عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 28-12-2009, 11:14 AM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الانفتاح على الخارج

كان "علي دينار" حريصا على الانفتاح نحو الخارج وخلق نوع من التواصل بين دارفور والعالم الخارجي رغم حرص حكومة السودان على الوقوف له بالمرصاد في أي خطوة يقوم بها في هذا الاتجاه، فقد رفضت حكومة السودان التجاوب مع رغبة "علي دينار" في نشر كتاب عن حياته بعنوان "العمران" في القاهرة سنة (1330 هـ= 1912م) حيث رفض الحاكم العام للسودان هذا الأمر رفضا قطعيا، ولم يوافق إلا على طباعة ست نسخ فقط من الكتاب للاستخدام الشخصي للسلطان.

وقد تابع الإنجليز محاولات "علي دينار" الانفتاح على بعض الصحف المصرية، وراقبوا اتصالاته بجريدة "العمران" التي كانت تصدر في القاهرة ويُديرها "عبد المسيح الأنطاكي"، والتي كان يدعمها "دينار" بالمال، ورغم ذلك ؛ فقد كانت بعض الصحف المصرية النزيهة تنظر باحترام إلى "علي دينار" مثل صحيفة "اللواء" التي كان يُصدرها الزعيم المصري "مصطفى كامل" وتعتبره بادرة طيبة على طريق التحرر من السيطرة الاستعمارية، ونشرت مقالا مهما عنه في (2 من ربيع الآخر 1318 هـ=29 يوليو 1900م) عنوانه "علي دينار مسالم لا مستسلم"، ثم نشرت مقالا آخر بعد عامين بعنوان "محاولة التدخل الإنجليزي في شئون دارفور وفشلهم في ذلك".

وكان لعلي دينار دوره في العلاقات الإسلامية، فقام بحفر عدد من الآبار على مشارف المدينة المنورة عرفت بـ"آبار علي" نسبة إليه، وأصبحت ميقاتا لبعض الحجيج، كما كان له أوقاف بالحجاز.

أما موقفه من دولة الخلافة العثمانية، فكانت علاقته بها أثناء الحرب العالمية سببا رئيسيا في تحرك الإنجليز ضده للقضاء عليه وتقويض سلطنته؛ فعندما اشتعلت الحرب العالمية الأولى ودخلتها تركيا ضد إنجلترا، تغيرت الأوضاع ؛ فقد كانت مصر تابعة من الناحية الاسمية لدولة الخلافة، في حين أنها خاضعة من الناحية الفعلية لسيطرة الاحتلال الإنجليزي، وكان خديوي مصر "عباس حلمي" مساندا للخلافة ضد الإنجليز، ولذا قام الإنجليز بعزله وتعيين عمه "حسين كامل" سلطانا على مصر، وفي (18 من ربيع الأول 1333 هـ=3 من فبراير 1915م) أرسل وزير الحرب التركي "أنور باشا" خطابا إلى "علي دينار" يطلب منه مساندة تركيا في حربها ضد الحلفاء، وقد زاد من خطورة تلك الرسالة تحرك الأتراك مع السنوسية في ليبيا لتحريكهم ضد الوجود الفرنسي في بلاد المغرب ومنطقة تشاد، وضد الإنجليز في مصر والسودان.

الصدام والنهاية

ويبدو أن "علي دينار" بنى موقفه على أن ألمانيا وتركيا هما المنتصران في الحرب ضد الحلفاء، وأن عليه تقديم العون لتركيا حتى يجني ثمار هذه المساعدة بعد انتهاء الحرب، وإن كان ذلك لا يمنع انطلاق "علي دينار" من عاطفة وحمية دينية لمساندة دولة الخلافة ضد أعدائها من الفرنسيين والبريطانيين الذين أطلق عليهم صفة "الكفار".

أما البريطانيون فرأوا أن "علي دينار" قام بانقلاب في السياسة الدارفورية الخارجية نظرا لأنه كان يعاني من فقدان شعبيته فأراد أن يعوض ذلك باللجوء إلى الدين، وأيا ما كان الدافع وراء تمرد "علي دينار" على الإنجليز فقد وقعت الوحشة ثم القتال بين الجانبين، ورأى الإنجليز في البداية ضرورة تأليب القبائل عليه لإضعاف سلطته تمهيدا لحربه، فتم تسليح قبائل "الرزيقات" وتحفيزهم ضده، وتم استغلال شائعة أن السلطان "علي دينار" يجهز تعزيزات من الفور في منطقة جبل الحلة كذريعة لحربه؛ خاصة بعد تحسن الموقف العسكري للإنجليز في مصر ونجاحهم في القضاء على خطر السنوسية على الحدود الغربية لمصر.

وقد بدأت الحرب بين الجانبين في ( ربيع الآخر 1334 هـ= مارس 1916م)، ووقعت عدة معارك داخل أراضي دارفور كان أهمها معركة "برنجيه" الواقعة قرب العاصمة الفاشر، وتمكن الإنجليز من تبديد جيش دارفور البالغ 3600 مقاتل بعد أربعين دقيقة من القتال، وقتل في المعركة حوالي ألف رجل من جيش دارفور، وعندما علم "علي دينار" بالهزيمة استعد للقتال مرة أخرى للدفاع عن الفاشر، لكن الجيش الذي كان تحت يديه لم يكن مدربا ولم يكن يمتلك أي أسلحة حديثة، كما أن الإنجليز استخدموا الطائرات لأول مرة في إفريقيا، وكانت هذه المرة ضد جيش "علي دينار"، وتم لهم السيطرة على الفاشر في (22 من رجب 1334 هـ = 24 من مايو 1916م) ففر السلطان بأهله وحرسه نحو جبل مُرّة، وهناك تم اغتيال "علي دينار" أثناء صلاته الصبح على يد أحد أتباعه في (11 من المحرم 1335 هـ=6 من نوفمبر 1916م) بعدما رفض الإنجليز قبول أي تفاوض معه للاستسلام.

لقد عبر علي دينار عن تطور ملحوظ في الوعي السياسي للقادة المحليين في السودان وأفريقيا، وعن درجة كبيرة من الوعي الديني والإداري، حيث استطاع إقامة سلطنته في غرب السودان، وكون لها شبكة من العلاقات الخارجية كشفت عن وعي سياسي ناضج، وسعى لبناء سلطنته وفق نظام داخلي جيد مقارنة بالإمكانات التي كانت متاحة له في ذلك الوقت؛ حيث كوّن مجلسا للشورى، وعين مفتيا لسلطنته، ومجلسا للوزراء، وبدأ في تكوين جيش حديث، وأوكل تدريبه إلى ضابط مصري، ووضع نظاما للضرائب يستند إلى الشريعة الإسلامية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس