عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-08-2008, 01:18 AM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي


فما يحدث في هذه الحالة يختلف عما يحدث في الحالة القياسية التي سبق الحديث عنها، إن الدلالة تتم هنا قبل أن ينتهي المنشد من قراءة البيت، مصحوبة بشعور المتلقي بالزهو باكتشافه، وبما انه يدرك المستوى الوزني، فإن ما يبقى للمنشد ليس إلا ترديد أصوات متوقعة، أو بمعنى آخر، خلعت قيمة الإنشاد الفنية للإيقاع على المستوى الصوتي دون غيره من المستويات. وبما أن هذه السلسلة من الأصوات منتظمة رتيبة، فسيكون لها اثر عظيم في المتلقي، فمن الثابت أن الصوت الرتيب يدفع المستمع إلى حالة من التفريغ الذهني ذات مظهر تنويمي(2).. ويمكن أن نشبه تلقي القافية في حالة كهذه بتلقي الرضيع ترنيمة الأم.

إن الفرضية المتقدمة لا تطبق، في الواقع إلا على الشكل التقليدي. أما الموقف في الشكل الحديث فإنه يختلف اختلافا تاما، فإذا قرأنا هذه الأسطر:

وتلتف حولي دروب المدينة

حبالا من الطين يمضغن قلبي

ويعطين، عن جمرة فيه، طينة

حبالا من النار يجلدن عُريَ الحقول الحزينة

ويحرقن جيكور في قاع روحي(3)

فسنلاحظ غياب المثال الأول الذي يتم عليه القياس (المطلع). وإدراك التشكل الوزني، وتوقع شكل القافية في القصيدة التقليدية يقوم على هذا الأساس الغائب. لقد اختلف نوع الاستجابة في الشكل الحديث. فتلقي كل سطر من الأسطر المتقدمة يمكن أن يمثل بالمخطط الآتي:

إن عمل السطر يقوم هنا على تزامن المستويات الثلاثة، لان صورة أي منها لا يمكن أن تدرك إلا بعد تمام السطر، فنحن لا نعرف عن التشكل الوزني سوى التتابع الذي يمثل الوحدة الوزنية الصغرى التي تتكرر عددا من المرات نجهله. وكذلك لا نعرف الصوت الذي سيختتم به السطر لأن الشاعر سيعلق رغبتنا بمجموعة من التوقعات التي قد تشبع أو لا تشبع. فالسطر (5) مثلا يمكن أن ينتهي بالصوت (نة) أو الصوت (بي) بناء على ما تقدمه، لكن الشاعر ينهيه بالصوت (حي) ليعلق رغبتنا بتوقع جديد يضم إلى التوقعين السابقين، وهكذا نرى أن أساس عمل القافية يختلف تماما بين الشكلين التقليدي والحديث، وبالتالي فإن اثر القافية في المتلقي سيختلف أيضا، ويمكن أن نستنتج، بشكل عام، من هذا التصور، أن القافية في الشكل التقليدي تؤدي إلى تحديد حقل انتباه المتلقي وتضييقه بما يشبه بعض أعراض التنويم المغناطيسي، فالمستمع إلى الشعر التقليدي يشعر بطرب ونشوة تدفعه إلى إغلاق منافذ الاستجابة بوجه المنبهات الخارجية الأخرى كما يوجه الواقع تحت تأثير النوم المغناطيسي حقل انتباهه إلى صوت المنوم دون غيره(4)أما من يستمع إلى قصيدة من الشكل الحديث فإنه سيكون في حالة يقظة وتحفز مهيئا لاستقبال كثير من المنبهات غير المتوقعة، مع رغبة موزعة على مجموعة من الحاجات التي تنتظر الإشباع أو الخيبة.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) الكافي: ص ص 170ـ 207.

2.Speeking of Sleeping Problems, Dietrich Langin: Consolidated Book, New York, 1978, P, 52.

(3) ديوان بدر شاكر السياب : 1/ 414.

(4) ينظر موسوعة علم المتنبي: ص37.

الناقد د.ثائر العذاري

alethary@yahoo.com

من منشوراته في النخلة والجيران

العودة الى صفحة مقالات
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس