الموضوع: حكايةٌ عن جدتي
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-11-2010, 01:53 AM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم



لجدة ، الحقل ، الطيور ..إنها بعض مفردات تشع من عالم البراءة الأول والذي تشعر أنه على بساطته يحوي الكثير والكثير مما لا يحمله عالم المدينة الصاخب الموجع ، تلك الحياة الهادئة البسيطة المنسابة انسياب الماء في الجداول هي مطلب الشعراء والمبدعين عندما تلح عليهم فوضى الزمان ، وبؤس المكان ، لاسيما وأننا صرنا في عصر لا يكاد الواحد فينا يبصر ما تحت قدميه .ذلك العالم الهادئ عالم البساطة الذي كنت تشعر فيه أن العالم كله قد صار بين يديك لأن طائرتك الورقية تحلق وأنت تحركها من سطح منزلك ، ودجاجتين تشعر بأبوتك لهما في صياحهما المتصل ..ذلك العالم لم يكن بشكل من الأشكال منفصلاً عن واقع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ففي حياة اتسمت بالاستقرار السياسي ووجود هدف تسعى إليه المجتمعات ظلت هناك بعض الملامح الموحية بهذا القدر من المساواة المتمثلة في توزيع الأراضي على العمال والفلاحين بشكل يحولهم إلى آلة فاعلة في بناء المجتمع.
وهذا الفلاح وهذا الإنسان العامل الكادح لما أتيحت له فرصة الإبداع في حدود تتجاوز كثيرًا –على قلتها- ما كان عليه الوضع قبل الاستقلال فإنه لم يحرم نفسه لذة التأمل فيما حوله ، صائغًا من كوب الشاي في الشرفة الضيقة عند الغروب ، ومن صيحات الدجاج فوق أسطح المباني ، ومن مجالس الأسر والعائلات مادة إبداعية راقية تشعرك أنت أيها القارئ أن كوكبًا غير الكوكب الذي نعيشه الآن كانوا هم على ظهره (على بساطة الإمكانات والطروف التي عاشوها ).ولابد أن هذا الشعور كان متحققًا من قبل ، ولكنه في زحمة وزخم الانشغال بلقمة العيش قد انسحق ، ليعود مرة أخرى مع تحقق بوادر استقرار مهما كان هشًا إالا أنه أرحم بكثير (على كل حال ) من الاحتلال الرابض فوق صدور العالمين.
ومن هنا فإن هذه القصيدة هي نتاج إنسان عاش عصرين ربما لم يكن بينهما إلا عشر سنوات فحسب ، إلا أن كل ما عاشه ظل مختمرًا بذاكرته عاملاً أثره فيما يحيط به ، وظلت هذه الصورة البسيطة المكونات (الجدة،الحقل ،الطيور)
مصدر إلهام المبدع ، وأداة تكوين هذه المفاضلة (المقارنة) بين هذين العصرين والذَين أثرا في كل جوانب الحياة بما فيها هذا المشهد البسيط الذي يعبر عن أصدق صور ارتباط الإنسان بالأرض مهما كانت ، ومن هنا فإن المزج بين الرومانسية والواقعية في القصيدة كان متقنًا لا تشعر معه بفجوة أو حدة الانجراف من صورة لأخرى ، وهذا الإبداع الذي عودنا عليه الشاعر العزيز لابد لنا من محاورته وسبر بعض أغواره حتى تظل قيمته الجمالية معلمًا من معالم الشخصية الإنسانية التي لا تنشد الجمال وإنما تنشد إشاعته وتوزيعه هبة لا منة ممنونة لهذا الجمهور الذي لطالما ظل يبحث عمن يعبر عن تطلعاته بأشكالها الوجدانية المختلفة.
وعلى بركة الله نبدأ ..
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس