها المفضل المتمحور حول الجسد ـ وذلك دون الاهتمام بردود الفعل من الجميع...
لكنها أيضا تلك الرغبة في اقتفاء أثر الرجل المبدع في هذا المجال الموجودة، بل
و الملحة المؤثرة...
فالقضية تكمن في أن المرأة ـ التي حرمت لعصور بفعل التقاليد المجحفة في حق الرجل و المرأة على السواء ـ رامت الإقتداء بذلك الرجل الذي سبقها إلى ميدان الأدب و الإبداع الأدبي، فسارت و تسير وراءه خطوة بخطوة، معتبرة أن التحدي و كسب الرهان يكمن في أن تفعل هي أيضا كل ما كان و ما زال يفعله هو...
فإذا كان هو يعري المرأة في كتاباته ويعتبرها جسدا يتسلى بوصف تفاصيله ولا يجرأ أحد على محاسبته...فلتفعل هي أيضا لأنها ليس أقل من قدرة منه على فعل ذلك!
بل لتفعل ثم ليس من حق أحد أيضا في أن يحاكمها، تماما كما كان عليه الأمر مع الرجل...
و إذ كان هو ينزل فكريا و شخصيا إلى المواخير و الحانات من أجل تصوير أحوال أهل تلك المواقع و الأماكن، و من أجل تبرير سلوكياتهم بحقهم في التمتع بالعيش، أو حتى من أجل التدليل على حق النساء منهم في كسب لقمة العيش ببيع الجسد ـ الملكية الخاصة لهن ـ لظروف اقتصادية معينة، فلتسِر هي أيضا نفس المسار...
و لِتُورِد الحجج على المساواة الكاملة غير المشروطة الضروري توفيرها للمرأة مع الرجل في هذا المجال!!!
ثم تنسى أنها بذلك تعترف بوجود سوق النخاسة...و تكرس بيع النساء لطالبي المتع الرخيصة من الرجال المنحرفين الناشرين للمفاسد و لكل ضروب الاختلالات.

ثم هي تنسى أيضا ـ أو تتجاهل ـ أنها بذلك تكرس فكرة تشييء المرأة واحتسابها من المتاع ـ المسموح بحرية التعامل به و معه ـ بل و توافق عليه ذلك المنحى، و تعين حتى على نشر الوعي به...
و المشكلة أنها لا تسلم بعد ذلك من محاكمة الرجل التقاليدي الفكر، الذي يستبيح لنفسه ما لا يسمح به للمرأة، لأنه هو الذي سطر بنود القوانين التي تحاكمها، والتي عبثا تحاول أن تتخلص منها...
إذ مما لا شك فيه أن ذلك الرجل الذي تصور هي عنفه تجاه المرأة، و كذا استخفافه بحقها الجسدي، و حرمانه لها من حسن التمتع بحرية الكيان المادي الخاص بها، أي ذلك الجسد، هو الذي سيحاكم إبداعها آخر الأمر... و سيُقيِّمه و يبدي رأيه فيه كمبدع ـ إذ سبقها إلى الميدان و له فيه اليد الطولى و التأثير الغالب الكاسح ـ لكنه سيفعل كرجل طبعا و ليس كمبدع و أديب...بل و كرجل ابن بيئته التي لا يمكن أن ينفك عنها، إذ لا بد و أن الفكر التقاليدي قد بصم عقله و حناياه...

إذ أنه مهما ابتعد عن الدين و التدين، و مهما اعتنق من إيديولوجيات "مُحرِّرَة" كالاشتراكية و الحداثة و الأممية حتى...و هلم جرا... لا بد و يبقى الرجل العربي الموسوم ب"المحافظة" التقاليدية، و التي تقتضي الحفاظ على الإناث من الأسرة و العائلة من التفلت، وكذلك من سوء نوايا الغير ومن اعتداءاتهم و من تحرشاتهم...

و لذا فبالرغم من أنه قد يوجد من" المبدعين" الحداثيين التقدميين في واقعنا من يصفق للإبداعات النسوية التي تتغنى بالجسد و بحرية استعماله، ويعلن تضامنه مع مُنتِجاتها من الحداثيات، إلا أنه لا بد و يزدري في أغوار نفسه سلوك أولائك المبدعات اللواتي حتما يعتبرهن منحرفات ماجنات، بل هو حتى في غالب الأحيان قد يحاول استغلال تلك الأفكار التحررية"المؤمن بها من طرفهن حتى يأخذ حقه من أجسادهن "المحررة" المبذولة المبتذلة المشاع.
إذ كثيرا ما يوجد من يكتب فسقا و يصور فجورا في أعماله الأدبية، ثم هو لا يمكن أن يقبل أن تفعل زوجته المبدعة الفعل ذاته...و لا أن تكتب وفق المنحى إياه...
إذ أنه لا يضمن أنه لا يكون هنالك من سيتحدث بأنها قد عاشت تلك التجارب الجسدية، أو أنها على الأقل أنها من تتحرق لكي تتمتع بها...أو أنه هو ـ و ذلك على الأقل ـ ذلك الزوج غير المقنع و المشبع جسديا و لا المرضي عنه!!!
و هذا ما لا يرضاه المبدع العربي مهما تخلص من ربق الدين... و مهما «تعصرن"... و إلى أي حد ما تضمخ ب"نور" الحداثة و تعطر ب"أريج" الحضارة و التقدم!!!

و الحل ـ لكي تُتَفادى هذه الانزلاقات ـ يكمن في أن تتبنى المرأة مسارا خاصا في التعبير الأدبي يعبر عن خصوصياتها، و ذلك دون أن تمتح مما يفعله الرجل في هذا الميدان، و دون أن تتوسل الوسائل التي اختارها...و لتترك المسار الإبداعي ينساب بعفوية وبفطرية دونما تكلف و لا إقتداء، ولا حتى استعداء و لا شجار و لا تنافس، بل بتكامل و تعاون و تفاهم و تلاقح أفكار...
فلتكن هي هي، ولتعبر عما يعنيها و يخصها ككيان له مقوماته و معاييره و مميزاته، و عن ما تريد أن تعبر عنه بحرية مع اعتبار لحيثيات الواقع المعاش، دو نما تحد و لا استفزاز، بل برغبة أكيدة في التواصل و إسماع الصوت، و مع استحضار هم تصحيح مسار علاقات بينها و المجتمع ككل، ثم بينها و بين الشقيق في الأحكام، كانت وما زالت تلك العلاقات يشوبها الغبش، و يلطخها سوء الفهم، و تحطم وشائجها التقاليد البعيدة عن الدين...

يتبع
[/FRAME]

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 08-02-2008 الساعة 10:24 AM.
د.صالحة رحوتي غير متصل   الرد مع إقتباس