عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-04-2009, 10:52 PM   #7
متفااائل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2004
المشاركات: 1,161
إفتراضي

اعلم اني قد اثقلت عليكم ولكن تلك اخر مقالة وجدتها فى نفس الجريدة للكاتب الاستاذ ابراهيم اصلان وهي لها علاقة بما سبق وان كتبه ...


فى استبقاء اللحظة
-------------------

لعله من المناسب الان فى هذه المقالة الاخيرة أن نقول بأنه لا يوجد أسلوب فني واحد أمكنه أن " يفي باحتياجات تعبيرية كاملة " والامكانات والحلول الفنية التي قد يلجأ اليها كاتب ما ليست مفيدة بالضرورة لكاتب اخر ، وهي على اية حال ليست لجوءا ولا يجب أن تكون بل هي تمثل فى حقيقتها استجابة لطبيعة الكاتب نفسه وأغراضه الفنية ، بحيث يمكن القول بانها تمثل لدى البعض مطلباً وجودياً ، ومعذرة لهذا الكلام الثقيل ، يعني يمكن القول باختصار ان المبادئ التي اتبعها كاتب مثل ( هيمنجواي 1899 - 1961 ) تكاد تكون المبادئ الوحيدة الملائمة للمولعين بالقبض على المشهد فى حال حدوثه واستبقاء اللحظة الراهنة الى الابد ، هؤلاء الذين يظنون ان القيمة الجمالية فى قصة ما ليست فى دغدغة مشاعر قارئ مستكين واثارة لواعجه بل فى طبيعة العلاقات داخل هذه القصة وتفاعلاتها الداخلية إذ هي تصعد بنا نحو ذروة ما . انها السعي نحو : الحقيقة اللحنية للحظة متلاشية حسب كونديرا ، باعتبار ان اي عنصر غير مشهدي هو ثانوي تماماً ، الامر الذي يعكس قمية ما هو درامي وليس ما هو واقعي لانه : ليس هناك ما هو اكثر خداعاً من واقعية الحياة ذاتها ، فى مقدمة من يصابون بهذا الولع هم اصحاب الذاكرة البصرية ، الذين يسعون عبر عيونهم ، وتبقى مشكلة هؤلاء انهم اذ يرغبون اعتقال اللحظة فى مشهد مرئي يستخدمون لغة ليست هي الوسيط الامثل لتقديم هذا المرئي ، فالكلمات ليست كادراً ولا لوحة وهذه حكاية اخرى . يقول بيكر ان هيمنجواي كان قد اخذ نفسه بالشدة المتناهية فى تمثل الصور التي يراها فى الحياة ويعيد انتاجها ، وهذا المأخذ المتشدد فى بناء القصة القصيرة على وجه الخصوص هو الذي علمه حرفته ومكنه من استخراج الكثير من اقل القليل ، كما اكسبه القدرة على نقل انطباعاته بايجاز قاصداً ان يحشد التأثير باعتماد
الاقتصاد فى القول ، والبساطة التي تدرك أن البلاغة فى عمل فني هي بلاغة أي شئ اخر : " الامر الذي يعكس ثقته فى قدرات قارئه باعتباره شريكاً فى عملية الخلق ذاتها " .
لم يشأ هيمنجواي فى قصصه القصيرة أبداً أن " يبلغنا " بالانفعال بل ارادنا ان ( نعيشه ) . كان يرد الاحساس الى العناصر الاولية التي كونته ثم ينشئ من هذه العناصر عمله القصصي ، وهكذا يتاح لهذه العناصر ان تنبت بداخلي كقارئ وتفجر الاحساس الذي لم يشأ الكاتب ان يبغلنا به وإنما الذي شاء ان نعيشه .
وهو نهج فى الكتابة اراد ان يكون اعمق تأثيراً ، ولنا ان نتذكر أن هناك من يعتقدون أن الناس ليست بحاجة لاعمال فنية تفكر بدلاً منها أو تتخيل بدلاً منها ، وهكذا تعفينا من التفكير كما تعفينا من الحلم ، ولكننا بحاجة الى تلك الاعمال التي تحترم قدرتنا على التفكير وقدرتنا على الحلم . بحاجة الى اعمال توسع امامنا الافق ، لكي نفكر نحن لانفسنا ونتخيل لانفسنا ، ونصبح مؤهلين هكذا لكي نعمل بما فكرنا فيه ونحقق ما حلمنا به .إلا ان هذه لمبادئ التي اقتضت من كاتبها عمراً من التدريب القاسي والمستمر حتى صارت علامة بارزة فى سياق الادب العالمي كله ، هذه الطريقة لم تنج من انتقادات ، وكل انتقاد مشروع بطبيعة الحال . اتهم هيمنجواي بضيق المدى وقلة العمق احياناً وأنه كثيراً ما يعتمد على عدته التكتيكية المذهلة ليغطي مادة اقل ، كما فسرت قصصه مرات باعتبارها تكنيكاً يبحث عن موضوع وقيل مراراً إن من أخطار هذه الطريقة انها تقود العمل إلى حالة تجريدية تماماً . والحقيقة انها تصبح كذلك بين يدي المقلدين ومن تعوزهم الموهبة والاشباه وهم كثر . وان جاز لي اخيراً ان اسوق راياً فإنني أظن أن المشكلة الحقيقية أمام هذه الطريقة أنها لا تملك إلا ان تعتمد باكثر مما يجب على خيال القارئ ودرجة حساسيته .

-----------------

انتهي

تحياتي لكم
متفااائل غير متصل   الرد مع إقتباس