عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-06-2011, 10:44 PM   #18
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي

الصفويون والنصيريون
يمثل تاريخ الدولة الصفوية في بلاد فارس «إيران» منعطفا مهما في تاريخها فبقيامها على يد مؤسسها اسماعيل الصفوي «1524م-1501م»، اتخذت ايران المذهب الشيعي الاثني عشري مذهبا رسميا، وكان لهذا التحول آثاره البعيدة في تاريخ ايران خاصة وتاريخ العالم الاسلامي عامة،وسبب هذه التحولات كانت كارثية على الإسلام وحتى على الشيعة لأن إسماعيل الصفوي لم يكن ورعاً ولاتقياً ،ولكنه كان مغامراً فظاً ملأ قلبه الحقد الأعمى على حكام تلك المنطقة التي كان يحدث نفسه بحكمها بنفسه ممادفعه للتعاون مع الغرب المسيحي ضد أهل السنة الذين كانوا يحكمون المنطقة وشكلوا سداً منيعاً ضد الأطماع الغربية ، وكانت الاجواء التي عاشتها ايران في اواخر القرن التاسع الهجري من التمزق السياسي وشيوع الفوضى افضل مناخ استغله الصفويون لجذب المزيد من الانصار والتطلع الى قيام دولة تدين بالمذهب الشيعي بعد تعرضدولة الخلافة الإسلامية لتدمير المغول ثم لتدمير تيمورلنك بمساعدة القيادات الشيعية .كانت ايران تدين بمذهب اهل السنة والجماعة ولم يكن فيها سوى اربع مدن شيعية هي «آوه، قاشان، سبزوان، قم»، وعقب تتويج اسماعيل الصفوي ملكا على ايران، اعلن المذهب الشيعي مذهبا رسميا للدولة وتوجهت انظاره الى منطقة «جبل عامل» في لبنان – التي كانت آنذاك معقلا من معاقل الشيعة وفيها الكثير من «علمائهم!»، ولما رأى انه من العسير عليه ان يوفر للناس ما يرسخ مبادئ المعتقد في نفوسهم، وان الكتب غير متوفرة، عمد الى ملء الفراغ من خلال استحضار علماء الشيعة من «جبل عامل»، فأصبحت استمالة علماء «جبل عامل» للتوجه الى ايران من السياسات الاساسية للحكومة هناك ولم يستطع علماء الشيعة في «جبل عامل» مقاومة الاغراءات الصفوية للقدوم الى ايران، فنصرة المذهب ودعمه وترسيخ دعائمه في ايران احتل لديهم مكانة كبيرة، لكن اسبابا دنيوية اخرى دفعتهم للهجرة الى ايران لأن المهاجرين الشيعة كانوا يجدون في ايران ظروفا مواتية للعيش ،فالذين تجاوبوا مع الحكومة الصفوية وتضامنوا معها حصلوا على عطايا وهدايا على شكل املاك واموال نقدية وعينية ومكانة كبيرة،بينما نزل العذاب والتهجير والقتل على أهل السنة. وقد وصل تمكين ملوك الصفويين لعلماء «جبل عامل»، انهم اوكلوا اليهم كافة المهام القضائية في البلاد ومنحوهم السلطات والصلاحيات اللازمة،وسلطوهم على بقية القوميات والمذاهب . وبذلك كانت نكبة العرب بالدولة الصفوية نكبتان وليست واحدة ، فالقوميات الأخرى وحتى الفارسية كرهت العرب بسبب تسلط هؤلاء المعممين الشيعة العرب القادمين من دولة عربية هي لبنان على أقدارهم وأرزاقهم ،وثانياً لأنهم أرسوا دعائم تسلطية صفوية غيرت العقيدة الشيعية من انتظار المهدي المنتظر إلى تعيين إسماعيل الصفوي كقائم مقامه .ولذلك لاعجب أن تجد كتابات تنتشر في إيران تذم العرب بأنهم هم سبب ترسيخ الدكتاتورية في إيران ،رغم أن العرب لاعلاقة لهم بتلك الفتاوي التي كانت تخدم إسماعيل الصفوي وخلفاءه . ويقدر مؤلف كتاب «هجرة علماء الشيعة» عدد «علماء!» «جبل عامل» الذين هاجروا الى ايران في العهد الصفوي بـ«97» عالماً، ومن ابرز العلماء المهاجرين الى «ايران» «علي بن عبدالعالي الكركي» هادفا لترويج المذهب الشيعي، وقد لقي من اسماعيل الصفوي كل احترام وتقدير وتكريم واجرى له مرتبا سنويا، كما ان من ابرز علماء الشيعة المهاجرين الى ايران «بهاء الدين العاملي» الذي بلغت مؤلفاته من الاهمية بمكان عند الشيعة الى حد اعتبروا فيه كتابه «جامع عباسي» احد اعظم الكتب تأثيرا في تاريخ الشعوب اما كتابه «خلاصة الحساب» و«الفوائد الصمدية» فهما دائران حتى اليوم في الحوزات العلمية.
ان دراسة هجرة علماء «جبل عامل» من لبنان الى ايران منذ السنوات الاولى لقيام الدولة الصفوية حتى نهايتها وسقوطها في «جالديران» شرق الاناضول عام «1514م» وتقلدهم اعلى المناصب لتؤكد ان «علماء» الشيعة اللبنانيين كان لهم تأثير بالغ في التشيع الصفوي، كما ساهموا في تربية جيل من «الفقهاء» الايرانيين الذين مارسوا الشأن السياسي في الدولة الصفوية بعد ذلك.
وقد أدى تخاذل إسماعيل الصفوي عن نصرة الدين وتعاونه مع المستعمرين البرتغاليين إلى إلحاق أكبر الضرر بالمسلمين وخاصة أهل السنة ،إذ كانت قبائل الاوزبك تعتنق المذهب السني تحت زعامة «محمد شيباني»، واصبحوا وجها لوجه امام اسماعيل الصفوي، وزاد الصراع بينهما والتراشق المذهبي واصبح لا مَفر من الحرب بينهما، وانهزمت قبائل الاوزبك في مرو عام «1510م»، وبعد ذلك ازداد التوتر بين الدولة الصفوية الناشئة والعثمانيين، وكان السلطان العثماني سليم الاول ينظر بعين الارتياب الى تحركات الصفويين ويخشى من تنامي قوتهم وتهديدهم لدولته فعزم على مهاجمة خصمه وتسديد ضربة قوية له قبل ان يستعد للنزال فجمع رجال الحرب والعلماء والوزراء وذكر لهم خطورة اسماعيل الصفوي وحكومته في ايران وانه اعتدى على حدود الدولة العثمانية وفصل بدولته الشيعية المسلمين السنيين في وسط آسيا والهند وافغانستان عن اخوانهم في تركيا والعراق ومصر ولم يجد السلطان العثماني صعوبة في اقناع قادته بضرورة محاربة الصفويين لأنهم استبدوا وأثخنوا في قتل أهل السنة وخاصة علماءهم وفقاءهم وصاروا خطرا داهما يهدد وجود العثمانيين ،فخرج على رأس جيش كبير متجها الى ايران واستعان بقائد الاوزبك «عبيد الله خان» بعد ان ذكره بمقتل عمه «شيباني» ،وكان هدف «سليم» من ذلك ان يجعل ايران بين شقي الرحى من الغرب بهجومه عليها ومن الشرق بهجوم عبيد الله خان على «خراسان».التقى الفريقان في صحراء «جالديران» في شرق الأناضول في العام (1514م) وانتهت المعركة بهزيمة اسماعيل الصفوي هزيمة نكراء وفراره من ارض المعركة الى «اذربيجان» .ودخل السلطان العثماني مدينة «تبريز» عاصمة الصفويين واستعاد الأموال التي استولى عليها اسماعيل الصفوي وبعث بها الى اسطنبول وقفل راجعا الى بلاده بعد النصر العظيم وفداحة خسائر الصفويين، وترتب على هذا الانتصار ان تخلص السنة من الإضطهاد والإبادة التي كانوا يخيرون بواسطتها بين التحول للمذهب الشيعي أو التهجير والقتل ومصادرة الممتلكات ، مما جعل أسلاف شيعة إيران الحاليين يتحولون إلى المذهب الشيعي بعد أن كانوا من أهل السنة ، ولكن أهل كردستان الشافعية السُّنّة نهضوا لمساندة العثمانيين ولم يمض وقت طويل حتى توسع العثمانيون على الرغم من الاستحكامات العسكرية التي اقامها الصفويون واصبح الجزء الاكبر من اراضي الاكراد في يد العثمانيين وبات من المستحيل على الصفويين التوسع على حساب العثمانيين.
أما النصيرية «العلوية» فهي فرقة باطنية عاش جزء من افرادها في منطقة جبل النصيريين في اللاذقية في سورية واسمهم التاريخي «النصيريون» نسبة الى «أبي شعيب محمد بن نصير بن بكر العبدي النميري التميمي البصري» الذي وضع اساس المذهب في بغداد في القرن الثاني الهجري،وهو مذهب أخذ أصوله من المجوسية التي كان ينتسب إليها أسلاف مؤسسه ،والنصيريون يغالون في تقديس علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - الى حد تأليهه، وقد ظهرت النصيرية في القرن الثالث للهجرة، ويشبه تقديس النصيريين لعلي بن أبي طالب الى حد كبير تقديس النصارى لنبي الله وعبده ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام، حيث يعتبرونه «صورة الله!» في الارض، وعرفوا تاريخيا باسم النصيرية وهو اسمهم الاصلي ويتصف مذهب النصيريين بالغموض والسرية، ولا توجد مؤسسة رسمية تعمل على نشر المذهب أو التبشير به حتى لاتنفضح حقيقة معتقدهم البعيد عن الدين الإسلامي ، وأخذ اللاحقون منهم يزيدون على معتقدهم الأصلي معتقدات أخذوها من شتى الديانات والملل كاليهودية والنصرانية وحرصوا على أن يكونوا أبعد الناس عن الإسلام وأقربهم إلى ألد أعدائه ، وأخذوا يتجمعون في الهضبات والجبال السورية حتى يعزلوا أنفسهم عن المسلمين وحتى ينتظروا الفرصة لاغتيال أهل السنة والمشاركة مع أي عدو للعرب والمسلمين ، وقد كان أهل السنة بغبائهم المعهود وبسذاجتهم المقيتة يحسنون الظن بهم كما يحسنونه في كل الملل والنحل المتظاهرة بالعروبة أو بالإسلام أو بهما معاً ، ولذلك فإنه حينما شكل السوريون السنة ومن معهم من الوطنيين حزباً سياسياً في سورية باسم «الكتلة الوطنية» ارادوا ان يقربوا النصيرية اليهم حتى يشعروهم بأنهم لايحملون ضغينة ضدهم بسبب تاريخهم الأسود مع المسلمين وخاصة مع السنة. وهذا التفريط في العقيدة هو ديدن أهل السنة في سوريا وغير سوريا، إذ أنهم يندفعون نحو أعداء مذهبهم سواءً كانوا نصيريين أوغير نصيريين ليشعروا الجميع بأنهم منفتحون على الآخرين لدرجة التضحية بمذهبهم من أجل إرضاء غيرهم والتقارب معهم ، ولكن هذا الإتجاه السني الساذج الغريب كان دائماً يرتد على أهل السنة بالخيبة ،لأن الأقليات المذهبية والدينية ألأخرى تظل متحمسة لمذاهبها وأديانها ومعتقداتها حتى وإن أظهرت خلاف ذلك من باب التقية والخداع ،ولذلك تجد أن غير السنة يزدادون ثقة وتمسكاً بمعتقداتهم بينما يضعف إيمان أهل السنة بمعتقدهم وتخور عزيمتهم ثم يفاجأون بأنهم يدفعون ثمن ذلك غالياً ،ولعل نظرة إلى من حكم الدول العربية والإسلامية في القرون الماضية ولازال يحكمها إلى يومنا هذا تدل على أنه لايوجد دولة واحدة اليوم تتبنى وتدافع عن مذهب أهل السنة بشكل رسمي إلا عدد قليل كالسعودية مثلاً ،أما البقية فبعضهم علماني والآخر بعثي والثالث إشتراكي ..إلخ . وسوريا مثال حي على ذلك ، فلم يقم السوريون وزناً للمذهب السني ـ وهو مذهب الأغلبية ـ كمذهب رائد تعمل بقية الديانات والمذاهب بحرية في ظله ،ولكن لاتتآمر ضده .فتركوا الأمر هملاً دون غيرة على المذهب أو الدين ، وحينما وضعوا أسس محاربة الإستعمار الفرنسي وإعادة تكوين سوريا الجديدة ، إرتكبوا ذات الخطأ فوثقوا بالعلويين واعتبروا أنهم والعلويين مكون سوري واحد وقرروا أن ينفوا عنهم صفة الإنتماء إلى مذهب مخالف للعقيدة الإسلامية. ففرح النصيريون بذلك وتم الإتفاق على إعادة تسميتهم بالعلويين بدل النصيريين . ولكنهم كانوا في قرارة أنفسهم يخفون في أنفسهم إستخفافاً بالغباء السني الذي سيمنحهم فرصة يكمنون من خلالها إلى أن تحين فرصة مناسبة يقلبون فيها ظهر المجن على المسلمين السنة ،فعزز النصيريون علاقتهم بالمستعمرين الفرنسيين بينما أراد الفرنسيون استخدامهم كأداة لشق صف الوطنيين السوريين الذين كانوا يرفضون الأستعمار الفرنسي ،واقترح الفرنسيون على النصيريين إقامة دولة لهم اطلقوا عليها اسم دولة العلويين ، ففرحوا بهذا الإنفصال عن المسلمين ورحبوا بذلك الإنفصال عن سوريا وعن المسلمين وعن العرب،
جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس