عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-08-2008, 05:30 PM   #3
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

...


أنت وأنا نقف اللحظة فى ملتقى طريقين أبديين :

الماضى الفسيح الذى ولّى بغير رجعة .. والمستقبل المجهول الذى يطارد الزمن ويتربص بكل لحظة حاضرة .. ولسنا بمستطيعين العيش ولو بمقدار جزء من الثانية فى أحد هذين الطريقين الأبديين .. فإذا حاولنا ذلك لم تجدينا المحاولة إلا تحطيم أجسامنا وعقولنا . وإذن فدعنا نرض بالعيش فى الحاضر الذى لا يمكن أن نعيش إلا فيه .. دعنا نعش اليوم إلى أن يحين وقت النوم . لقد كتب الروائى الكبير "روبرت لويس ستيفنسون" يقول :

"كل امرىء يستطيع أن يحمل عبئه مهما ثقل ، إلى أن يرخى الليل سدوله . وكل امرىء يستطيع أن ينجز عمل يوم واحد مهما صعب ، وكل امرىء يستطيع أن يعيش قرير العين راضيا صبورا محبا نقيا إلى أن تغرب الشمس ، وهو كل ما تبغيه منا الحياة فى الحقيقة" .

نعم ، هذا هو كل ما تتطلبه منا الحياة ، ولكن "مسز أ . ك . شيلد" من أهالى ولاية متشيجان ، تملكها اليأس مرة إلى حد الإشراف على الإنتحار ، قبل أن تتعلم كيف تعيش إلى أن يحين وقت النوم . روت لى مسز شيلدز قصتها فقالت :

"فى عام 1937 فقدت زوجى ، فانتابنى الحزن الشديد فضلا عن الفقر المدقع الذى وجدت نفسى أكابده . فكتبت إلى مخدومى السابق "مستر ليون روش" صاحب شركة روش كارلر فى مدينة كانساس أطلب عملا واستطعت أن أحصل على عملى السابق ، وهو بيع الكتب إلى المدارس الريفية والداخلية بالعمولة . وكنت قد بعت سيارتى حين انتاب المرض زوجى ولكنى استطعت تدبير شىء من المال دفعته دفعة أولى فى سيارة مستعملة وعدت ابيع الكتب من جديد . وكنت أظن أن العودة إلى العمل قد تذهب بعض حزنى ولكن خاب فألى .

وفى ربيع 1938 اقتضانى العمل أن أرتحل إلى بلدة "فرساى" بولاية ميسورى . وهناك استشعرت الوحدة والإكتئاب حتى فكرت جديا فى الإنتحار .. فقد لاح لى أن استمرار حياتى على هذا المنوال أمر مستحيل . إذ كنت أخشى أن أستيقظ كل يوم لأواجه الحياة التى أظلمت فى عينى ، وكنت دائمة القلق : أخشى ألا أستطيع تسديد اقساط السيارة أو دفع إيجار الغرفة ، وأخشى ألا أجد طعاما أقتات به .. وأخشى أن تتدهور صحتى فلا أجد الطبيب . وما منعنى من الإنتحار إلا شيئان : تصورى مدى حزن شقيقتى لموتى ، وعدم توافر ما يكفى من المال لجنازتى .

وفى ذات يوم .. قرأت مقالا انتشلنى من هذه الوحدة ووهبنى القدرة على مواجهة الحياة . ولن افتأ أشكر لهذه الجملة التى قرأتها فى ذلك المقال وهى :

"ليس اليوم إلا حياة جديدة لقوم يعقلون"

وكتبت لفورى هذه الجملة على الآلة الكاتبة وألصقتها على نافذة سيارتى فى مواجهة مقعد القيادة لكى أراها طول الوقت . لقد علمتنى هذه العبارة أن أعيش كل يوم على حدة ، وأن أنس الأمس وألا أفكر إلا فى الغد" .

من تظنه نظم الكلمات التالية :

"ما أسعد الرجل .. ما أسعده وحده ..
ذلك الذى يسمى اليوم يومه ،
والذى يقول وقد أحس الثقة فى نفسه ..
يا أيها الغد كن ما شئت ..
فقد عشت اليوم لليوم ، لا غده ولا أمسه"


إنها تبدو متمشية مع روح العصر الحديث .. أليس كذلك ؟
لكنها كُتبت قبل ميلاد المسيح بثلاثين عاما ، كتبها الشاعر الرومانى "هوارس" .

ومن أفجع الحقائق التى أعرفها عن الطبيعة الإنسانية ، أننا جميعا ميالون إلى نبذ الحياة ! أننا يلذ لنا جميعا أن نحلم بروضة مزهرة عبر الأفق ، بدلا من أن ننعم بالأزاهير المتفتحة خارج نوافذنا فى يومنا هذا .

^

^

^
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس