عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 10:05 AM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الثابت والمتغير في القاعدة الاقتصادية

الثابت في اللغة هو دوام الحال. وسواء كانت تلك الحال مادية كما في الجبال والأودية والأبنية، أو معنوية وهي التي تصف الرجال بثباتهم على مواقفهم، أو الدول والجماعات الخ. وفي حالات التخطيط والسياسات فإن الثبات في هذه الحالة يسمى إستراتيجية، أي الخطط طويلة المدى التي تقسم الزمن لتوزع عليه الخطوات التنفيذية، ويرافق هذا المفهوم أو المصطلح، مصطلحٌ آخر يُطلق عليه التكتيك وهو ما يطرأ من عوامل مفاجئة تستوجب تأخير الخطوات الإستراتيجية أو تطويرها بما يلاءم ذلك التغيير الطارئ.

وبالمقابل فإن المتغير هو المتبدل وهو الذي يغاير الحالة التي كان عليها في ثباته، فالسير تغير والنمو تغير والتقزم (تراجع النمو) تغير، والربح تغير والخسارة تغير، والبناء تغير والهدم تغير الخ. فالتغير هو الخروج عن الحالة السابقة صعوداً أو هبوطاً، يميناً أو يساراً.

مرجعية المتغير

الطير يطير ويعود لعشه كمرجع، والبخار يتصاعد من البحار والمحيطات ليعود بشكل أمطار للأرض كمرجع، والاختراع انفلات من حالة الثبات والتعود على نمط ليعود الى الاستعمال من قبل من اخترعه كمرجع. والأفراد في الأسرة يتنقلون من مكان لآخر ويعودون في الغالب لأسرهم كمرجع، والمؤسسات الاقتصادية صغيرة أم كبيرة تنتج ويعود إنتاجها لمنشئها (الوطن) في حالة المؤسسات الوطنية و (الكارتل أو الترست) في حالة المؤسسات الاقتصادية العالمية.

ولن يكون الثبات ثباتاً مطلقاً، بل قد يكون ثباتاً نسبياً أو مجازاً، فالمركبة الفضائية هي مرجع لرواد الفضاء الذين يستقلونها فهي متحركة وهم إن خرجوا منها في الفضاء وعادوا لها كمرجع فيكون المتغير والثابت متغيران، لكن أحدهما يشكل مرجعاً للآخر. كما هي حالة حركة النجوم والكواكب في مجراتها وانتماء حركة الجرم لمنظومته المتحركة كمرجع.

ماذا يعني ذلك وما علاقته بالقاعدة الاقتصادية؟

لقد وضعنا عنواناً: كيف نفهم (نحن) القاعدة الاقتصادية؟ أي بعيداً عن العلوم الاقتصادية ولغة المحترفين فيها، بل من خلال ملاحظاتنا وفهمنا العلاقات بين وحدات المكونات الاقتصادية، ومن هنا تتسلسل تساؤلاتنا وِفق الفهم المتكون لدينا وليس وِفق الفهم المتفق عليه أكاديمياً.

وعودة الى الثابت والمتغير في القاعدة الاقتصادية ـ حسب فهمنا ـ وما ربطناه تشبيهاً بالمرجعية، فإنه لا يمكن أن يكون هناك ثابتٌ مطلق، حتى في الأنهار والبحار، فإن كان مجرى النهر يشكل مَعْلَماً جغرافياً ثابتاً في المدى المنظور، فإن محتوياته من الماء ليس هي نفسها إذ تتغير كل لحظة، وقد ينحرف مسار النهر جارفاً خط مساره لينتقل الى عدة كيلومترات في اتجاه مختلف.

هذه الظاهرة تنسحب على الأوطان والشعوب، فالقارات ثابتة بالذاكرة العالمية، كذلك هي أسماء الأمم والشعوب، لكن أفراد الشعب ومهاراتهم ستختلف من قرن الى قرن محتفظة بتقاليد وقيم تؤثر إيجاباً وسلباً، بقوة أحياناً وعلى استحياءٍ في أحيانٍ أخرى.

وبالقدر الذي تنمو فيه مختلف مناحي الحياة في مجتمع واحد بطريقة متناغمة بالقدر الذي تتصف به قاعدته الاقتصادية بالقوة والثبات. وبعكسه فإن اختفت بعض المهارات التي يتصف بها شعبٌ ما وفي نفس الوقت تنمو النزعة الاستهلاكية والميل للكسل واختيار مهناً لا ترتبط بمهارات وتراث ذلك الشعب، فإن التشوهات الاقتصادية ستحل باقتصاده وستهدد ثبات القاعدة الاقتصادية، بل وتنذر بتفكيكها.

علاقات الوحدات الصغرى بالقاعدة الاقتصادية المركزية

إن مجموع نشاط الأفراد الاقتصادي سواء كانوا فرادى أو ضمن مجموعات صغيرة أو ضمن مجموعات اقتصادية كبرى، سيصب في مجرى الاقتصاد العام للمجتمع ودولته، وسيبحث بالتالي عن موقعه ضمن المنظومات الاقتصادية العالمية وفق توازن يحفظ ثبات القاعدة الاقتصادية.

فإن أخذنا موضوع الثبات علينا تذكر مثال الأبنية وترتيب وحداتها السكنية وغرفها على القاعدة (الأساس)، والذي يراعى في تصميمه احتمالية حدوث هزات عالية الذبذبة (حسب مقياس ريختر).

وإذا أخذنا التغير وقارنا التغير في الأجسام المصنعة كالسيارات، فإن منظومة الكهرباء والميكانيكا والتكييف وغيرها بما تحوي من أجهزة دقيقة يتناغم أداؤها ليحرك جسم السيارة المستند على هيكل قوي، هو ما يصف السيارة بالجودة أو الرداءة.

أما إذا أخذنا التغير العضوي، كجسم الإنسان مثلاً، فإن أداء الجسم وحيويته ستتأثر سلباً إذا اختل أداء الكلى أو الجهاز الهضمي أو غيره.

هكذا إذن هي المجتمعات والدول، مجموعة بين الثوابت النسبية، والمتغيرات المادية والمعنوية وغيرها، والخلل في أي منظومة سيؤثر سلباً على القاعدة الاقتصادية التي تستند إليها النشاطات العامة في المجتمع سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو عسكرية.

إهمال الوحدات الصغرى في الدول النامية يقف وراء مشاكلها

تتركز صياغة القوانين الخاصة بالضرائب والإعفاءات وإصدار الرخص، والفقه الاقتصادي العام، في معالجة المشروعات الكبرى سواء كانت وطنية خالصة من القطاع العام أو المختلط والخاص أو من تلك التي تمتلكها قوى اقتصادية دولية تقوم بالاستثمار في البلاد.

في حين يُترك الأفراد والجماعات ذات المشاريع الصغرى يتخبطون في أدائهم الذي يصطدم أحيانا بالرغبة باستبعاده من قِبل أصحاب المشاريع الكبرى بأنواعها المذكورة، ويؤول مصير مثل تلك المشاريع الى الزوال بعد أن يستنزفوا أموالاً وطاقات ستعود طبيعة خسارتها في التالي على الاقتصاد الوطني.

من زاوية أخلاقية وأدبية، لا يحلو لمن يتناول أفخر الأطعمة أن يتناولها بحضور من حُرموا منها وهم ينظرون إلى من يتناولها. ومن زاوية اقتصادية فإن انتعاش قدرة الفرد الشرائية يعزز من تنشيط الاقتصاد نتيجة إقبال المشترين على البضائع والخدمات المصنعة محلياً.

إذن، فالسعي لحماية الأفراد والهيئات الإنتاجية الصغرى، يحمل معنىً أخلاقياً ومعنىً اقتصادياً، كما أنه يدعو لمفخرة الحكام أمام نظرائهم من حكام دول العالم، فليس هناك من مفخرة عندما يحكم الحاكم ملايين الأفراد البؤساء المتسولين والذين لا يسجلون براءة اختراع واحدة.

هذا يعزز من ضرورة البحث الجاد في رسم علاقات إنتاج لا تتوقف عند حد، بل تراقب وتصدر ملاحظاتها وتعليماتها، كمراقبة الجهاز العصبي المركزي لحركة رياضي يلعب وسط مجموعة لاعبين.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس