عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-08-2009, 08:34 AM   #380
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

وذهبتُ لا أعرفُ ماذا يحملني ؟!
عاش بعضي مَقَاطعاً هُناك ،
والباقي دخلَ سِرداب غربته كالعادة

من جماليات النص أنه لا يذكر أحداثًا غير مهمة ، أو يحاول أن يرجئ الحديث عنها لما بعد مراعاة للأولويات أو لإحداث مفاجأة ، وهذا
أسلوب يزيد الخاطرة توهجًا ويبعدها عن مزالق المباشرة والسرد الزائدين . تبدأ الخاطرة متوترة نوعًا ما إذ أنها تنم عن حدوث شيء
غير واضح والفعل يحملني له طابع حركي انتقالي ، مما يدل على أن ثمة شيئًا حدث كعاصفة أو إعصار أو رحيل مفاجئ .
والجملة عاش بعضي متقاطعًا هناك اتسمت بقدر عالٍ من التشكيلية وميزها بشدة تصوير النفس وعوالمها وأغوارها بالجبال والكهوف والغابات
لكن هذا التشبيه كان غير مباشر . البعض عاش هناك هناك أين ؟ يولد هذا اللفظ احتماليات متعددة لعلها النفس ولعلها الفضاء الخارجي ،
وهذا القدر من التعمية الواعية غير المغرقة في الغموض يحسب لصالح النص في أنه مهد لوضع جديد وجعل حواس المتلقي مستعدة بشكل كامل
لاستقبال الحدث والتفاعل معه . وكلمة العادة مقترنة بالغربة مما يشي عن حالة اغتراب وانقسام على الذات وهذا يجعل النص في منطقة
توتر تستنهض القارئ للوصول إلى ما بعده .

....


وعدتُ لا أعرف أيضاً .. ماذا أعادني ؟!
هل السبب ضروري ؟!
أم فقط هاجسٌ يتكرر
....

يستمر كذلك الحكي لنجد أنفسنا في حالة العودة والتساؤل عن السبب وهذا التساؤل جعل التشويق أكثر تحققًا والخطاب الذي يتخذ شكل المنولوج أي الحور الداخلي
ينقل إلى المستمع بعض الجوانب الصوتية والجوانب المتعلقة بالمؤثرات على المشهد كالإضاءة ونحوها .



حتَّى تراني نفسي عليها ..
عليها رؤية الإجابة
ماذا أنا هُنـا ؟!

تكرار كلمة أنا للمرة الثالثة يجعلها محور النص ، وهذا في صالح العمل ، إذ أننا إزاء نص يحاول فيه الكاتب البحث عن كينونته المفقودة وتبدأ صراعاته
المتعددة بين النفس والذوات الأخرى الخارجية. وكان تكرار الأسئلة عنصرًا مسهمًا في تحقيق هذه الحالة من التيه والتوتر


على ضفاف الشرود ..
بحثتُ عمَّن يسكنني
وجدتُ مرآة تائهـة ..
تجوب شواطئ المستحيل
وقفتُ أمامهـا ،
حاولتُ الإمساك بها .. فتكسرتُ !!
جيد للغاية لفظ من يسكنني ، الجميل ليس فقط مجرد تشبيه النفس بأنها كائن غير حي أو تشبيهها بشكل غير مباشر بالأرض القفر ، وإنما
الحاجة إلى الآخر بدأت في المقطع الرابع أو الخامس ليكتسب العمل توازنًا من خلال التحول من الأسئلة إلى طرح الإجابات .
وميز النص كذلك لفظ تكسرت وشواطئ المستحيل .
شواطئ المستحيل تعبير عن شدة الاستحالة والاتساع فيها كأنها بحر ، ثم الذي ميز النص كذلك من جملة ما ميزه وليس هو الميزة الوحيدة الجانب
الحركي في حاولت الإمساك بها فتكسرت ، إذ أن ذلك تعبير عن حالة من السراب أو شيء يقع في دائرة مسمياته ولفظة تكسرت دل على هشاشة
هذا الحب أو هذه المرأة وكان إعطاؤها خاصية أقرب إلى خواص النباتات جيدًا معتمدًا على مراعاة النظير فأمام الشاطئ والضفة هناك النبتة
وهي المرأة والتي تنكسر ليس من الإمساك بل محاولة الإمساك مما يجعل النص في دائرة البحث عن امرأة لكنها هي نفسها ضعيفة خائفة
من التعامل والاقتراب من الغير وهذا يجعل توترات النص كلها مفضية إلى حالة من التصاعد والتميز من حيث تعبيرها عن خصوصية الحالة.




صنعني ألفُ تساؤلٍ
رفعني سحاباً .. لا تمطر إجابات !!


الجانب الفلسفي ميز العمل بشدة ، وذلك في العبارة رفعني سحابًا لاتمطر إجابات ، مما يجعل الفشل هو الإجابة الأولى ، وهذا أدى إلى
دائرية التساؤل والحيرة وكان التعبير يتسم بمراعاة النظير كما أنه أدى إلى شعور بعنف المفاجأة اعتمادًا على الصورة الذهنية
للسحاب والتي بهتت من خلال الإجداب . ومعنى الرفع أن الفرد في مهب الريح لا يستطيع أن يملك توزان نفسه . وهذا ملمح جيد
للتعبير عن هذا الضياع .


تصحرتُ جدّاً
تبقت شجرةٌ لم تشرب الهلاك
تبحث عن إنسان ..!!

في رأيي الشخصي أن هذا اللفظ أضفى للعمل قيمة جميلة ، وذلك لأن الكلمة تصحرت تمثل الإجابة النهائية أو اليأس الذي لا يتمكن المبدع أو من يتحدث المبدع
على لسانه من كبته فيقول -بدون دبلوماسية- تصحرت ، كذلك كان اللفظ شجرة تبحث عن إنسان فيه إبداع متناه من خلال تشبيه الإنسان الحقيقي
بالشجرة الوارفة ، وهنا أجد أن الحالة المتعلقة بالحيرة مردها إلى أن الذات أو الآخر لم يحقق معنى الإنسانية المنشود مما يجعل الرومانسية في
تعانقها مع الفلسفة مقترنين بشكل جيد للغاية وإلى ذلك فالنص شبه عالمي بمعنى أنه لا يتعلق بجنس أو دين أو عرق ويصلح لكل زمان ومكان وهذه
قمة التجرد لتبقى الإنسانية الكلمة الأخيرة.



في شارعٍ منسي في الذاكرة
استيقظتُ
وهل كان لزاماً أن يبدأ القرار من هنا ؟
!

إن حالة الشرود والتخدير التي يتخدها المبدع تكأة للنص تبدو في هذا التصاعد والذي يتحدث عن الإنسانية باعتبارها شارعًا منسي الذاكرة
والجميل أن القرار بالاستيقاظ بدأ في هذه المنطقة لأن الإنسانية لا تكون إلا منسية وفعل استيقظت كالفعل مات لا يقوم به صاحبه عمدًا ـوهذا
جعل للسلبية واللاشيئية بروزًا كبيرًا على صعيد الحدث .


ومن بقايا متصحرٍ شريد ..
نبتت ذاتٌ ..
عليها من غبار اليأس
شظايا نخلة ..
تركت أرضها وقررتِ السفر...!!

لعلنا الآن إزاء عملية استرجاع يتذكر فيها المبدع أو من يتحدث المبدع على لسانه ما تم في الجزئية المتعلقة بالشجرة التي لم تتشرب الهلاك
وجملة بقايا متصحر شريد جميل فيها التعبير عن التلاشي فليس البقايا المتصحر موجود بل إنه مستبعد ونبتة الذات بداخلها
تدل على هذا التلاشي والاستغراق في الغياب ولا أستطيع تقييم عبارة شظايا نخلة هل هي دليل على احتراق نفسي أو حقيقي أم هي رمز
للاحتلال ؟ والنخلة هنا تحتمل تأويل الأمل النابت ولكن هذا الأمل لا يستقر بل يرحل ، وهذا جعل حالة اليأس وتلاشي الآمال كلها
متعقلة ببعضها ممايفضي إلى نهاية مأساوية تتماشى مع الشرود .


كُلّما حاولتُ معرفة غائية ما حولي ..
رأيتُ الأشيـاء سرابا
إذن لا جدوى .. من رأسي والغائيَّـة ..
يكفـي السـطح .. !!



هذا النص أراه زائدًا ومقحمًا لأنه قد دلت العبارات السابقة عليه


في جنـاح الخيـال
قعدتُ حيناً .. من الدهر
ملَّني الخيـال .. واستـعاد جناحـه .. !!

جميل أن العمل على مشارفة نهايته اتسم بصورة تشكيلية لطائريلقي بقايا إنسان
تشبيه الخيال بالطائر ودلالة كلمة ملني في مواجهة استعاد جناحه أعطت للنهاية
الصارخة قوة كبيرة تتمثل في حالة الانتهاء المروع بأن يقذف الخيال إنسانًا
ويغدر به وقد كان من قبل جناحه .إن الإنسان هو جناح طائر الخيال وفي ذلك
رؤية إنسانية فلسفية بديعة تجعل كل شيء في الحياة وكل جمال مرده إلى أنه
من أجل الإنسان ولكن هذا الإنسان للأسف .. متلاش ٍ



وأخيراً .. من هتك عِرض شرودي ؟!
من ذا الذي اقتلع صفحته ..؟!
وتجرأ واغتاله ؟!
حتَّى الشرود .. قُضي عليه ..
لنخرج معاً .. من هُنا ..
فلقد خَسِرَ بعد ذلك الشاردون !!

***


النهاية في حديث الذات والتي شبه فيها الشرود بعرض مما دل على عِظَم قيمة هذا الشرود والهروب من الواقع
لكن المفاجأة الحزينة تكمن في الطرق التي انتهى بها فمن هتك لاقتلاع صفحة ثم اغتيال . إن قيمة الشرود تكمن
في أنه أداة للاستجابات التكيفية المناسبة لبعض الأزمات الطارئة وتبقى الأزمة الداعية إلى هذا الشرود محل
تأويل القارئ لعله احتلال ممثل في شظايا النخل وعله غياب حبيبة هي تلك التي انكسرت والنهاية التوحد
مع الذات توحد الفرد مع الأنا مما يجعل العودة والبدء إلى الذات والانكفاء عليها بما فيها من مأساة حالة
دائرية إذ أن الشاردين لما خسروا فمن الواضح أنهم لن يتمكنوا من الصمود في عواصف الانتباه! وكلمة أخيرًا تشعِر القارئ بتنهيدة تختزل كل الآلام التي عاشها . ونادرًا ما يستخدم
هذا اللفظ لكن استخدامه يوحي بأن حالة من الضيق جعلت من تتحدث على لسانه يستعجل الانتهاء من الكلام بهذه الكلمة مما عبر عن إرهاق حتى في الحكي نفسه والذي هو أداة للبوح .
عمل جيد وأتى متسلسلاً بشكل طيب واحتوى على العديد من الفنيات المميزة كالمونولوج والصورة التشكيلية،
والتعدد والانفتاح في الدلالات وتصاعدات الحالة النفسية .
دمت مبدعًا وفقك الله .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس