عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-04-2023, 08:39 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,009
إفتراضي

"إن الخطيب الذي يستحضر أنه يخاطب الأمة ممثلة في هذه المجموعة المُصِيخَةِ له ، يبني جسوراً قوية عابرة إلى تقارب الأمة بعضِهها مع بعض ، بشرائحها وفئاتها وشعوبها .
والذي يختزل هذه الفئة ويستلها ثم يخاطبها خطاباً خصوصياً مستديماً .. قد ينساق - من حيث يدري أو لا يدري - إلى نقيض ذلك ، فيعمّق الفوارق بين فئات الأمة .
ولو أن الفوارق كانت تميزاً لفئة بمزيد فهم ، أو علمٍ ، أو عملٍ .. أو مَزِيَّةٍ شرعيةٍ ، فإن الأمرَ- حينئذ- صائبٌ لا عَتْب فيه ، فكل فئة تنقل من حيث هي، إلى ما هو أرقى وأنقى وأبقى .
أما حين تكون تلك الفوارق مناطقية أو إقليمية أو مصطنعةً فترسيخها ترسيخ للفرقة بين المؤمنين .
واللغة جزء من ذلك ، فالاتكاء على لهجة خاصةٍ ، والحفاوة بمصطلحاتها ، ومفرداتها ، وأمثالها ، وتراكماتها .. يحول دون شمولية المعالجة ، وسَعَةِ الطرح ، وامتداد التواصل .
واللغة الفصحى السهلة ، البعيدة عن التقعر والإغراب ، هي القالب اللائق بالخطبة التي يسمعها جمهور عامٌ ، فلا يترقى الخطيب إلى لغة المعاجم والقواميس ، التي تحجب الفكرة عن سامعه ، ولا ينحط إلى لغة السوق المبتذلة التي تُزْهِدُ الناسَ فيما لديه ، أو تَصْرِفُهم عنه ، ولا يمنع هذا وذاك من الإحماض بين الفيْنة والأخرى بلفتةٍٍ عابرةٍ مفهومة تربط الفلاّح بالخطبة ، وتشدّه إلى معناها ، أو أخرى لذي اختصاصٍ تبهَرُهُ وتُزَكِّي فهمَهُ ."
ولغة الخطب وهى لغة الدعوة لابد أن تكون اللغة الدراجة التى يفهمها الناس وليست لغة الكتب التى هى اصطلاحات وتعريفات اخترعها الفقهاء وابعدوا بها الناس عن دين الله ولذلك قال تعالى :
"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"
وتحدث عن تكرار الخطب فقال :
ولأن الخطبة عادةٌ تتكرر ، وشريعةٌ تنتظم ، ودأْبٌ يدوم ، فإنه يجمل بالخطيب أن يقتدي بهدي القرآن العظيم في تصريف الآيات ، وتنويع العِبَر، واستشراف الإبداع ، وأن يُعطِيَ لِخُطبته عُصارةَ جُهْده ، وخُلاصةَ كَدِّه .
فالوقت الكافي الذي يصرفه في إعداد مادتها ، وصياغتها ، ومراجعتها ، وتقليب النظر فيها ، سيجعل منها مادةً دَسِمَةً غنية ثريةً ، وسيشعر المستمع - لا محالة - أنه محل الاحترام والتقدير ، حين استفرغ المتحدث جُهْدَهُ لأجله ، فقدَّم له هذه المادة المنتقاة المرتبة ، إنها ليست سُلالَةً من كتاب ، ولا ارتجالاً مُرْتَبِكًا من غيرتَأَهُّلٍ ، ولا تسديدَ فراغٍ ، ولا عِبْئًا يتطلع صاحبه إلى الخلاص منه .
فذلك الخطيب الحاذق .. اختار محامِدَهُ التي استهل بها حديثه بعناية ظاهرة ، ونوّع فيها ، وناسَبَ بينها وبين موضوع خُطبته ، واستبعد منها كل وَحْشِيٍّ في اللفظ أو في المعنى ، وحلاّها بدُرٍّ نظيم ، من قبَسَاتِ الهدي الكريم ، ولم يُطِلْ فَيُمِلَّ ، ولم يقصّرْ فيُخِلَّ ، ولم يكرر تكراراً يبعث على السآمة ، ولم يُغْرِب إغراباً يجرُّ إلى الملامة .
وربما ركن بين الفيْنة والفيْنة إلى الاستفتاح بخُطبة الحاجة ، أو خُطبة النِّكاح - كما سماها بعض المصنفين والشراح - دون التزامٍ صارم بها . فلقد وردت بها السنة في حديث جابر في مسلم ، وفي سواه من الأحاديث ، بيد أن هذا لا يعني أن ثمَّةَ التزاماً صارماً لا يتخلف بل إنّ ألفاظها ذاتها تختلف بين رواية وأخرى ، وقارن مثلاً حديث جابر المنوه عنه سابقاً ، بحديث ساقه مسلم إلى جواره عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قصته ضماد .
وبعض أهل العلم قصرها على مجلس عَقْد النكاح ، ولكن هذا ما لا يسعفه الدليل .
وقد جاء في صحيح السنة صيغ مختلفة لدعاء الاستفتاح في الصلاة ، وهو مما يتلوه المرء في سرّه ، فيكون أشدّ عليه إقبالاً ، وأكثر استحضاراً ، فما بالك فيمن يسمعه غيره ؟
فلتكن فقراتٍ صالحةً معتدلة منوعة ، ومن دون التزام صارمٍ بنوع منها يستلّ من المستمِع المتوِّثب روحَ التطلع والتوقع ، ليمنحه عِوَضاً عنه الإخلاد والاسترسال وراء هواجس النفس وشواغلها . ولتكنِ الخطبةُ كلُّها قصداً ، لا تهويلَ ولا تطويلَ ، ولا ابتسارَ ولا اختصارَ ، ولكنْ قصدٌ عدلٌ ، كما كانت خطبة محمد -صلى الله عليه وسلم- قصداً ، وصلاته قصداً ، كما في حديث جابر بن سمرة عند مسلم وغيره .
وليتخير من جوامع الدعاء المأثور ما يليق بالحال والمقََام والموضوع ، دون اعتداءٍ ولا إفراط ، فإن الله لا يحب المعتدين ، ويتلوه بتخشُّع وتضَرُّع، وحضورِ قلب وابتهال ، فهي ساعة إجابةٍ يُرجى أن تفتح لدعوته فيها أبوابُ السماء .
وليتجنبِ السجعَ المتكلَّفَ في دعائه وخطبته ؛ فإنه مذموم ، إلا ما جاء منه عفواً دون عناء ، وفي الحديث المتفق عليه عن متكلِّفِ السجعِ أنه من إخوان الكهان ."
والحقيقة أنه ليس مطلوبا في الدين التكرار خاصة في المقدمات من الحمد والصلاة وإنما المطلوب هو تكرار المعانى كل سنة إلا في الحالات الطارئة وما قاله العودة عن اعطاء الخطباء الحرية في الخطب هو ما أدى بنا إلى الخلاف والاختلاف المذموم ومن ثم في دولة العدل الخطب موحدة لأن المعلم الذى علم الدين كان واحدا وهو النبى الخاتم(ص) ولم يكن الرسول(ص) ليقول كلاما متناقضا كما هو في الروايات
المفترض في الخطب تعليم أحكام الدين كما في كتاب الله اليقينى وليس من الروايات الظنية التى أدت إلى تفرق الأمة إلى فرق وشيع
حرية الخطيب هى تقديم المعنى في ألفاظ لها نفس المعنى وليس شرطا أن تكون الألفاظ المكتوبة
وتحدث عن استبعاد الشعر من الخطب فقال :
"ولا أعرف على التحديد سبباً وجيهاً لتجنب الخطباء الشعرَ جملةً وتفصيلًا .
نعم . لا يصلح أن تتحول الخطبة إلى أمسية شعرية ، ولا أن يكون الغالب عليها الشعر ، لكن بيت أو بيتان تسوقهما المناسبة ، فيهما من التنويع والجاذبية الكثير ، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يستزيد من الشريد بن سويد كما في صحيح مسلم ، ويقول له : هل معك من شعر أميةَ بنِ أبي الصَّلْتِ شيءٌ؟ قال : فأنشدته مائة قافية ( يعني مائة بيت أو مائة قصيدة ) والتوسط في هذا وغيره مطلوب وكلُّ شيءٍ في إبَّانِهِ حسنٌ ، وإنَّ منَ الشعرِ لحكمةًّ ."
وما استدل به العودة هنا لا يصلح للخطب لأنه لم يكن في مجلس خطابة وإنما كان في مجلس عادى بين اثنين
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس