الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-06-2006, 01:25 PM   #26
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مكتب تقديم الخدمات :

لا أحد يعلم كيف يخطر على بال بعض الأشخاص أن يبدأ بافتتاح عمل ما ، فقد لا يكون هذا العمل ، قد عمله والده ، وقد لا يكون هذا العمل له علاقة بدراسته الجامعية ، وقد يكون قد رآه في عمل تلفزيوني أو سينمائي ، أو فكرة تكونت لديه أثناء خدمته المختلفة عن هذا العمل الذي ابتكره ..

أبو وائل كان موظفا في بنك ، وقد يكون أنيط به عمليات تحويل فلوس الخادمات الأجنبيات ، فتكونت لديه فكرة عن طبيعة هذا اللون من الخدمات ، وقرر بعد أن تقاعد من البنك أن يفتتح مكتبا لتأمين الخادمات في البيوت لمن يطلبهن .

عندما تتشابك الأمور لدى أحد أرباب الأسر ، وتكون امرأته مريضة ، أو أمه عاجزة ، فإنه سيفكر في حل تلك المشكلة عن طريق استقدام خادمة ، إذا كان قادرا على تأمين دفع ما يترتب على تلك الرغبة ..

لقد مضى على استقدام الخادمة الإندونيسية ، عامان ، ويعني أن عليه الآن التفكير بتسفيرها ، أحضر أوراقها لمراجعة ما يساعده في إتمام عملية تسفيرها فوجد رقم هاتف المكتب الذي أحضرها في الأساس .. فاتصل بهم ، فطلبوا حضوره للمكتب ..

دخل المكتب وبعد أن حيا الموجودين ، لم يلحظ وجود أبي وائل ، فسأل عنه فأجابت سيدة تجلس على المكتب بأنه مسافر إلى جنوب شرق آسيا ..

كان يجلس بالمكتب أشخاص كثيرون ، امرأة بالخمسينات من عمرها تتحدث مع لا أحد ، فتحكي قصة قصيرة عن عدم ملائمة الخادمة التي أخذتها منذ أسبوع ، حيث أنها تنام في النهار طويلا ، ولا تقوم بعمل ، وتنفر بمن يناديها لتناول الغداء .. لم يكن حديث المرأة موجها لأحد ، فلم تركز عينيها أو وجهتها تجاه أحد الموجودين ، ولم يكن أحد يصغي باهتمام لما تقول ..

شابان يتكلمان في آن واحد ، يتكلمان عن سيدة عجوز تطلب خادمة لمؤانستها ، لم يكن بين الشابين أي شبه وراثي ، لا من حيث حجمهما ولا من حيث تقاطيع الوجهين ولا من حيث لون العيون ، كان أحدهما ضخما يبدو عليه بعض البله ، والآخر نحيف ، يتناوب معه في سرد مبررات الطلب ، ولم يكن هناك من يصغي إليهما ، كانا يتكلمان بالتناوب ووجهتهما نحو الباب خافضين نظرهما ، لارتفاع نصف متر تجاه الباب ، فكانت الشكوك توحي بأنهما يتكلما مع مخلوق لا يراه سواهما ..

السيدة التي تجلس على المكتب ، كان خداها ساحلين و شفتاها رقيقتين ، تقضم بعض البسكويت ، وتتجرع سائلا من علبة صفيح ، ودون شعورها بأي حرج من الموجودين .. كانت نموذجا لسكرتيرات هتلر التي يختارها منتجو أفلام النازية .. و يبدو أن هناك طفلا أو طفلة تجلس على الأرض وتنادي من تجلس على المكتب ، لكنها متوارية عن الجميع ، حيث يحجب رؤيتها أثاث المكتب المزدحم بالمقاعد والمراجعين ..

على الزاوية اليسرى لسيدة المكتب ، كانت تقف فتاتان واحدة في منتصف العشرينات من عمرها ، وواحدة بمنتصف عمر الأولى تقريبا ، وكانتا على ما يبدو من إندونيسيا ، الصغرى منهما كانت كمن انتهى من البكاء قبل دقيقة ، لم يكن على خديها أثر للدموع ، ولكن عيناها كانتا رطبتين ، وتنظر نحو الجميع ، بعينين حزينتين ، كعيني أرنب ، فلت من مطاردة ثعلب ، ولكنه لم يتيقن من النجاة بعد ..

كانت الكبرى من الإندونيسيتين ، تعمل كمترجمة ، فكانت تتكلم مع الصغرى بلغة غير مفهومة ، وقد تكون مهمتها شاقة أكثر من مهمة معلقي مباريات كرة القدم ، حيث أن كل من في المكتب كان يتكلم في نفس الوقت ..

كانت السيدة التي وراء المكتب ، لها قدرة عجيبة على فهم كل ما يجري ، ففي حين تسكت الطفل الذي يناديها من أسفل مكتبها ، وتقضم البسكويت و تشرب البيبسي و ترد على التلفون ، وتشير بطلب الأوراق لتسفير الخادمة ، وتطمئن الشابين أن قضيتهما سهلة ، وتنظر للإندونيسية التي فرغت من البكاء قبل قليل ، وتقول للشابين ها هي الفتاة ، قد تكون لم تتوفق في خدمة السيدة التي ضجرت من طول نومها ، لكنها ستفيدكما ، فما عليكما إلا أن تدفعا 1500 دولار للسيدة ، وتأخذا الفتاة فورا ..

وتلتفت الى من أراد تسفير خادمته ، وتقول : أهلا أستاذ ، نحن نقوم بكل شيء ، وسيكلفك هذا 300 دولار .. فوافق و أخرج دفتر الشيكات ، وسألها باسم من أكتب الشيك ، فأجابت : باسم منى محمد الدغير ، فاستفسر : هل أكتب آنسة أم سيدة ، ولم يكن يعلم من هي المقصودة .. فابتسمت ابتسامة حمقاء قائلة : وهل تراني آنسة يا أستاذ ؟ و أنا قد رزقت بفريق كرة قدم مع احتياطهم ؟ ضحك لتساؤلها الغبي وأعطاها الشيك وخرج ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس