عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 28-11-2009, 07:28 AM   #5
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

وفي هذه المقطوعة يتابع الشاعر مأساة واقعه الحزين :
وكالزلزال في صمتي
وفي ترنيمة الوجـد
وألف مدينة نزفت
مع الأحرار في بلدي
فهل للبحر ترتيل
يعيد الجزر للمد؟!
وهل لمواقع الأصداف
من بيت
يشير معي إلى بيتي

هنا يبدو الشاعر وقد جعل من نفسه أداة لتحريك هذا الواقع من خلال صمته ولعله ينعي دوره السلبي من خلال هذا التعبير ولعله كذلك يشير إلى ذلك الصمت الذي يريب الآخرين ويزلزلهم .على أية حالة كان وجود هذه الجملة في رأي سلبيًا لأنه جاء بشكل يكاد يكون منبتًا عما سبقه ، فالسرد والإفاضة في الالتفات إلى المحبوبة تجعل القارئ يظن القصيدة منتحية هذا المنحى ولكن لما يعود الشاعر إلى التشبيهات السابقة فهو بذلك ينتقل مستطردًا بأسلوب يشعر فيه القارئ بعدم تناسق بين التركيبات وكأن مداد الشعر انقطع فجأة ثم عاود حضوره مرة أخرى .
وكان التعبير نزف المدينة به تجسيد يعبر عن واقع الإنسان و الحرية المنشودة إذ يغدو الوطن متوحدًا مع أبنائه في هذا النزف وتأتي كلمة الأحرار لتعبر عن الواقع الذي يتكئ عليه الشاعر ليوصل رسالته ولم يطل الحديث عنهم لأنهم عابرون فأتى بهم كأنهم في (كلام عابر),
ويأتي البحر خلفية يبث الشاعر من خلالها مواجده في تعانق بيّن يجمع الرمزية بالمباشرة ويأتي هذا البحر بدلالاته المختلفة لهو الطفل الخوف الكنوز والمرجان ليلعب دور المنقذ المتمنى كما أن من جماليات هذه القصيدة العبقرية مجيء البحر مأسورًا في تعبير ضمني ممثل في السؤال الاستنكاري فهل للبحر ترتيل ؟ ويغدو البحر بعد نزف المدينة والأحرار العابرين كهلاً أخرس لا يتمكن من الترتيل وهنا يكون التساؤل هل البحر هو بحر الشعر أم شيء آخر من خصائص البحر ؟ وذلك دليل على الثراءالدلالي للقصيدة . وهذا البحر يتصور شاعرنا عجزه إذ يكون غير قادر على إعادة الجز للمد وهو بذلك يعبر عن حركة البحر التي اعتراه العجز عن الوصول إلى أقصى مدى ، هنا يأتي البحر تعبيرًا عن الثورة الممثلة في إعادة الحيوية والقوة للإنسان للوصول إلى هذه الأسوار التي تحجبها وتعيدها إلى الجزر فوهات البنادق وأدوات الترويع المختلفة.

إلى ذلك لا أكاد أتبين دلالة مواقع الأصداف والإشارة إلى البيت ، إذ تبدو الصورة منقوصة كان ينقصها القدرة على الربط بما يسبقها ولعل المقصود هو ذلك التضييق الذي طرأ على البحر حتى صار الهروب إلى مواقع الأصداف تُتخَذ بيوتًا ، والأصداف إذا كانت تحمل الجوهر والدر المكنون فإن الأمل البرّاق يكمن فيها ..هكذا يود الشاعر لكن كيف للبيت أن يشير إلى بيت داخل الصدف ؟ هل هو بيت الشِعر الذي يرسم حياة الإنسان ومقامه في هذه الحياة ؟ عمومًا هي تأويلات في ضوء ثقافتي الشخصية وإن كنت أظنها مأخوذة بقوة على شاعرنا العزيز.
وتكتبني القصيدة
أ لف مجنون
وتوهمني بأن الأمس يسبقني
وأن الفارس المغوار عاد لعشقه
شوقاً... بلا سيف!
فمن سيريح هذا السيف من غمدِ..!

ويعاود الشاعر مرة أخرى كحركة المد رجوعه إلى القصيدة والتي هي أداة إلهامه في أمواج هذه الحياة المتلاطمة ومجيئها بشكل دائري مثل أداة هروبية لجأ إليها الشاعر بعد استتباب الإحباط وسيطرته على مشاعره وآماله في الخلاص فلا يلجأ بعدها إلا إلى الحبيبة مرة أخرى عله يجد في حديثه إليها سلواه المفتقد . ويظهر تأسفه على أن السيف فارقه وعاد إلى غمده لتأتي الصورة الحزينة ممثلة في حال الفارس الذي فقد سيفه أو الذي أُفقِد سيفه ليعود إلى غمد نكرة يمارس دوره التقليدي في القضاء على سيوف العشاق لتبقى لغة غير التي يحبها باقية .لكن ثمة شيء غير منطقي يكمن في أن الغمد لو تُخلِص منه والسيف به فسوف يفقد الشاعر كل شيء أمامه.

وأنت بظل أشعاري ممددة
كمسرى السهم في كبدي

كان تشبيهًا قويًا معبرًا عن الألم المتمثل في تمدد السيف في الكبد ،وهكذا يأتي المبدع بصور
المأساة الإنسانية ليجعلها مناط استخدامه التشبيهات والصور الفنية ، فهذه المحبوبة وهي الوطن
رغم شاعرية حضورها إلا أن حالة الألم والاتكاء عليها جعلتاه يجعل من هذا الواقع الأليم أداة
لاستمداد وجه الشبه بين الحالتين . ولو لاحظنا الموازاة بين هذا الشطر وبين بحضن أيامي مكبلة لرأينا الشعر
هو ذلك الوطن الآخر المكبل ليأتي الوطن والشعر وجهين لعملة واحدةوهي التقييد والحبس .
ويأتي الخطاب للحبيبة بشكل يتكرر أكثر من المقطع الأول الذي كان ترتيل البحر وإعادته المد للجزر هو نقطة الالتقاء التي تجتمع فيها آلام الشاعر وآماله هذا الخطاب يأتي ليعبر عن شوق مكبوت ومشوب بالألم الناتج عن هذا الصراع النفسي الأسيّ :
تعلمني المراكب حكمة النسيان
في السفر
وفي النسيان تقتربين...
تقتربين كالنسيان
تقتربين ..تقتربين
مثل الجرح والنزف
لتبتعدي

ويأتي الاعتماد على عنصر الحركة من خلال التباعد والاقتراب ليعبر عن حالة من اللاستقرار المعتملة في ذات الشاعر إذ يغدو بين القرب لديه هو قرب الأمل والابتعاد ابتعاد الأمل ، ويأتي الشطر تقتربين مثل الجرح والنزف ِ ليبعر عن شدة اقتراب الجرح والنزف حتى أنه يصير مضرب المثل في القرب .
غير أن هذه الأشطر في رأيي جاءت زائدة للتمهيد لختم القصيدة :
ومن حرف إلى حرف..
ومن سطر إلى سطر
ومن بحر إلى بحر..
ومن سفر إلى سفر
ومن وعد
إلى وعد

ولعل القارئ يتساءل ويقول كل هذه مبتدآت فأين خبرها ؟من حرف إلى حرف ومن وعد إلى وعد ..ماذا ؟ هل هو يكتبها من حرف إلى حرف ؟ أم أن الخبر محذوف يقدره القارئ وفق القرائن ؟
وتكتبني
وتكتبني
كأن الشعر إبحار
وترحال إلى
الأبـد
فهل للبحر ترتيل
يعيد الجزر للمد؟!

كان الإصرار على فكرة تكتبني القصيدة ، ولعل القارئ يتساءل ما دلالة هذه الجملة ؟والغالب على ظني أنه دلالة على الأسر الذي يقع فيه المبدع من خلال عملية الكتابة والذي أظنه بقوة أن المعنى يبعد عن ذلك ليكون تعبيرًا عن الوطن تلك القصيدة التي تلهم الإنسان كل ما مواجده ومشاعره وكان استشعار جو البحر والاعتماد عليه في استحضار الدلالات العميقة المختلفة له عنصرًا معتمدًا عليه في القصيدة ليأتي التساؤل الدائري هل للبحر ترتيل يعد الجزر للمد ِ؟ طالما أن الشعر ترحال بأبحره وأنغامه إلى الأبد فإن التساؤل من خلال التورية عن الشعر هل يؤدي يومًا ما وظيفته في إعادة العنفوان وروح التحدي للمجتمع ؟
قصيدة أعجبتني على بعض هنّات فيها ولك مني أخلص التحية وأصدق الامتنان .

وكل عام أنت وإبداعك بألف ألف خير

__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 28-11-2009 الساعة 07:34 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس