عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-05-2009, 06:59 AM   #291
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

أختنا العزيزة خاتون : اعذريني للإطالة في التعليق لكنك جعلتيني مضطرًا لذلك فتحملي نتيجة فعلك!!


أيها المرسوم على وجنتي الشفق
أيها الذكرى القادمة من العدم
أتوسل إلى عينيك التي لم ترق أشرعتي العسلية
أناشد طهر أنفاسك التي كسرت أمواجي البلورية
ارحل عن مسائي و تمثل نجمة في غيومي
ولا تحمل حقيبتك، وارحل إلى أحلامي




هذه الخاطرة الجميلة بدأت من تقنية الاسترجاع flashback وتبدأ الخاطرة حقيقة -كما أحسب- من هذه
اللقطة والتي تبدأ فيها الخلفية بالظهور وكأن أمامها العاشقة تناجي قصاصات أحلامها المتطايرة
فوق بساط الموج الهادئ والكلمة القادمة من العدم لها سحرها المتمثل في التعجيز والمفارقة
المنطقية ،فلا شيء مخلوق من العدم وهنا يبدو هذا الشطر متماثلاً تمامًا مع قول الشاعر
محمود حسن إسماعيل في قصيدته موسيقى من الزمان :
يتحرك في اللاشيء بلا حركات
ويدور يدور ولا يدري من أي فضاء آت ..

الكلمة هذه أشعرت بالمفاجأة والأجمل حالة التراتب بين الذكرى والتي هي بطبيعتها غائبة واجتماع
الغائبين (الذكرى والعدم) يوحي بحالة من اللانهائية والمفاجأة.
البيئة كانت متماسكة ومتكاملة في الأشرعة والأمواج والعبسلية والبلورية ... تتضح الصورة الشاعرية
أكثر تألقًا والجزئية الأجمل هي الفانتازيا في رسم هذا الجو لاسيما في العبارة تمثل نجمة في غيومي بما يوحي حالة من الوهم . والكبرياء المنبث من هذه العبارة يُشعِر بالتباعد بين الطرفين .
لكني أرى الصورة قد أخذتك إلى أبعد من الجانب المنطقي في قولك ارحل عن مسائي ثم ارحل إلى أحلامي .ما دلالة كلمة أحلام في مواجهة كلمة مسائي ؟وهنا خطأ نحو في جملة

أتوسل إلى عينيك التي لم ترق أشرعتي العسلية
والأصح أتوسل إلى عينيك اللتين لم تروقا أشرعتي العسلية لأنها مثنى
مؤنث .
والتعبيرات المجازية التي ذكرتيها مثل طهر أنفاسك ، أتوسل إلى عينيك كانت مساعدة على استشعار الجو الرومانسي بشكل متميز.


وكأني أرسمك كل يوم في تفاصيلي
أراود أنفاسك وأمشط ظفائر رسائلك
أشتاق إليك وأنفث ذكراك من شراييني

من هنا كانت تسترجع ما كان في المقطع الثالث
الخاطرة بدأت من هذا الشطر لتفيد التشويق ولتكون المفاجأة أعمق عند التوصل إليها وهذه
المفاجأة هي المقطع الأخير .. هنا الحالة السابقة على حالة الكبرياء -والتي يستنتج القارئ سببها-
حالة في غاية الشوق وكانت كلمة تفاصيلي مفيدة للخصوصية وكلمة كأن كانت في مكانها لأنها
تفيد التشبيه مما يعني أن المحبوب المتخيل في العمل ليس مرسومًا فعلاً بل كأنه مرسوم..و الأجمل أنك قلت مرسوم وليس منحوتًا مما يجعل الإزالة والتنحية أمرًا سهلاً . وهذا
يجعل من الخطاب إليه بالرحيل أو البقاء مبررهما لأنه ليس موجودًا في التفاصيل بل شبه موجود.
في هذه الجزئية حينما أربط بين هذين الشطرين :

وكأني أرسمك كل يوم في تفاصيلي

ارحل عن مسائي و تمثل نجمة في غيومي
ولا تحمل حقيبتك، وارحل إلى أحلامي

أرى ظاهرة اللاوجودية هي المسيطرة والنداء كأنه إفضاءة لشخص هو متخيل في العمل
الأدبي وليس موجودًا فيه مما يستدعي التحكم فيه بطلب الرحيل وطلب الرحيل عن وإلى
مكان معين يعمق فكرة اللاكينونة أو اللاوجودية وهذا يتطابق تمامًا مع الرؤية المبثوثة من
خلال العنوان "وريقات من فصل الغياب".
نحن أمام عمل فذ وفيه تتحد التفاصيل الجزئية مع الصورة الكلية وتكون عنوانًا أو رؤية
تتمازج فيها الفلسفة والتصوير والموسيقى .. تلك الإيقاعات التي يستنتجها القارئ من
وراء الصورة ،والخلفية الشاعرية كما يستنجها كذلك من أصداء الصوت والتي تكرر فيها
فعل الأمر .كذلك لأن هذا المحبوب غائب حتى عن روح القصيدة فلم يكن الابتداء به
أمرًا ضروريًا. والكبرياء هنا يفرض حرية الكاتبة في البدء بالمحبوب أو عدم البدء به ، كذلك
الحرية في إصدار الأوامر وكأن حالة الاشتياق إليه حالة إرادية وليست تلقائية.

كلمة أراود أنفاسك جاءت قوية في التعبير عن الجانب الحركي ، فالأنفاس محسوسة وليست
ملموسة بينما المراودة حركة ملموسة .. هذا التمازج بين المتناقضين كان متوهجًا وعمل على
إثراء الدلالة . فيمكن أن تكون (القبلة) هي المقصودة لكن التعبير عنها جاء عبقريًا للغاية وغير
مباشر . لكن التعبير الغريب ضفائر رسائلك .. لا أفهم دلالته وعمومًا هذا المقطع افتقد إلى الوحدة
في البيئة وهو لا يعيب العمل لكني شعرت أن الصور المجازية كانت فيه غاية في ذاتها وهذا أمر
غير مطلوب . للصورة سحرها وللإيقاع إغراؤه ، لكن الحشد المبالغ فيه يؤدي إلى تشتيت الذهن .
وعمومًا هذه الهفوات بسيطة للغاية ولا تؤثر على العمل بشدة .و إن كان من الممكن لأحد غيري
القول أن الحشد الهائل له ما يبرره لإشعار المتلقي بالصخب النفسي للعاشقة .(لكني لا أميل لهذا التأويل).


أف لك أيتها النفس الأمارة بالغرام
أف لكل عرق يمد إليك عبق الذكرى
وألف أف لعين تتوق لأشباح اللحظات الآفلة


في هذه الأشطر -إذا سرنا وفق ترتيبك للأحداث- تكون حالة التغير قد بدأت تدق أجراسها وكأن
شيئًا ما تذكرته العاشقة (وهنا يبقى هذا الشيء متروكًا للمتلقي يتخيله كيفما يشاء )وتتوازي عبارة عرق يمد غليك عبق الذكرى مع عبارة وأنفث ذكراك من شراييني وكان تكرار لفظة أف مفيدًا لاضطراب ما حوّل سكون هذه الخلفية الجميلة إلى مجرد ذكرى هذه الذكرى نستدل عليها من التعبيرين : اللحظات الآفلة والأشباح .
هذا النص يمكن قراءته والبدء به من المقطع الثالث أو الأول وأنا فضلت هذه العبثية من جانبي حتى نستيطع تبيّن شيء جديد وهو أن العمل الأدبي الذي بين يدينا يمكن تفسيره بأكثر من تفسيروفق القرائن النصية أو
القرائن المصاحبة للحالة الشعورية. ولو لاحظنا هذا الترتيب لوجدنا به حالة مميزة :


أيها الذكرى القادمة من العدم
أتوسل إلى عينيك التي لم ترق أشرعتي العسلية
أناشد طهر أنفاسك التي كسرت أمواجي البلورية
ارحل عن مسائي و تمثل نجمة في غيومي
ولا تحمل حقيبتك، وارحل إلى أحلامي
وكأني أرسمك كل يوم في تفاصيلي
أراود أنفاسك وأمشط ظفائر رسائلك
أشتاق إليك وأنفث ذكراك من شراييني

حالة من التداعي والتوسل والتي تبدو فيها العاشة أكثر تمسكًا بالمحبوب .
أما الأسلوب الذي أوردتِ به الخاطرة أعطاني أنا -من وجهة نظري المتواضعة- الإيحاء بأن الحالة
هي حالة استرجاع وأنك بدأت من منتصف العمل وليس من بدايته، لهذا تأتي النهاية في العمل من وجهتك مليئة بالحنان والعاطفة المتوهجة المليئة بالتسامح والميل إلى الآخر.
أما في قرائتي لها فهي كما ذكرتها لك نهاية لسان حالها :إذا افترضت أنك موجود فأنا سوف أشتاق إليك وهي -في رأيي المتواضع- حالة أشد فرادة وتأثيرًا.
وأخيرًا حين نرجع للعنوان مرةأخرى نراه "وريقات" تصغير أوراق للتصغير دلالته التي تحتمل التقليل من القيمة وتحتمل كذلك اللعب على عنصر الحجم للشعور برقة الشيء المفقود . لذلك بدا العمل متهيئًا لأكثر
من وجه من وجوه التأويل . والذي أراه (رأيي الشخصي) هو أن حالة الكبرياء الأنثوي تتمادى في العمل لتقول أن الآخر هو مجرد وريقات من فصل وليس موسم أو زمن ثم الغياب كأننا بإزاء عنوان "عابرون في كلام عابر) . التركيب والتعقيد في العنوان كان في صالح النص فكأنك تقولين -كما فهمت- هذا الذي أتحدث عنه هو شيء وهمي للغاية مجرد وريقات وليس وريقة وحيدة تكون لها قيمتها بل مجموعة تتطاير في الخريف وهذه الوريقات مآلها الغياب وكأن الغياب حلقة من حلقات الحياة لأنه فصل فيُحتمل أن يكون بعد الغياب حضور جديد .(وهنا تبدأ الرؤية الجديدة التوافقية في محاججة الرؤية التي أتبناها).
عملك هذا يمكن تأويله بأكثر من طريقة وبأكثر من زاوية وبتعدد القراءات يمكن أن تتعدد وجوه الإبداع
الفني .إلى هنا أشكرك على هذا العمل الجميل وأرجو لك التوفيق دائمًا وسامحيني على هذه الثرثرة.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس