عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-04-2024, 07:49 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,003
إفتراضي

كما لا يلزم من حدوث الزلزلة الإصابة بمرض الطاعون، وهكذا في حين يلزم من اتصال الحديد بالحرارة تمدده، ومن تعرض الثوب للنار احتراقه، ومن دوران الارض حول نفسها وحول الشمس حدوث الليل والنهار والفصول الأربعة، وغير ذلك من الإقترانات اللزومية
وهنا نعود إلى ما كنا عليه من السؤال السابق، إذ يقصد المنطق الأرسطي من أن الإقترانات بين الظواهر إذا لم تكن لزومية فإنها لا تتكرر أكثرياً ودائمياً ومنه يستنتج بأن الإقترانات لو كان تكررها أكثرياً أو دائمياً فإنها ستدل على وجود العلاقة السببية، حيث من المحال تكرر الإقترانات الخالية من اللزوم باستمرار ولا شك انه لا يمكن حمل هذا المعنى على اطلاقه من غير شروط وقيود، وذلك لأن أغلب الإقترانات الحادثة في عالم الطبيعة والحياة تعتبر صدفوية خالية من اللزوم إذ أي لزوم يربط بين إقتران مجمل الحوادث التي تحصل في بلد ما كافغانستان، واخرى تحدث في افريقيا أو فرنسا أو غيرها؟ فلا يخلو مكان ولا زمان من حوادث، وهي إذ تحدث في مكان ما لا بد من أن تقترن مع غيرها في مكان آخر بذات الوقت، ومع هذا فليس ثمة لزوم بين المجموعتين منها وبالتالي كان لا بد من تقييد المبدأ الأرسطي ببعض الشروط
اذاً لنفترض أن التقييد يندرج ضمن دائرة العلاقة النوعية بمعنى انه لا يُلتفت إلى حالات الإقتران الحاصلة بين مطلق الأشياء، بل يقيد الأمر بدائرة إقتران أفراد نوع معين بأفراد نوع اخر، فإذا لوحظ ان هناك تكراراً أكثرياً أو دائمياً بين أفراد النوعين كان بالإمكان إستنتاج العلاقة اللزومية والسببية بينهما فمثلاً يصح إعتبار السقمونيا مسهلة للصفراء، بسبب ملاحظة الإقتران المستمر بينهما فهذه العلاقة اللزومية مستنتجة من خلال لحاظ الإقتران الحاصل بين أفراد نوع السقمونيا وافراد نوع الاسهال
لكن مع هذا هناك حالات نوعية يحدث فيها الإقتران المستمر رغم أنها جارية على مجرى الصدفة والإتفاق وليست لزومية فمثلاً أي علاقة لزومية تربط بين عمل الفلاحين في مزرعة ما من المزارع، وبين عمل أفراد خلية للنحل موجودة هناك، رغم أن العملين يمكن أن يكونا مقترنين باستمرار؟ وكذا أي علاقة لزومية تربط الإقتران المستمر بين حدوث حالات الزواج، وبين حالات القتل في العالم؟ أو بين تجدد الحياة، وبين حالات الموت المطردتين؟ فلا شك ان مثل هذه الإقترانات المستمرة تعتبر صدفوية لا تقوم على إعتبارات اللزوم والسببية وحتى لو قيل انه يشترط في ذلك وحدة الزمان أو المكان، أو كلاهما معاً، فمع ذلك هناك إقترانات ذات علاقات سببية لا تحتفظ بمثل هذه القيود فمثلاً نحن نعلم أن اليورانيوم يتحول إلى رصاص، وهو يحتاج بذلك إلى فترة زمنية طويلة جداً، كما نعلم ان حركة الأجرام في مداراتها تتأثر بقوة الجذب فيما بينها، رغم أن أمكنتها مختلفة وبعيدة للغاية وعليه إذا قيّدنا المبدأ الأرسطي بشرط الزمان أو المكان، فسيكون من المحال علينا تبرير مثل تلك القضايا الإستقرائية بل هناك إقترانات دائمة لظواهر تتفق زماناً أو مكاناً رغم أنه لا تربطها علاقات السببية، مثل ظاهرتي الأكل والشرب اللتين تحدثان كل لحظة باستمرار لدى المعمورة كافة، وكذا إتفاق وجود البحر مع وجود بقعة الارض التي تحته
ولا ينفع ما قد يقال انه يشترط في ذلك ان يقوم الإنسان بنفسه في إقامة التجربة وإثبات العلاقة اللزومية، كالذي شهدناه لدى البعض في تأويله للمبدأ الأرسطي، حيث هناك جملة من الظواهر الطبيعية لا تحتاج إلى تجارب للكشف عن علاقاتها السببية، بل تكفي المشاهدة الحسية لمعرفة كونها لزومية وليست إتفاقية، ومن ذلك ما يحصل في الظواهر الفلكية كما لا ينفع - أخيرا - ما لو فرضنا أن المبدأ الأرسطي مقيد بحالات التكرر الفردية ضمن النوع الواحد فبحسب هذا الشرط لو شهدنا تكرر الحدوث لفرد مع آخر في نوع واحد باستمرار، فسيأذن لنا ذلك بإستنتاج علاقة اللزوم والسببية لكن حتى في مثل هذه الحالة نرى بعض الظواهر ما لا يصدق عليها تلك العلاقة فنحن نلاحظ - مثلاً - ان جزيئات الغاز في حركة دائبة مستمرة، ولنفترض اننا عينا جزيئتين من هذا الغاز لنتحقق فيما لو كانت تربطهما علاقة سببية ما، اعتماداً على مبدأ عدم تكرر الصدفة أكثرياً ودائمياً، وفي هذه الحالة سوف تتأكد لنا علاقة اللزوم بسبب حالة الإقتران الدائمة لحركة كل منهما، إذ الإقتران المستمر دال على عدم تكرر الصدفة، الأمر الذي تثبت فيه علاقة اللزوم والسببية مع انه طبقاً لقرائن كثيرة يمكن التأكد بعدم وجود أي علاقة لزومية بين حركتي الجزيئتين"
ومما سبق من كلام يحيى نجد أن عمليات الاقتران ليست دوما دليل على وجود سببية لازمة بين العمليات فلا يمكن الإنسان ربط كل الأشياء
وكلام يحيى عن الصدف هو تعبير خاطىء فمعظم الأحداث قد تبدو عشوائية ولكنها عند الله ليست كذلك فلا شىء يحدث بلا هدف فالهدف كما قال تعالى :
"الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
وخلص الرجل إلى أن المبدأ الأرسطى يحتاج لاعادة صياغة صحيحة فقال :
"وبهذا ننتهي إلى ان المبدأ الأرسطي يحتاج إلى صياغة معقولة، وان علاقة السببية لا تستنتج منه، وإلا لكنا إعتبرنا الكثير من الإقترانات الصدفوية بأنها إقترانات لزومية، وهو قلب للحقيقة والواقع"
وتحدث عن أن المفكر الصدر أجرى اصلاحا للمبدأ الأرسطى وعنه قال :
"عاشراً: هناك إصلاح جذري للمبدأ الأرسطي أجراه المفكر الصدر عليه وينص هذا الاصلاح بأنه كلما كانت هناك ظروف وملابسات كثيرة متغيرة ومتحركة، كلما تضاءل احتمال تكرر الظاهرة المتأثرة بهذه الظروف والملابسات وعلى العكس كلما تضاءلت مثل هذه الظروف التي من شأنها التأثير على حرف الظاهرة، وازدادت في الوقت نفسه الدواعي التي تدعو لايجادها، فإنه سيزداد إحتمال تكرر الظاهرة وكما يقول الصدر: كلما كان دور الجزء الثابت - أي العوامل الداعية لايجاد الظاهرة - أكبر كان ترقب تكررنفس الظاهرة مرات عديدة أقوى، وكلما كان دور الجزء المتحرك - أي العوامل التي من شأنها حرف الظاهرة عن الحدوث - أكبر كان ترقب اختلاف الظاهرة أقوى واستنتج من ذلك إن العوامل المتحركة - التي من شأنها حرف الظاهرة - إن كانت كثيرة، فسوف تختلف الظواهر الناتجة دون أن تتماثل في الوقوع والحدوث وهو بمثابة ان الصدفة لا تتكرر باستمرار ما دامت الظروف متحركة وغير ثابتة وقد سمى هذه الحالة قاعدة عدم التماثل عوض تسميتها مبدأ عدم تكرر الصدفة أكثرياً ودائمياً، لِما في ذلك من اصلاح وتعديل للمبدأ الأرسطي
فمثلاً على هذه القاعدة لنفترض انه قمنا باحصائية لدراسة ظروف ألف شخص مصابين بظاهرة الانعزال أو الانطواء، وقد بينت لنا هذه الدراسة أن هؤلاء الأفراد يختلفون في عقائدهم وتقاليدهم وظروفهم الحياتية بشكل كبير ففي هذه الحالة ما هو إحتمال أن ينتحر جميع هؤلاء، كتطبيق لقانون دوركايم؟
من الطبيعي ان القيمة الإحتمالية للانتحار في هذه الحالة ستكون ضئيلة جداً، بإعتبار ان ظروف كل واحد من هؤلاء الاشخاص متنوعة ومختلفة بشكل كبير، وربما تكون اغلب هذه الظروف غير داعية للانتحار لكن لنفترض للتبسيط ان القيمة الإحتمالية لظروف كل واحد منهم تدعوه إلى الانتحار هي (1\ 2)، ففي هذه الحالة تكون قيمة إحتمال انتحار الجميع عبارة عن نصف مضروبة في نفسها ألف مرة، وهي قيمة في غاية الضآلة، وعملياً انها اقرب إلى الصفر لذلك فهناك مبرر للإعتقاد بنفي حدوث مثل هذه الحالة
وما يعنينا من ذلك انه لما كانت هناك ظروف مختلفة من شخص لاخر فإن اجتماع الصدف التي تجمعهم على الانتحار هي في غاية الضآلة، وهو نفس معنى كون التماثل لا يستمر طالما هناك ظروف متغيرة من شأنها حرف الظاهرة عن التماثل
وعليه إذا أردنا أن نعرف إذا ما كانت ظاهرة ما من الظواهر تتكرر أم لا، فلا بد من دراسة ظروفها الخاصة، فكلما علمنا بأن اغلب الظروف متحركة - أي داعية إلى حرف الظاهرة عن التماثل - كلما توقعنا ان الظاهرة لا تتكرر باستمرار وعلى العكس فيما لو علمنا أن أغلب الظروف ثابتة - أي داعية إلى ايجاد الظاهرة - حيث سنتوقع تماثل الظاهرة وتكررها وهذا يعني انه لا بد من معرفة ظروف الظاهرة ودور نسبة تأثير العوامل الثابتة والمتغيرة من تلك الظروف، بالاعتماد على حسابات الاحتمال التي لم تحض باهتمام المنطق الأرسطي مع هذا يمكن القول ان الصياغة الجديدة للمبدأ الأرسطي لا تنطوي، من حيث ذاتها، على كشف السببية فهي تتحدث عن احتمالات الترقب ودور العوامل الثابتة والمتغيرة في إنتاج الظاهرة، بغض النظر عن وجود السببية وعدمها وهذا يعني ان هناك حالات تتماثل فيها الظاهرة، ومع ذلك فهي لا تتضمن الكشف عن السببية فمثلاً لو كانت لدينا ألف كرة سوداء مع عشر كرات بيض، واردنا ان نسحب عشوائياً ثلاث منها، فسوف نتوقع ان الكرات التي نسحبها ستكون كلها سوداء فمع انه ليس بين الكرات المسحوبة أي اثر من اثار السببية، ولا بينها وبين بقية الكرات، إلا ان ذلك لا يمنع من أن نتوقع عدم تكرر الصدفة في أن تكون جميع الكرات المسحوبة بيضاء، وذلك لوجود عوامل تدعونا إلى خفض القيمة الإحتمالية لهذه الصورة إلى ابعد حد ممكن، ورفع القيمة الإحتمالية لصالح سحب الكرات السود
هكذا لم تكن الصياغة الجديدة كاشفة من حيث ذاتها عن السببية "
قطعا المنطق الأرسطى هو منطق لفظى وليس واقعى ومن ثم لا يصلح غالبه لتطبيقه فى الحياة وكذلك المنطق الحديث وغيره لأنهم يأخذون مقام الوحى الإلهى فى اصلاح حياة الناس
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس