عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-04-2006, 04:11 PM   #20
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(7)

سيكون دخول الزائر الى الغرفة التي يجلس بها كبير الدار ، وكانوا يطلقون عليها مجازا اسم (مضافة ) .. كان لا بد للداخل أن ينحرف قليلا بجسمه لكي يدخل من أحد فتحتي الباب ، إذ تغلق واحدة منهما باستمرار ، ولا تفتح إلا بالمناسبات ..

كما أن عليه أن يخلع نعليه قبل الدخول ، واضعا حذاءه في انخفاض يهبط عن سطح أرضية ( المضافة ) بحوالي شبر ، يكون بعرض متر تقريبا ، ويمتد من سعة الباب الى طرفي الغرفة ..

كان صاحب الدار ، لا يقوم بوجه زواره إلا فيما ندر ، ونادرا ما يشير للزائر بمكان الجلوس الذي يجب أن يجلس به ، فالزوار يعرفون أمكنة جلوسهم جيدا ، فيكون عليهم أن يجلسوا قبالة صاحب الدار ، في وضع لا يسمح لهم كثيرا برؤية مساحات واسعة من الدار ، حيث يخصص المكان ذاك فقط لصاحب الدار .

كانت ( المضافة ) وهي الغرفة التي يستقبل بها الزوار ، أفضل و أوسع غرفة بالدار ، وهي الوحيدة التي تكون أسطح جدرانها مستوية بعض الشيء ، وخالية من النتوءات الواضحة ، بعكس الغرف الأقل أهمية ، التي غالبا ما يقوم ببنائها أهل الدار أنفسهم ، بالإضافة الى معاونة الجيران أو الأقارب ..

كانت أرضيتها تغطى بطبقة من الإسمنت المخلوط بحصى الوديان ، والمصقول بعناية ، حيث كان يرش عليه مسحوق الإسمنت بعد مد المخلوط الطري ، ثم يصقل بأداة خاصة .. وكان هناك الكثير من الأرضيات التي تمد بالجير الحي ، الذي يخمر قبل المد بقليل ..

كنت تجد في جدران المضافة ، تجاويف صنعت داخل الجدار السميك ، وأصبحت كأنها ( خزائن ) .. تحفظ بها بعض اللوازم لصناعة القهوة و الشاي وبعض أوراق التبغ المفروم ، وستجد بها إن اجتهدت حجر ( مسن ) لسن سكينة يحتفظ بها ( الشايب ) لأغراضه الخاصة في جيبه ، وستجد (قنينة) بنزين لملئ مقدحته ، وبعض عينات من القمح ، وكتيب للمولد النبوي وبكيت حلو شعبي أو بعض التمر الخ .

كان يتوسط ( المضافة ) حفرة بسيطة مربعة طول ضلعها أكثر من متر بقليل ، ثم صبت أرضيتها أو ثبت بها أحجار ملساء ، وحددت بأحجار ملساء أيضا ، لتصبح موقدا توضع به ( دلال) صنع القهوة .. فيحيط الجلساء بها ..

وعلى بعد منها ، يكون هناك ثقب مصنوع بمتانة ، ليثبت به عمود معدني بطول مترين أو أكثر قليلا ، معقوف الرأس ، يتدلى منه قفص زجاجي مثمن الشكل ، مثقوب من أسفله ، ويثبت داخله ( سراج ) يزود بالنفط ، من أجل الإضاءة ..

أما سقف الغرفة ، فإنه يكون من قصب خاص ، يتراص بجانب بعضه البعض ويكون بسمك ( بوصة ) تقريبا .. ويرتكز على جسور معدنية بشكل حرف H وتكون الأبعاد بين جسر وجسر حوالي المتر تقريبا .. كانت بعض طيور السنونو تعشش به ، دون أن يضايقها أحد في مرواحها و مجيئها لاعتقاد بقدسية ذلك الطير .. وقليل من الناس من كان يغطي منظر القصب هذا بطين أو ( كلس ) أو إسمنت ..

كنت تجد أحيانا بعض البيوت ، علق عليها صورة ( لفاطمة المغربية ) أو (جول جمال ) .. أو ( الزير سالم ) .. وبعضهم قد علق على الجدران التي صبغت بمحلول كلسي أحيانا يلون بلون ( النيلة ) .. قطيفة ناعمة ، لا يمكن معرفة لونها الأصلي تماما لما عشقت من أدخنة الفحم أو الحطب الذي اشتعل طيلة سنوات .. ونادرا ما تغسل ظنا من أن صورة الوحش الذي عليها ستزول بالغسيل ..

أما غرف ( النوم ) وهو اسم أتحفظ عليه ، فكانت أقل سعة من المضافة ، فكنت تجد بها ترتيبا بجدرانها ، يسمح بطي الفرشات و الألحفة عليه ، وان كان ساكنوها هم من المتزوجين خلال عشر سنوات ، فإنك ستلاحظ بأعلى الجدار المقابل ، رفا من الخشب الذي ثبت عليه حافة متعرجة ، لونت بلون أخضر قاتم ووضع وسط اللون الأخضر بقع بيضاء .. ورص فوق الرف بعض الأواني النحاسية ، والسلطانيات ، للتفاخر بأثاث العروس ، وعلق أسفل منه ، بعض الأواني التي صنعت من قش القمح ، ولكل آنية اسم يتناسب مع وظيفتها ، (فالمرجونة لحفظ الخبز ) و ( المغمقان لنقل الحبوب) و ( القبعة لحفض البيض) و( الطبق يوضع تحت السفرة !) .. الخ

كانت أرضيات الغرف تكسى ببساط من شعر الماعز أسود يقال له (بلاس) وأحيانا يكتفى بالحصير لتغطية الأرضيات .. وكان من يجلس في تلك الغرف من النساء ، لا بد أن يكون بجانبها ( رمح ) من قصب طويل ، لطرد الدجاج الذي يقتحم عليها انشغالها بتنقية بعض الحبوب ، وحتى لا يلوث أرضية غرفتها بالزرق ..

كانت النسوة ، لا تتحرج من رؤية الداخلين الى حرم الدار ، ولكن الاحتياطات كانت كافية ، لأن تكون المرأة في حيطة فيما لو دخل أحدهم حرم الدار ، وهي في ملابسها الداخلية ، والتي هي أكثر سترة من ملابس اليوم في جميع الأحوال ، فقد كانت تعاريج ممرات الدار ، تسمح بسيطرة من في الداخل على رؤية القادمين ، لا العكس ، تماما كما في أوكار الثعالب ..

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس