الموضوع: فيتامين باشا
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-10-2009, 01:46 AM   #1
amokrane_malik
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2006
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 860
إرسال رسالة عبر MSN إلى amokrane_malik إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى amokrane_malik Send a message via Skype™ to amokrane_malik
إفتراضي فيتامين باشا

إن أفظع ما يصيب الإنسان، وقد يرديه، هو الجهل، ولهذا جاء في الأمثال: "يفعل الجاهل في نفسه ما لا يفعل العدو بعدوه".

يتعاظم خطر الجهل إن رافقه غنى، فيصل صاحبها إلى الطغيان، ألم يقل الله - عز وجل-: "إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى".. ولهذا ترى الجاهل الغني غير التقي يريد أن يستعبد الناس، وأن يسترقّهم، خاصة إذا كان قد حصل على هذا المال بأساليب غير شريفة، وبوسائل غير عفيفة، كاستغلاله الفتن، وافتراصه المحن، فيحتكر السلع، ليغلي سعرها ويغش في نوعيتها، ويطفف الكيل، ويخسر الميزان، وإن الشياطين ليوحي بعضهم إلى بعض...

تحدث الأديب الكبير أحمد حسن الزيات عن أحد هؤلاء الأنذال في مصر الذي استغل ظروف الحرب العالمية الثانية للإثراء غير المشروع، عن طريق صفقات مشبوهة، والإدلاء بالأموال إلى الأراذل ليساعدوه بما لديهم من سلطة وما عندهم من مسؤولية في إدارة الضرائب والجمارك...

ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى كانت خزائن هذا السفيه قد امتلأت، وكرشه قد تضخّمت حتى سماه الناس: "الطبلاوي أفندي"، وأوداجه قد انتفخت، فلبس الغالي، وسكن العالي، وامتطى الفاره.. ثم رأى أن زوجه التي صحبته في ساعة عسرته لم تعد لائقة بحاله الجديدة، ومناسبة لوضعه الجديد فرمى بها في زريبة حيواناته، ونسي الفضل، ثم مده عينيه، فوقعتا على ساقطة، وكان هو لاقطة، فـ "واق شن طبقه".

بعد ما امتلك ذلك الكائن المظاهر المادية تطلعت نفسه السافلة إلى الجوانب المعنوية، ومن هذه الجوانب أنذاك تلك الألقاب التافهة التي يُريق صغار النفوس ضعاف العقول ماء وجوههم، ويهينون "كرامتهم"، ويبذلون الأموال الطائلة للحصول عليها.. كلقب البيك، والباشا...

أصيب ذلك الكائن بوعكة صحية ألزمته الفراش، وارتعدت فرائصه لأنه أذهب طيباته في حياته الدنيا، وظن أنه الفراق.. فأمر بإحضار الطبيب بأسرع ما يكون
جيء له بأمهر طبيب، وفحصه فحصا جيدا وأجرى له تحاليل، فلم يجد في الأمر خطرا، فطمأنه ونصحه بأخذ نصيب من الراحة، والتقليل من "الجري" هنا وهناك للفوز بصفقة، والاستحواذ على مشروع... وأشار عليه باستعمال فيتامين بيه (b). وبما أن "عقل" هذا الكائن مريض قبل أن يمرض جسمه، وأن همّته السفلى متعلقة بتلك المظاهر التافهة، قال للطبيب: لماذا لا تشير عليّ باستعمال فيتامين باشا!

وطلب هذا الكائن أن يحضروا له رسّاما، فلما جيء به، قال له: أريد أن ترسُمني. فسأله الرسام: هل تريد الصورة بالزيت؟ فقال: بل أريدها بالسمن.

محمّد الهادي الحسني
__________________
الى الماء يلجأ من غص بلقمة
فالى ما يلجأ من يغص بماء؟
amokrane_malik غير متصل   الرد مع إقتباس