عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-05-2014, 03:10 PM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الواسطة والتوسط

(1)

كثيرة هي الحالات التي يكون فيها أحدنا شاهداً على حوار، وقد يكون أحد أطرافه، ويكون الحوار بشكل سؤال وجواب في كل المناحي:
من أين اشتريت سيارتك؟
بكم أعطاك إياها؟
لقد غلبك!
كان عليك أن تسألني لأدلك على صاحب لنا

الى ما انتهت مراجعاتك في الدائرة الفلانية؟
لماذا لم تخبرني؟
سأذهب معك الى فلان فهو صاحب فلان ولن يرده خائباً

هل شفي أخوك من المرض؟
أطعني وآخذك الى الدكتور فلان، فهو طبيب مشهودٌ له

اشتغل ابنك؟
شفت فلان؟
هو يعرف فلان المسئول عن كذا..

(2)

النُتَف أعلاه، قد لا تنفرد بها بلادنا العربية، ولكنها تتفوق على غيرها من البلدان في العالم، نتيجة لعدة أسباب: أهمها بالإضافة الى الفضول، أن بلادنا ذات طبيعة صحراوية في معظمها، فالمغالبة هي من صفات الفرد الصحراوي.

كما أن فكرة المواطنة وتساوي الناس أمام القانون، وتساويهم في الحقوق والواجبات هي من القضايا المؤجلة وربما المستعصية.

وأن نسبة الشباب في البلدان العربية تتفوق على غيرها من بلدان العالم، وارتباط معظم مصالح الأفراد يستلزم طرفاً ثانياً، غالباً ما يكون الدولة، في العمل والصحة والتعليم وتمشية المعاملات (ضريبة، داخلية، مالية، صحة، بلدية الخ) فإنه والحالة هذه لا بد من طرفٍ ثالث حتى لا يُغلب الفرد أو يتغلب!، وقد ظهر في الوقت المتأخر مكاتب وشركات تعرض خدماتها لتقوم مقام الواسطة لكن مقابل بدل يُدفع لها بدل تلك الخدمات.

(3)

للواسطة أطراف ثلاثة: المتوسَط له، والمتوسَط لديه، والوسيط. وكل واحد من الثلاثة يحصل على منفعة معينة، وإن كانت تلك المنفعة تظهر واضحةً عند المتوسط له، فإن الوسيط يحصل على منفعة معنوية تظهره أمام جماعته أو محيطه بأنه شخص له شأنه، وغالباً ما يكون للنساء دورٌ في ذلك للتبجح أمام جاراتها أو قريباتها بأهمية زوجها وبالتالي أهميتها، وقد يدفع الوسيط ثمناً لدوره عن طواعية عندما يقدم خدمات للأجهزة الأمنية والمخابراتية تعزز من دوره الاجتماعي.

أما المتوسَط لديه، فإنه هو الآخر سيحصل على فوائد، قد تكون فورية، عندما تقترن بالرشوة، أو مؤجلة، عندما يستثمر هؤلاء المتوسط لهم وكأنهم عزوة له تظهره أمام رؤساءه أنه رجل صاحب نفوذ اجتماعي في محيطه، إذا تم تجاهله في الترقيات أو تلبية طلبات التوسط، فإن أموراً غير محمودة قد تواجهها الدولة في محيطه، وكثير من هؤلاء المتوسط لديهم ما يستثمرون خدماتهم في انتخابات عامة بلدية، برلمانية الخ.

وقد تأخذ الوساطة عناوين مختلفة بالإضافة للمنفعة المتبادلة، فهي قد تكون من باب (الفَزْعة)، أو (العلاقات الشخصية) أو (الشفقة) أو (الشفاعة)، ولكن من يتأمل بنماذج منها سيجد أن المنفعة المتبادلة هي الأساس.

(4)

لا يجد الكثير من طالبي الوساطة، في هذا الأسلوب غضاضة، وقد أوجدت دراسة على الشباب السعودي أن 91% ممن خضعوا للدراسة يؤمنون أن أمورهم وقضاياهم لن تتم إلا بواسطة، في حين رفض 3.74% منهم اللجوء للواسطة، و الباقي لا يدري*1

وهذه النتائج في تجسيد الرؤيا للواسطة، قد تنسحب على كل الأقطار العربية، ليس في التوسط لدى الحكومات فحسب، بل بالبحث عن مقاول بناء أو طبيب أو حتى سبّاك.

والتسليم بهذه النتيجة، مؤشر قوي على عدم ارتقاء بلادنا الى مصاف الدول التي يسود فيها النظام والقانون وأعراف العلاقات الإنتاجية السليمة التي تجري دون تدخل..

هوامش
*1ـ عبد الله عبد الرحمن الفيصل/ دراسة استطلاعية عن الواسطة بين الشباب السعودي/ مجلة جامعة الملك سعود مجلد2 الآداب2 (1990) صفحات 693ـ 711.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس