عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-07-2014, 01:54 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الالتزام والانضباط

الالتزام في اللغة من (لزم) وهو معروف، ، وفي التنزيل الكريم { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما}*1، و{ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما واجل مسمى}*2، ففي الآية الأولى يختتم المولى عز وجل سورة الفرقان بها، بعد أن عَدّد صفات عباد الرحمن المرضي عنهم، ومن يعصاه ستلازمه العقوبة ملازمة. والضبط في اللغة الملازمة الشديدة التي لا تدعو الى شك وأسد ضابط يضرب بيساره كما يضرب بيمينه، وامرأة ضبطاء كاللبوءة نزقة شديدة الحركة، والضابط الرجل القوي الذي يضبط عمله، والحزبي الملتزم المنضبط هو الذي تتلازم عقيدته مع فعله ولا يألو جهداً في تنفيذ ما وُكِّل إليه من مهام.

(1)

توضع في دساتير الأحزاب وأنظمتها الداخلية المئات بل الآلاف من القواعد التي ترسم مسار حياة الحزبي، في مختلف شؤون حياته وحياة المجتمع، سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أخلاقية، وتجعله يُقِبل على شيء لتوافقه مع مبادئ حزبه، ويبتعد عن شيء لتناقضه معها.

ويتلقى الحزبي تفاصيل تلك الجزئيات من خلال المحاضرات والمواضيع الثقافية التي يناقشها داخل حلقته، وتصقل تلك السلوكيات من خلال ما يُسمى بالنقد والنقد الذاتي.

ويُراقب أعضاء الحزب الكوادر العُليا قبل الكوادر المتوسطة والدُنيا، ويحكمون على صلاحية الحزبي من عدمها، من خلال تطابق ما يعرفونه عن الحزب أو الحزبي من أقوال مع ما يسلكه فعلاً في حياته الحزبية والعامة.

عندما يردد الحزبي (كبيراً) كان أم (صغيراً)، شعار مثل (وحدة، حرية، اشتراكية)، أي أنه يؤمن بضرورة توحيد أقطار الوطن العربي جميعاً (هذا ما يردده)، ويراه البعض يشتم بأبناء مصر أو السعودية ويصفهم بأوصاف لا تليق بما يؤمن به، فإنه سيكون من الحزبيين الساقطين جماهيرياً، ويسقط في نظر الملتزمين فعلاً من أبناء حزبه. والطامة الكُبرى إذا عرف الناس أنه متخاصم مع أخوته من أمه وأبيه، على ميراث سنتيمترات قليلة، فأي وحدة يطالب بها أمثال هؤلاء.

وعندما يسرق مدير عام جهد العاملين تحت إمرته وينسب أبحاثهم وابتكاراتهم لنفسه، فأي اشتراكية (وعدالة اجتماعية يطالب بها)؟

وعندما يسمع صوت زوجته تطلب منه الحضور لاستلام الشاي من وراء الباب ليقدمه الى ضيوفه، وبعد أن يغادروا يعنفها ويشتمها أو يضربها، لأنها أسمعت صوتها لضيوفه! فأي حرية وأي حقوق للمرأة، أتلف أذان الناس وهو يرددها؟

(2)


يتربى الحزبيون على قواعد أخلاقية عالية، أو هكذا يفترض، مثل (الحزبي أول من يضحي وآخر من يستفيد)، وعندما تراهم العامة يتسنمون وظائف قيادية عالية في الدولة، وهناك الآلاف ممن هم أحق منهم في تسلم مثل تلك الوظائف مما يقدم للوطن والمواطنين الخير الأعم فيما لو تنحى هؤلاء الحزبيون عن طريقهم، فعندها سيكفر الشعب بالحزب وعناصره ويعتبرون خطابه خطاباً فارغاً لا يمت بأي صلة للشعب وأحلامه.

وقد يتفهم الكثير من الوصوليين تلك اللعبة، ويبدءون في التسلق في الدرجات الحزبية حتى يُنسّبوا لمثل تلك الوظائف التي تدر الخير لهم ولأسرهم. يعُمُّ عندها الفساد ليس داخل الحزب فحسب بل داخل الدولة التي يقودها ذلك الحزب.

(3)

في البلدان التي لم تتسلم فيها الأحزاب الحكم، فإن لوائح الانضباط تكون فيها من الغرابة بحيث تتشابه تلك التنظيمات بترهلها مع تنظيمات الأحزاب الحاكمة.

فهناك قواعد مثل ضرورة الانضباط بتنفيذ ما يُطلب من الحزبي، وأولها حضور الاجتماعات، ففي دولة مشرقية لا يزال يحكمها حزب، يذكر أحد الكوادر المطالبة بإصلاح الحزب مجموعة من الإحصائيات المذهلة، فيقول في فرقة حزبية فيها 300 عضو عامل مثبّت يحضر عشرون عضوا والباقي لا أحد يعلم عنهم شيئاً، أما الأنصار في فرقة أخرى فكان عددهم 400 نصير يحضر منهم عشرة أنصار والباقي لا أحد يعرف عنهم شيئاً*3

أما في الأقطار التي لا يحكم فيها حزب ما، ففي الأردن مثلاً، وعند توقيع اتفاقية (وادي عربة)، دعت أحزاب المعارضة الأردنية لمظاهرة ضد الاتفاقية، وعندما حضرت قوات مكافحة الشغب وكان عددها 2200 (دركي) مدجج بالأسلحة والهراوات، لم يتبق من الحزبيين سوى 9% في حين هرب البقية، وبقي أناسٌ لم يُعرف لهم انتماءٌ حزبي.

(4)

هناك مصطلحات تدلل على عملية الانضباط والالتزام تستخدمها الأحزاب التكاملية أي التي تعتمد الأيديولوجيا والتنظيم بعكس تلك التي تنتشر في أمريكا واليابان، ومنها في بلداننا العربية (البعث، والشيوعي، والأخوان). ومن هذه المصطلحات: التهويش والاتصالات الجانبية والنقد والنقد الذاتي وغيرها.

فالتهويش والاتصالات الجانبية، هي ذلك (اللغط) الذي يتم بين صفوف الحزبيين خارج التنظيم، يتم فيه تناول أخطاء القيادات العليا والمتوسطة والدنيا، ويحدث هذا الشيء نتيجة تجاهل المسئولين لملاحظات القواعد أو قمعها في وقت مبكر مما يدفع هؤلاء بالحديث خارج تنظيماتهم.

ونفذ ثم ناقش، حيث تأتي أوامر بالاصطفاف في الانتخابات مع مرشح غير مقنع أو اتخاذ خطوات سياسية معينة، وعدم الاستماع لملاحظات القواعد، مما يدفعهم للالتزام أو التحايل على الالتزام والتمرد عليه، وعندما يحين دور النقاش، فإن القيادات تميل الى التسويف أو القمع من جديد.

إن أحزاباً لا تمارس الديمقراطية بين صفوفها، لا يجدر بها أن تطالب الحكومات بالديمقراطية، وإن استلمت الحكم سيكون رفضها للديمقراطية أنكى من الحكومات التي اجتثتها، وإن أحزاباً لا تكن الود والاحترام لقواعدها أبعد مما تكون دَعيّة بحب الجماهير وتمثيل مصالحها.








هوامش
*1ـ القرآن الكريم سورة الفرقان آية 77
*2ـ القرآن الكريم سورة طه آية 129.
*3ـ عبد الرحمن التيشوري/ في مقالة في موقع (سيريا لايف) نُشرت في 14/1/2014 تحت عنوان (إعادة البناء التنظيمي.. يبدأ بتثبيت العضوية).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس