عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-10-2007, 08:49 PM   #33
*سهيل*اليماني*
العضو المميز لعام 2007
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,786
إفتراضي






لهجات الجنوب(**)
للأستاذ محمد رضا الشبيبي
عضو المجمع

أيها الزملاء الكرام:
تحية وسلامًا، وبعد: يسعدني جدًّا أن أشهد هذا الاحتفال الرائع بمؤتمر مجمع اللغة العربية في دورته الحالية وانعقادها في هذا المظهر الجديد والمنهج الحافل. ويطيب لي أن أشكر الإخوان الذين أحسنوا الظن ومنحوا الثقة وعهدوا إليَّ أن أتكلم بالنيابة عن أعضاء مجمع اللغة العربية من العرب وهو شرف عظيم، وإذا جاز لي أن أتكلم بهذه الصفة قلت: لا شيء أحب إلى العرب من أن تخرج لغتهم بآدابها وفنونها ظافرة من هذا المعترك الذي تخوضه الآن. وستخرج بإذن اللـه، فاللغة العربية مشتبكة منذ زمن طويل في معركتها مع من يكيدون لها ويريدون بها السوء. ولغات الأمم – كما لا يخفى – تابعة لها فتقوى بقوتها وتضعف بضعفها. والعرب هذا اليوم غيرهم بالأمس، وقد شهدت بنفسي كيف تمتهن لغتنا خارج البلاد العربية، ففي الخريف الماضي كنا ثلة من أبناء العرب نستقل طائرة إلى القارة الأوربية، وكنا ونحن على ارتفاع خمسة وثلاثين ألف قدم والطائرة تندفع بسرعة أكثر من ستمائة كيلو متر نريد أن نسأل ونستوضح. ولكن الأحاديث والإذاعة في الطائرة وفي مكاتب الشركة التي تملكها كانت تلقى بلغة أجنبية على شكل يشعرنا بكثير من تحيف حقوقنا في التبليغ والتفهم، لذلك يتحتم – فيما نرى – على الدول العربية التي تتمتع شركات الخطوط الجوية الأجنبية بفوائد لا يستهان بها في بلادها أن تفرض على تلك الشركات احترام اللغة العربية .
قُدِّر لي أن أقوم منذ عهد قريب برحلة إلى المغرب العربي هي أول رحلة أقوم بها إلى تلك البلاد . وفي العودة إلى الوطن لم يكن لنا مناص مــن التعريج على مدينة " رومية " - أو روما كما يقال لها اليوم - عاصمة الدولة الإيطالية، حيث مكثت فيها برهة قصيرة. وفي ذات يوم من أيام رومية ناولني أحد المشارقة المقيمين فيها صحيفة قرأت فيها خبرًا طريفًا يعنى به كل عربي، وهو عبارة عن الكشف عن أربع لغات مستقلة في اللغة العربية يتخاطبون بها فيما بين حضرموت والربع الخالي من الجزيرة واللغات المذكورة هي :
1- المهرية. 2- البطعرية. 3- الشحرية. 4- الحرسوشية .
وكان المظنون أن الصحيفة تعني وجود لهجات أربع في تلك الأرجاء، ولكن اتضح لهم بعد ذلك أنها لغات قائمة بنفسها مستقلة عن العربية، وإن كانت من فصيلتها السامية، ويقول الراوي: إن هذه الأقاليم التي يتخاطب أهلها بتلك اللغات واقعة على حدود الربع الخالي شمالاً إلى ساحل البحر العربي جنوبًا، ومن عمان شرقًا إلى حضرموت غربًا. ويستفاد مما جاء في تلك الصحيفة أن "مكتب الأبحاث "العربية التابع لإحدى شركات النفط التي تعمل في قلب الجزيرة يعنى – فيما يعنى به - بدارسة الشؤون البلدانيه والاجتماعية واللغوية في تلك الجهات، حتى إن هذا المكتب استعان بجماعة من الناطقين بتلك اللغات – كما يقولون – على تسجيل بعض الأحاديث، ورسم بشورتهم عددًا من مصورات المناطق أو الأقاليم المذكورة وتناولت بعض مناطق الربع الخالي. وهكذا – على ما جاء في هذه الصحيفة – تمت أول محاولة منظمة لتوضيح ما أبهم من الأعلام البلدانية غير العربية في جنوب الجزيرة. هذا مع أنه لم توجد أعلام غير عربية في تلك الأرجاء، والغالب أنها أعلام مرتجلة أو محرفة غاية التحريف فتوهموا أنها أعلام غير عربية .
هذا ما قرأناه في تلك الصحيفة أثناء الإقامة بمدينة رومية. ولابد لنا من القول: إننا لا نشاطر الباحث رأيه في أن تلك اللغات أو اللهجات التي وقفوا عليها مستقلة عن العربية، والموضوع يحتاج إلى مزيد من البحث، ولا يركن في مثله إلى حكم لا يستند إلى أدلة قاطعة .
وفيما يتعلق باللهجة المهرية على ما جاء في الصحيفة – ولعلهم يقصدون الأمهرية – وهي لغة الحبشة من فصيلة اللغات السامية كما لا يخفى، ويقول الباحثون إنها تجتمع مع العربية في أصل واحد، وقد جاء في المادة السابعة من معاهدة الصداقة والتجارة المعقودة بين اليمن والحبشة قبل ثمانية أعوام ما هذا نصه: " لهذه المعاهدة نسختان أصليتان باللغة الأمهارية – والعربية حيث إن أصل اللسانين واحد، وعند اللزوم للتفسير يعتبر النص العربي " وهذا يعني أن اللغة الأمهرية لا مكان لها في البلاد العربية، على أننا لا نستبعد تأثر بعض اللهجات العربية في الجهات المجاورة لبلاد الأحباش بألفاظ من اللغة الحبشية والأمهرية، ولا نستبعد وجود جالية حبشية خصوصًا من الأحباش المسلمين في تلك الجهات.
وأما اللهجة " الشحرية " فإنها لهجة عربية معروفة وإن كانت كثيرة التحريف – والشحر – ويجوز الفتح – كما لا يخفى ساحل اليمن ، قال الأزهري في أقصاه: وقال ابن سيده: بينه وبين عمان، ويقال له شحر عمان يشتمل على بلاد وأودية كانت فيما قبل مساكن سبأ على ما قيل. والخلاصة: يستفاد من ذلك أن اللهجة الشحرية هي التي تسمى " السواحلية " نسبة إلى السواحل المذكورة . ويزعم بعض الباحثين في المستعربين أنها لهجة غير عربية .
اللهجة الحضرمية :
وبهذا الصدد نقول إن لهجة الحضارمة العامية – وهم عرب خلص - من أقرب اللهجات إلى الفصحى في الوقت الحاضر، ويقول بعض أهلها إن لهجتهم أفضل من لهجة العراقيين والشاميين والمصريين من هذه الناحية، وتتميز بكثرة ما يتخللها من الكلمات الفصيحة، كما يستفاد من شعر شعرائها العامي أو النبطي كما يقال له، وما أكثر هؤلاء الشعراء الشعبيين في إقليم حضرموت. ويلاحظ أن حرف الشين يقوم مقام كاف المخاطبة في لهجة الحضارمة فيقولون في كتابكك " كتابش " وفي ثوبك "ثوبش" إلى غير ذلك. وتقوم الباء مقام سين التسويف في جملة من الكلمات فيقولون " غدًا باسافر " أي سأسافر غدًا. ويكثر في لهجة أهل الحاضرة من الحضارمة قلب الجيم ياء فيقول في رجال " ريال "، وهذه هي لهجة البادية في بعض جهات العراق ونجد والمغرب. ففي المغرب الأقصى يقولون في مسجد: " مسيد " ويجمعون هذه الكلمة على " مسايد " إلى غير ذلك .
هذا ولابد لنا من القول في الختام: كان لسان جزيرة العرب بشقيهم العدناني والقحطاني لهجات عدة. فكان للغة المضرية لهجاتها، وكان للغة الحميرية القديمة لهجاتها. وقد ذهب الباحثون من الإفرنج إلى وجود بقايا منها في هذه العصور في اليمن سواحلها وبواديها. وللقوم آراؤهم في هذا الموضوع. غير أن كثيرًا من تلك الآراء لا يصبر على النقد ولا يركن إليه في غالب الأحيان.

(**) ألقي البحث في مؤتمر الدورة السابعة والعشرين، الجلسة الافتتاحية، في 16 من يناير 1961 .
* * *

__________________

آخر تعديل بواسطة *سهيل*اليماني* ، 08-10-2007 الساعة 08:58 PM.
*سهيل*اليماني* غير متصل   الرد مع إقتباس