عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-01-2010, 11:38 AM   #1
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي وفاة الأديب الليبي الكبير خليفة التليسي رحمه الله

رحيل المؤرخ خليفة محمد التليسي: تأبين ثقافي ورسمي لأحد رواد العمل الثقافي الليبي
د. سمير عبد الرسول العبيدي


21/01/2010


توفي يوم الاربعاء 13 -1- 2010 الأديب والمؤرخ الليبي الكبير خليفة محمد التليسي في إحدى مصحات طرابلس عن عمر يناهز الثمانين عاما، وتم دفنه بمقبرة شهداء الهاني بطرابلس عقب صلاة الجمعة15/1/2010 حيث شيعت ليبيا فقيدها وفقيد الثقافة العربية، بعد معاناة مع المرض، ورحلة طويلة من الإبداع والإنتاج الفكري الغزير.
ولا شك في أن نبأ وفاته قد صعق الأسرة الثقافية العربية، فالرجل ظل اسمه يتردد طوال أكثر من نصف قرن في معظم الدراسات الفكرية وأعرق الجامعات، نظرا لما يمثله إنتاجه من عمق ومعرفة، مما جعل التليسي لا يذكر إلا بإجلال ولا ينظر إليه إلا بعين الإكبار، فهو علامة فارقة في الثقافة العربية، وصاحب فكر قومي نقي، تعتز به أمته العربية أيما اعتزاز، وهي وإن أحزنها فراقه، فإن عزاءها يبقى في ما خلفه الراحل الكبير من آثار، ستظل عنوان مرحلة وشهادة على تطلعات أمة إلى الأفضل، كما أنه وحتى آخر أيامه ظل يحمل الأمانة بصدق وإخلاص، قل نظيره، في أدباء اليوم.
وفي مقدمة كتابه 'رحلة عبر الكلمات' يقول التليسي عن تجربته: 'إنها رحلة عبر دروب غير مطروقة وسبل محفوفة بالأشواك وطرق لم تكن آمنة ولا معبدة لا تقوم على جوانبها الأضواء والعلامات المرشدة'.
وهو من هذا الجانب مدرسة يستلهم منها، فالرجل كان عصاميّ التكوين، صنع مجده بقلمه، أما سره الذي تفرد به، فهو موهبته الخارقة التي مكنته من التحليق عاليا في فضاءات الفكر العالمي، وساهمت معرفته الدقيقة باللغة الإيطالية في نقل الكثير من عيون الأدب الإيطالي، ضمن ربط جسور التلاقح الثقافي بين الثقافة العربية ونظيراتها في الثقافات الغربية.
وبعد هذه السيرة الزاخرة لرجل من هذا الطراز، تشعر ليبيا بالذات بالحزن الكبير على فقده لأنه كان في طليعة مثقفيها ومبدعيها المبجلين.
وقد وصف بيان نعي أصدرته اللجنة الشعبية العامة في ليبيا الراحل بأنه 'من كبار كتابنا وأدبائنا وواحد من رموز الثقافة العربية، وقد كرمته ثورة الفاتح العظيم بمنحه وسام الفاتح العظيم في عيد الوفاء الأول عام 1989.. حيث ألقى قصيدته المشهورة 'وقف عليها الحب'.
وأضاف البيان: 'كما كرمته بمنحه جائزة الفاتح التقديرية للآداب والفنون عن مجمل إبداعاته في دورتها الأولى عام 1995، وتحصل أيضاً على جائزة القذافي لحقوق الإنسان عام 2002'. وكشف البيان أن 'الراحل الكبير كان أول أمين للرابطة العامة للأدباء والكتاب بالجماهيرية العظمى، وتبوأ العديد من المهام الكبيرة في منظومة الثقافة الجماهيرية والعمل العربي المشترك حيث كان أول أمين عام لاتحاد الناشرين العرب، ورئيساً لمجلس إدارة الدار العربية للكتاب'. وقال إن التليسي ترك 'تراثاً كبيراً من المؤلفات في التاريخ والأدب وترجمة عديد الأعمال العالمية، أثرى المكتبة العربية وساهم في تدعيم أسس الهوية العربية الإسلامية'.

ويعود للتليسي الفضل في تأسيس عدد من المطبوعات الصحافية من بينها مجلتا الرواد والمرأة، بالإضافة لتأسيسه للجنة العليا لرعاية الآداب والفنون ومشاركته في تأسيس جمعية الفكر. واهتم التليسي بفن الترجمة، ويعد كتاب 'البحر المتوسط.. حضاراته وصراعاته' آخر كتاب صدر في حياته عن المؤسسة العامة للثقافة.
وحضر مراسم التشييع أمين شؤون المؤتمرات الشعبية بمؤتمر الشعب العام، وأمين اللجنة الشعبية العامة للشؤون الاجتماعية، وأمين المؤسسة العامة للثقافة، وأمين عام جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، وأمين عام مجمع اللغة العربية، وأمينا رابطتي الأدباء والكتاب والصحافيين والإعلاميين بالجماهيرية العظمى، وعدد من رؤساء وأعضاء البعثات السياسية المعتمدين لدى الجماهيرية العظمى، وحشد كبير من الأدباء والكتاب والمثقفين والإعلاميين. وأبّن مجايلو الفقيد الكاتب والأديب والمؤرخ خليفة التليسي بعديد الكلمات خلال مراسم تشييعه، استهلها الدكتور 'علي فهمي خشيم' أمين عام مجمع اللغة العربية قائلا :
(إن ذكراه لن تمحى ولن تنتهي، لأنه سطرها، بأسطر من فضة، وسطرها بالفخار والاعتزاز، فكان عظيما وكريما في وقفته الشامخة عندما كرمه الأخ قائد الثورة في عيد الوفاء، وقال قصيدته ذائعة الصيت 'وقف عليها الحب'، وخاطب من كرّمه قائلا 'إيه أمين القوم كل كريمة، لا بد أن تلقى كريما شاكرا').
وأضاف الدكتور خشيم قائلا (إن التليسي قرن الشكر بالكرامة، لأنه كريم شاكر، وهو شاكر كريم).
وقال الدكتور خشيم في ختام كلمته التأبينية (أيها الرجل الذي أحب وطنه وأحبه وطنه، وأحب أهله وأحبه أهله، لن ينساك وطنك، وسيذكرك العالم كله، لأنك قدمت الكتابات الرائعة والقواميس العظيمة وترجمت وألفت، فكنت من الأدباء العلماء العظماء الأجلاء.)

وقال مدير عام المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية الدكتور الطاهر الجراري (إن موت الأديب التليسي خلود، ونهايته بداية، فغدا ستنطلق آلاف الألسن والأقلام والصفحات تتبارى في فكره وعطائه، وسيُنصف في موته كما أُنصف في حياته، وستعقد عشرات الحلقات والنقاشات والدراسات حول نتاجه الأدبي خلال السنين القادمة) .
ووصف الدكتور الجراري الأديب الراحل بأنه (كان جسدا مرهقاً في ردهات الدار العربية للكتاب، فكسبناه عطاء ووجوداً كالنهر بعد انكسار الشلال، يسقط من علِ لا ليموت، ولكن ليستمر متدفقا يسقي الأرض وينبت الزرع).
وأضاف قائلا إن (حمولة العطاء أثقلت جسد التليسي وأوهنته، فقرر التخلص منه والخروج عنه والاستمرار في العطاء).
من جهته قال الأستاذ الكاتب والأديب علي مصطفى المصراتي في كلمته (إن ما قدمه الأديب الراحل خليفة التليسي من إنتاج وإبداع وما كان له من موقف مشرف، هو باقيات صالحات لهذا الأديب الملتزم الذي كان قدوة طيبة لكل الأدباء والمثقفين).
وأضاف قائلا (إن هذا الكاتب الأديب الذي اجتازت كتبه المجال الضيق إلى ما هو أوسع، لم يكن لليبيا فقط، بل كان للأمة العربية، ككاتب تُقرأ كتبه ودراساته في المحافل العلمية والتي خلدت اسمه فاعتزت به الوطنية العربية الإسلامية) .
وأكد الأستاذ المصراتي في كلمته أن حياة خليفة التليسي هي نبراس لطريق المجتمع الواعي لأنه كان عبقرياً اجتاز الزمان والمكان، ودارساً وناقداً استطاع أن يشق طريق العطاء والإبداع بكل ثقة في مختلف مجالات الأدب والعلم والثقافة.
وقال أمين رابطة الأدباء والكتاب بالجماهيرية العظمى، سعد نافو، في كلمته (نلتقي اليوم لوداع الكاتب الأديب الدكتور خليفة التليسي الذي كان طيلة حياته يمثل صورة رائعة للمبدع الملتزم بقضايا الوطن وطموحاته وقد عاش له ولأجله، وأسهم في معظم مجالات الأدب والثقافة والنقد والبحث والتاريخ، وكان له دوره الرائد في توثيق معارك الجهاد على هذه الأرض الطيبة) .
وأضاف أن التليسي يمثل قامة ثقافية باسقة تجسد في أعمالها المتفردة قيم الأصالة والريادة والموسوعية، وخاصة عندما وضع بعض المعاجم والقواميس التي تمثل مرجعية جادة في الثقافة العربية والأجنبية .
وأكد في كلمته أن التليسي يمثل ثروة حقيقية في الثقافة العربية المعاصرة، وسيظل اسمه علامة مضيئة متجددة، ترسم الطريق أمام الأجيال الحاضرة والقادمة في عالم الإبداع في الجماهيرية العظمى التي تنحاز لكل ما يخدم الإنسان ويبقى على الأرض.
ويقول الناقد والكاتب إبراهيم حميدان- وهو آخر من كتب عن التليسي قبيل وفاته بأيام - 'فأستاذنا الكبير ما زال، ومنذ نحو ستة عقود متتالية، يواصل إثراء المكتبة العربية بمؤلفاته وترجماته وتحقيقاته القيّمة وإصداراته المهمة، وتمثل كتبه في هذه المجالات جميعها مكتبة متكاملة، ارتحل فيها كاتبنا من النقد الأدبي والدراسة الأدبية إلى التاريخ السياسي ومنه إلى تأليف الشعر وكتابة القصة وتجميع المختارات الشعرية، وأخيراً الترجمة التي برع فيها كثيراً، وسطع نجمه فيها منذ أن اكتشف بيراندلو أحد أبرز كتّاب القصة في الإيطالية'.
وأوضح 'فعن طريقه عرف القارئ العربي هذا الكاتب الإيطالي المهم الذي لم يكن يعرف عنه سوى مسرحيته الوحيدة، ( ستة شخصيات تبحث عن مؤلف)، التي قيل إن عبد الناصر قد تأثر بها قبل الثورة'.
ونوه إلى أنه ' لا ننسى تلك المختارات القصصية الجميلة التي حملت عنوان ( ليلة عيد الميلاد) وقدم خلالها التليسي عددا آخر من كتّاب القصة الإيطالية والفرنسية والإسبانية أبرزهم في نظري الكاتب دينو بوتزاتي صاحب رواية ( صحراء التتار) والذي ترجم له التليسي قصة بعنوان 'سبعة طوابق' وهي من القصص الخالدة التي تظل في ذاكرة القارئ طول العمر'.
وأضاف ' لكن التليسي عاشق الشعر ما لبث أن أدار ظهره لترجمة القصة وأبحر باتجاه الشعر، ففي أواخر الثمانينات فاجأ جمهور القراء والمثقفين بترجمته الرائعة لشاعر الهند العظيم طاغور، وعلى الرغم من أن طاغور كان قد حظي بأكثر من ترجمة إلى اللغة العربية إلاّ أن ترجمة التليسي نالت استحسانا واسعا في أوساط المثقفين والأدباء والكتّاب وعبروا عن إعجابهم بهذه الترجمة التي جاءت في ثلاثة مجلدات في كتابات ومقالات نشروها في صحف ومجلات في أكثر من عاصمة عربية'. ثم كانت المفاجأة الثانية حين أصدر التليسي ثلاثة مجلدات ضمت ترجماته لأشعار الشاعر الإسباني ' لوركا' وما كتب عنه من دراسات.
ومما لم يخف التليسي اعتزازه العالي بما صنع حين كتب يقول في مقدمة الكتاب ' حين كان الآخرون يترجمون وينشرون.. كنت أترجم وأطوي.. وحين قرأت ما ترجموا رأيت أن أنشر ما طويت'. ومن حقه أن يكتب هذا بعد إنجازه لتلك الترجمة البديعة الرائعة.
ثم لم يلبث التليسي أن طرق ميداناً آخر وهو يقدم لنا أحدث ترجماته في مجلد تربو صفحاته على الستمئة ' البحر المتوسط.. حضارته وصراعاته' لمؤلفه ' أرنل براد فورد' الذي يؤرخ فيه للدورات الحضارية التي تتابعت على هذا البحر. ولعل السبب الذي دفع التليسي لأن يقدم على ترجمة هذا الكتاب، حسبما ورد في المقدمة، هو موقف المؤلف البريطاني الذي كان منصفا للعرب وحضارة المسلمين؛ فلم يبخس دورهم ولم يطمس إسهامهم البحري في مرحلة السيادة الإسلامية على البحر المتوسط علاوة على الأهمية الجيوستراتيجية المتعاظمة لهذا البحر.
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس