عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-07-2009, 12:02 AM   #350
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

النص يتناول مذكرات واحد من دعاة الحرية (صحفي - شاعر -مفكر ) وذلك من خلال أسلوب ساخر يعتمد على المزج بين المتناقضات من أسلوب تقريري وأسلوب مجازي ، لغة الصحافة والإعلام وتوظيفها موقفيًا،والموت الحقيقي والموت المجازي وذلك كله من أجل تبرير المعاناة المتمثلة في حياة سريرية أو إعلان الوفاة .
والنص إلى ذلك يتناول بأسلوب اللمس بعضًا من سلبيات المجتمع ويحاول الخروج بها من المنحى الحرفي إلى دلالات أوسع ممثلة في :
سأموت لتنتصر (الأمانة العامة) في إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين على رغبتي في الترشح لرئاستها
لتعلن ثورة على أساليب الوسائط والمحسوبيات ومراكز القوى داخل الواقع الاجتماعي . كذلك يكون ضمير المتحدث وليس المخاطَب غالبًا على العمل لإبلاغ المتلقي رسالة مؤداها أنني أكلم نفسي فلا عليك أن تعبأ بما أقول لأنه لن يفيدك كثيرًا .
وقد لعب العنوان دورًا بارزًا في خروج النص بهذه الدرجة من القوة والمتانة إذ أن جعل الحياة كلها تحصيل حاصل ،ومبررات ذلك حاضرة في معطيات الواقع الاجتماعي والثقافي ليس محليًا بل ودوليًا كذلك .
والآن إلى النص المتميز ..


حالة ما تتسلق إلى ذهني وأنا أحاول فك الأرتباط بكل ماهو حولي لأبقى أنا
دون الوقوف الحرفي لهذها الدلالة كان البدء بالحالة لأنه منصبّ على معاناته تلك الحالة التي تتخذ سمة تجعلها شبيهة الزواحف والحشرات ، وذلك الذهن الذي هو شجرة من شدة ما تفرعت وتشعبت فيه الأفكار . وأما فك الارتباط فجاء تعبيرًا عن الذوبان في الآخرين وافتقاد الكينونة والتي هي واحدة من أعمدة العمل ومبررات المعاناة .

مرة تبدو وحيدة رغم كثرتها

هنا نقف أمام نموذج فذ يعرف كيف يمتلك ناصية اللغة ويستخدمها كعجينة يصنع بها الأشكال التي تروق المتذوقين له ،فيبدأ باللعب على أوتار المنطق هذا اللعب الذي يجعل للكميات دلالة صفرية يحدد هو قيمتها وفق السياق . أي أن الذوبان في الآخرين قد تملّكه بشكل جعل الانفصال مرة واحدة عملية معجزة مما يؤكد معنى الاحتلال من قبل الآخرين ويجعل مجرد محاولة التكرار أو التفكير فيها مشكلة كبيرة للغاية !

منذ حزنين ونصف وأنا أتعاقب على مخيلتي أفتش في الواقع عن ماذا أفرزت

امتدادًا لهذا المنهج في السيرك اللغوي نجد لفظة حزنين ونصف أي كأن الحزن انتقل من كونه شيئًا لا يقاس إلى شيء يقاس ويتجزأ ويأخذ هو الصدارة بدلاً من الأشياء في تحديد الكميات .. كلمة حزنين ونصف تشير إلى عقدين ونصف أو زمنين ونصف سنتين ونصف ....إلخ ويأتي بعدها التعاقب على المخيلة .. إنه الاستعمار الذي يقوم به الآخرون لدرجة أن الفرد صار يؤرخ للمدة التي يظل هو فيها رهين مخيلته . إنها المفارقة التي تبدو في اشتراك الآخرين أو احتمالية ذلك للنظر في مخيلة هذا الفرد .
وتأتي كل هذه المقدمات -إن جاز التعبير- لتؤدي إلى النتيجة الحتمية وهي :
قررت أن أموت

وهنا يشتعل ويتوهج الموقف ليكون التساؤل عن الموت هل هو موت حقيقي أم مجازي بمعنى الذبول والضياع والتهاوي ؟
سأموت دون أن يلتفت لذلك أحد سوى زوجتي التي ستضيع دون جواز سفرها
تعبير متقن عن كينونة الإنسان (الزوج) الذي لم يعد بالنسبة لها سوى جواز سفر وليس (بطاقة شخصية) إن السخرية تلعب دورًا كبيرًا في الإشعار بهذه المعاناة إذ يكون الرجل أداة أو مطية للمرأة .. للفراق . إنها المفارقة التي تجعل دور الزوج عكسيًا لما أنيط به من (تسكنوا إليها) ليكون جواز سفر .
وهذا انعكاس للقيم السائدة في المجتمع لا سيما إذا كان مجتمعًا يتسم بالــ(محافظة )!

وهنا تبدو الرؤيا فذة متمكنة في النفاذ إلى واقع المجتمع ، إنها النظرة التي ينظر بها الفرد إلى موقف مهيب كذلك ويستقرئ بها أفعال الآخرين وردوهم :

سأموت لكي يجد البعض الشجاعة الكافيةلممارسة أخطائهم بإسمي
إن الضرب في الميت حرام (كما في المثل المصري) وكأن الكاتب ينظر في دفتر ايامه إلى كل من حوله فلا يجدهم إلا في صحائف السيئات ..

..سأموت لأنعي أصدقائي الذين تجمهروا ليدفنوا ما تبقى مني في ذاكرتهم,ولأساهم في مدهم بالكثير من الغياب الذي سينسجون به الكثير من الحكايا المثيرة

كأنه بذلك ينادي أبيات النابغة الذبياني :
المرء يأمل أن يعيش
وطول عيش قد يضره
تفنى بشاشته ويأتي
بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام حتى
لا يرى شيئًا يسره
كم شامت بي إن هلكت
وقائل لله دره
ويظل نسيج الإبدا ع ممتدًا في استخدام اللغة وتوظيفها بشكل عكسي ، إذ يكون الميت هو المتكرم على غيره بالنعي هذا النعي هو نعي ما تبقى ما اندفن منه في ذاكرته . في هذا المقطع تتضح فكرة جيدة تتمثل في تبيين وظيفة الآخر وهي تلك الوظيفة شبه (الصنمية) فهم يستقبلون النعي من الميت ويستقبلون منه الغياب الذي يغتابونه به .
لقد لعبت التركيبتان (مدهم بالكثير من الغياب ) و (أموت لأني أصدقائي) دورًا كبيرًا في إبراز الخيانة حتى بعد الممات وعنصر المفارقة في الإمداد بالغياب ونعي الميت نفسه لأصدقائه يظهر علمًا بخباياهم ويختزل تجاربهم كما أنه بعد ذلك يجعل منهم مادة تلاعب أدبي تشي عن مفهوم الذات لدى المبدع ، ومتداد العذاب الملتف به إذ أنه يقوم بـ(قتل نفسه) مرة أخرى نيابة عنهم .
ويأتي هذا المقطع العبقري للتجسيد فكرة أعداء النجاح باعتبارها واقعًا عربيًا :
سأموت لتنتصر (الأمانة العامة) في إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين على رغبتي في الترشح لرئاستها..,ولكي أستثمر بعض الأنقطاع في مواصلة البحث عن حقيقة الموت ذاته..
من الممكن أن تكون تجربة شخصية له لكنه ينقلها إلى مسرح الحياة ببراعة إذ يجعل من الحدث نفسه صورًا تنطبق على مواقف كثيرة تتسيد فيها قيم الشللية والسلطوية والوسائط ليكون هو الباحث عن حقيقة الموت ذاته ، كأن كل ذلك لم يكن موتًا بعد ؟ وهذا هو تساؤل يضمره الشاعر عن معنى الموت إذا لم يكن كل هذا الألم !

والاتكاء على أحد محاور العمل الأساسية فك الأرتباط بكل ماهو حولي لأبقى أنا )من خلال إعادة التوكيد
إذاً سأموت, كمكيدة مؤلمة للحياة,وسأنعي نفسي هنا فلست بحاجة لترويسة مرهقة في صحيفة ما تسأل الله أن يلهم أهلي الصبر والسلوان ..لأني أعرف أن الكثير من أقاربي قد ألهموا الصبر منذ كنت بينهم.
إنه استمر في ذكر الموت لكن يمتد إلى ما بعده ما بعد العزاء من خلال المرور من الزوجة ثم الأصدقاء انتهاء بالأقارب والذين كانوا صابرين منذ أن كان حيًا .
إن السخرية تمتد لتعبر عن هذه الحالة من الموت في قلوب الآخرين وإنكار الإنسان ،واستباق موته حتى إذا جاء الموت كان هو الشيء العادي الذي قد تأقلموا عليه لأن الفرد في وطننا (يموت آلافًا من المرات).

ويرتفع الحس الساخر ليشيد بالصبر البطولي لهم (إن جاز التعبير):
يكفي أنهم تحملوا أوزار شاعرٍ كان يقضي هدوء إلهامه على حساب صفاء أجوائهم
إنها الكلمات التي تعمل كمنفضة غبار يتطاير على قلوب الآخرين .. في هذا المقطع توصيف لضيق صدور الجميع بالإنسان المبدع أو الإنسان صاحب القيمة إذ لا يطلب منهم مالاً ولا ولدًا ، إلا أن (خصوصيتهم ) تتعكر بمرور الفكر على أجوائهم الصافية . ويلحظ الكاتب السخرية في هدوء الإلهام إذ أن المبدع يعتصر لبنات أفكاره ليجد ما يقوله .

وحين أموت لن أعتذر لأحدٍ سوى لزوجتي التي ستنتبه إلى أن من أحبها لم يعد سوى جثة غير قادرة على مشاركتها مصائب الدنيا..

تتصح قيمة التعذيب الذي يعانيه الإنسان إذ أنه يحمل همًا وهو ( أنانية) الزوجة والتي ترى أنه كان ينبغي أن يكون مشاركًا لها أيضًا في مصائبها بعد الموت . إنه مطية سفر و (آلة) مواساة . من هنا تكون للحالة ويكون لتوصيفها ألم أشد وأقسى على قلوب المتلقين .إنه ليس واقع هذا الكاتب وإنما واقع الكثير من العظماء والمصلحين والمخلصين والذين كان ذنبهم الأخطر هو أنهم لم يكونوا من المرضي ّ عنهم وعاشوا في الظل ليسير غيرهم في ظلهم ثم يجحد أفضالهم .

ربما كان موتي هروباً من كل هذا لكن مايهمني الآن هو معرفة إذا ماكانت الحياة تستحق كل هذا !!
إن السخرية تؤدي دورًا هامًا في نجاح العمل لكن حينما تشتط وتصبح غاية لذاتها لا تؤتي أكلها كما ينبغي . إن فكرة المفاجأة هي التي حاول الكاتب إيصالها في السطر الأخير وكأنه قد مات فعلاً أو أنه يعاتب نفسه على أن كتب شيئًا . إن إنكار الكاتب كل ما كتبه في نهاية العمل يؤدي إلى شعور مفاده أن الإبداع عملية ترفية لا تستحق الكتابة عنها .
وبهذا المنطق فكان من الأولى للكاتب أن يكتب عن شيء آخر (يستحق ) الكتابة عنه . طالما ان الحياة لا تستحق كل هذا فلماذا كتب ذلك ؟ هل هو استعراض أم تلذذ بتعذيب الذات ؟
لقد كان النص متقنًا للغاية خاصة في العنوان والذي كانت له دلالة فاعلة في سرد كل هذه التفاصيل الحزينة والتي يرى الكاتب في النهاية أنها لن تساوي شيئًا .
عمل رائع للغاية ، وقليل ما هم .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس