عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-08-2008, 01:23 AM   #3
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

د.ثائر العذاري
--------------------------------------------------------------------------------



المهمة العسيرة التي أمامنا ولا نرى أننا سنستطيع الوصول بها إلى نتيجة حاسمة هي مهمة تعريف القافية، فعلى الرغم من أن الضوابط الدقيقة التي وضعها الأقدمون من ملاحظتهم للموروث الشعري تمثل العمود الفقري لما يمكن أن يقال اليوم عن القافية، فإن هذه الضوابط تثير مجموعة من المشاكل التي تعيق طريق الوصول إلى تعريف جامع مانع للقافية، وبخاصة حين يرمي هذا التعريف الذي تراد صياغته إلى تحديد القافية في الشكل الحديث.

وأول المشاكل التي تجابه تعريف القافية حتمية وصفها بأنها تماثل صوتي بين تشكلات صوتية محددة في أواخر الأسطر؛ ذلك لأن نعت أية مجموعة صوتية بتسمية (القافية) ستكون عبثا لا جدوى منه في حالة انعدام التماثل بينها وبين مجموعة صوتية في سطر آخر، وتكمن صعوبة هذا الاتجاه في التعريف في انه يجب أن يحدد القوانين التي يخضع لها تماثل القوافي.

وهناك عدد من الظواهر التي تُعقّد صياغة قوانين كهذه، ومن هذه الظواهر ما نلاحظه من تمييز البيت العربي بين أشكال صوت المد الذي يسبق (الروي) فهو حين يكون صوت مد طويل (ردفا) يكون واجب الالتزام وبخاصة حين يكون ألفا، فإن لم يكن جاز التناوب بين الواو والياء(1) أما حين يكون حركة (توجيها) فإن الشاعر يفك نفسه من إساره. ففي مطولة عنترة بن شداد يجمع الشاعر بين الكسرة والفتحة مرة في:

وخلا الذباب بها فليس ببارح غردا كفعل الشارب المترنِّمِ

هزجا يحك ذراعه بذراعـه فعل المكب على الزناد الأجذم(2)

إذ جمع بين حركة النون في (المترنم) وحركة الذال في (الأجذم) في (توجيه) قافيته.

ويجمع بين الفتحة والضمة مرة أخرى في:

وإذا شربت فإنني مستهلك مالي وعرضي وافر لم يكلَمِ

وإذا صحوت ما أقصّر عن ندى وكما علمت شمائلي وتكرُّمي(3)

وفي الشعر العراقي الحديث نقرأ للسياب قوله:

قدم تعدو، قدم، قدَم

القبر يكاد يوقع خطاها ينهدِم

أترى جاؤوا؟ من غيرهُم(4)

الذي جمع في (توجيهاته) بين الحركات الثلاث جميعا.

وقد ذهب العروضيون إلى أن حركة (التوجيه) لا تلتزم إلا في القوافي المقيدة فهي فيها واجبة الالتزام (كالردف)، أما القوافي المطلقة فليس لها (توجيه) ملتزم(5) فلماذا وجب التزام صوت المد في مثل (سحيق، عميق) ولم يجب في (قمر، سهر)؟

ثمة مشكلة تعترض وضع قوانين التماثل الصوتي بين القوافي، وهي مشكلة (التأسيس). فحين تتضمن القافية ألفا يتوسط بينه وبين (الروي) حرف وحركة يكون هذا الألف واجب الالتزام ويسمى (تأسيسا) كما في كلمة (ذاهب) التي يمكن أن تقفى بكلمات مثل (راغب، مراقب، قوارب). ويغلب أن تكون حركة الحرف الذي يتوسط بين (التأسيس) و (الروي) الذي يعرف بتسمية (الدخيل) كسرة؛ ذلك لأن لزوم ألف (التأسيس) أدى إلى قصر القافية على صيغ صرفية محدودة مثل (فاعل، مفاعل، فعائل) التي تجمعها كسرة (الدخيل).

وأول مشكلة تتأتى من لزوم ألف (التأسيس) هذه أن المجموعة الصوتية المتماثلة ستشطر شطرين يتمثل أولهما بالألف، ويمثل ثانيهما (بالروي) وما بعده. أما الحرف المتوسط بينهما فهو غير ملتزم لسبب لا نعرفه.

والمشكلة الثانية تبرز عند التساؤل عن السبب الذي أدى إلى التزام الألف في هذا الموضع دون غيرها من أصوات المد. فلماذا لم يلتزم الشاعر الياء التي في موضع ألف (التأسيس) في قوله:

بللت بها ردني والغيم مُسـعدِي وعبرته صرف وفي عبرتي دمُ

ولو لم يكن ما انهل في الخد من دمي لما كان مُحمرا يسـيل فأسقم(6)

ولم تنته مشاكل (التأسيس) إلى هذا الحد، فهناك مشكلة ثالثة تثير الحيرة، فالألف لا تكون لازمة إلا عندما تكون جزءا من الكلمة التي يقع فيها (الروي) وإلا فليس (تأسيسا)(7) ففي هذين البيتين:

إلى أي حين أنت في زي محـرم وحتى متى في شقوة وإلى كمِ

وإن لا تمت تحت السيوف مكرما تمت وتقاسي الذل غير مكـرّم(8)

لم يلتزم الشاعر الألف في مجموعة (إلى كم) (تأسيسا) بدليل القافية الثانية (مكرم) ولا يمكن إيجاد مسوغ صوتي لهذه الظاهرة على ما نرى.

وأخيرا هنالك مشكلة تحديد القافية المثلى أو القافية التامة، فليس لدينا أي تصور لما يمكن أن نسميه قافية تامة، وليس لدينا أي تحديد لأطول مجموعة صوتية يمكن التزامها قافية، إذا ما أخذنا بالحسبان (لزوم ما لا يلزم).


--------------------------------------------------------------------------------

1. ينظر الكافي في العروض والقوافي: ص 153.

2. شرح القصائد العشر: الخطيب التبريزي: د. فخر الدين قباوة، المكتبة العربية، حلب، الطبعة الأولى، 1969، ص 274.

3. نفسه: ص 289.

4. ديوان السياب: 1/ 460.

5. ينظر الكافي : ص 158.

6. ديوان ابي الطيب المتنبي: 4/ 83.

7. ينظر الكافي : ص 154.

8. ديوان المتنبي: 4/ 34.


--------------------------------------------------------------------------------


بعد تحديد المشاكل في الحلقة السابقة يمكننا أن نقدم تصورنا لتعريف القافية، الذي أردناه مراعيا واقعها بما يخدم الدراسة التطبيقية. فالقافية ـ كما نراها ـ تماثل صوتي بين مجاميع صوتية تقع في خواتيم الأسطر الشعرية، ولا نرى أية جدوى في الحديث عن القافية في سطر منفرد، بل لا بد من دراستها وهي داخل نظام إيقاعي في قصيدة أو مقطع من قصيدة مؤلفة من عدد من المقاطع. أما ضوابط هذا التماثل الصوتي فتتحدد وفق ما يأتي :

على عكس القافية في عدد من اللغات ، كالانجليزية ، التي تتخذ من أصوات المد أساسا لها(1) تقوم القافية العربية على تماثل الأصوات الصحيحة في المقام الأول. فنحن نختلف مع د. شكري عياد الذي يرى أن القافية العربية تقوم على التماثل بين أصوات المد، وان دور الحروف الصحيحة لا يتعدى إعطاء لون معين لأصوات المد تلك(2) وهناك أكثر من دليل على بطلان هذا المذهب، ويمكن إجمال الأدلة فيما يأتي:

إن أصوات المد لا تكون (رويا) إلا بشروط محددة(3) ولو كانت أساس القافية لكان حظها في أن تكون (رويا) أكبر من حظ غيرها.

يمكن أن تتناوب الياء والواو حين يكون أحدهما (ردفا) بينما يعد أيسر تغيير في (الروي) الذي هو حرف صحيح في الغالب، عيبا في القافية يطلق عليه تسمية (الاتقاء)(4)

يمكن أن تكون القافية مقيدة (ساكنة الروي)، إذ يستغنى عن صوت المد الذي يأتي بعد (الروي) ولكن لا يمكن أن تكون خالية من (الروي).

عدم التزام حركة (التوجيه) في الغالب.

وهكذا يكون أهم صوت في مجموعة الأصوات التي يجب التزامها في القافية هو (الروي).

كل الأصوات التي تأتي بعد (الروي) واجبة الالتزام دون احتمال أدنى تغيير، وهذه الأصوات لا تعدو أربعة هي (الوصل) و (الخروج) و (المجرى) و (النفاذ).

تلتزم الحركة التي تسبق الروي المقيد التي تعرف (بالتوجيه) وتجوز المناوبة بين الكسرة والضمة، بينما لا تجوز المناوبة بين احدهما والفتحة.

يلتزم صوت المد الطويل السابق على (الروي) سواء أكان (الروي) مطلقا أم مقيدا، ويمكن المناوبة بين الواو والياء، بينما لا تجوز المناوبة بين احدهما والألف.

لا يعد ألف (التأسيس) جزءا من القافية، بل يمكن أن تَضمَّ دراسته إلى دراسة (الضروب) في الوزن.

إن أتم قافية يمكن أن ترد في الشعر العربي ـ بغض النظر عن لزوم ما لا يلزم بوصفه تقنية اختيارية غير لازمة ـ هي القافية المؤلفة من (ردف) و (روي) و (مجرى) و (وصل) و (نفاذ) و (خروج)، ولا يوجد تماثل صوتي لازم أطول من هذا.

يهدف هذا المبحث والمبحث التالي، في المقام الأول، إلى دراسة القافية في الشعر العراقي الحديث، بوصفها احد عناصر التشكيل الإيقاعي فيه. فعلى الرغم من أن القافية وصفت منذ انطلاقة الشعر الحديث بأنها "ذلك الحجر الذي تلقمه الطريقة القديمة كل بيت"(5)فلقد ظلت، كما وصفها سانت بوف، "إبزيما من الذهب يعقد حول خصر فينوس الوشاح الإلهي الذي يوشك أن يقع دائما ويمسك به الإبزيم(6)

ويبين الجدول (8) الذي أحصيت فيه القصائد التي خلت من أي نظام للتقفية في عينة تتألف من (482) قصيدة من الشعر العراقي الحديث، أن هذه القصائد لا تمثل سوى نسبة 18% من مجموع قصائد العينة. وهي نسبة تدعو إلى التوقف عند التقارير التي ترى أن الشكل الحديث لم يعد بحاجة إلى القافية(7) أو أنها ما عادت همّا من همومه(8)

لم يعد الشاعر، في الحقيقة، ملزما بنمط معين من التقفية، لأن القافية تحولت من كونها ختما يمهر به كل بيت دلالة على ضمه إلى غيره إلى أداة تقنية فاعلة سوف يبين ما يأتي من البحث خدماتها التي اسدتها للشكل الحديث. ولعل إشارة السياب في واحدة من رسائله تحمل قدرا كبيرا من الحقيقة، فقد كتب عام 1961 يقول: "أنا من أعداء التفلت من القافية، ..، وكان في الإمكان أن يتضاعف اثر صورك وأفكارك وعواطفك على النفس لو كانت قصائد مقفاة".(9)فهو يرى أن القافية تعمل في كل تقنيات الشاعر ابتداء بالخيال وانتهاء بفضاء القصيدة النفسي مرورا بالنتيجة التي تقدمها.

وفي قصيدة (استراحة) التي كتبها رشدي العامل عام 1976، يرسم الشاعر صورة حالة بائسة، يشكل "بيت الشعر بلا قافية" احد أركان بؤسها:

في الليالي أجوس حقول الصبا إذ بلتها يداك فترنو لي الساقية.

في الليالي أفتش وحدي عن الحرف، عن بيت شعر بلا قافية.

في الليالي أشم الوسادة، هل غادرتها الضفائر.

وهل نمت وحدي.

وجاء الصباح، ومرَّ الصباح، وأيقظني الليل في الأربعين.( 10)

فالبيت (غير المقفى) يبدو في السطر (2) يتيما وحيدا ينذر بالشيخوخة والنهاية.



المجموعة الشعرية
الشاعر
القصائد

غير المقفاة
مجموع

القصائد

ازهار واساطير
بدر شاكر السياب
0
12

المعبد الغريق
بدر شاكر السياب
0
23

منزل الاقنان
بدر شاكر السياب
0
25

انشودة المطر
بدر شاكر السياب
0
30

شناشيل ابنة الجلبي
بدر شاكر السياب
0
35

كلمات لا تموت
عبد الوهاب البيأتي
0
25

الكتابة على الطين
عبد الوهاب البيأتي
0
16

الموت في الحياة
عبد الوهاب البيأتي
0
15

سيرة ذاتية لسارق النار
عبد الوهاب البيأتي
7
7

قمر شيراز
عبد الوهاب البيأتي
4
7

شظايا ورماد
نازك الملائكة
0
10

قرارة الموجة
نازك الملائكة
0
5

شجرة القمر
نازك الملائكة
0
7

شواطئ لم تعرف الدفء
حميد سعيد
1
20

لغة الابراج الطينية
حميد سعيد
4
9

قراءة ثامنة
حميد سعيد
7
9

الاغاني الغجرية
حميد سعيد
6
11

حرائق الحضور
حميد سعيد
6
10

نخلة الله
حسب الشيخ جعفر
0
22

الطائر الخشبي
حسب الشيخ جعفر
0
13

زيارة السيدة السومرية
حسب الشيخ جعفر
10
11

عبر الحائط .. في المرآة
حسب الشيخ جعفر
9
12

هجرة الالوان
رشدي العامل
6
30

للكلمات ابواب واشرعة
رشدي العامل
0
55

الاسئلة
سامي مهدي
13
48

فصول من رحلة طائر الجنوب
عيسى حسن الياسري
14
15


المجموع
87
482

النسب المئوية
18%
82%




See An Inyroduction to Poetry, Jacob Korg: Holt, Rineh art, and Winston, New York, 1965, P. 29.
موسيقى الشعر العربي: ص ص 109ـ 116.
ينظر الكافي: ص 150.
نفسه: ص 161.
شظايا ورماد: ص 12.
مسائل فلسفة الفن المعاصرة: ص 200.
دير الملاك: ص 339.
موسيقى الشعر العربي: ص 104.
رسائل السياب: ص 108.
هجرة الالوان: ص 220.




الناقد د.ثائر العذاري

alethary@yahoo.com

من منشوراته في النخلة والجيران

العودة الى صفحة مقالات


السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس