عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 18-11-2007, 02:27 PM   #1
عصام الدين
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2000
المشاركات: 830
إفتراضي الأمير والوحشة .......... le beau et la bete




دخلت مسنجري ألقي نظرة.. كانت رجاء الفتاة التي اصطدتها من موقع الصداقة الفرنسي للدردشة مكبلة بالبلوك. أطلقت سراحها وقد أخذتني سنة من رحمة وبادرتها سريعا :

- "إشتقت إليك فعلمني أن لا اشتاق".

كانت ترد بفرنسية تشبه كتب المدرسة، وكنت لا أطيق الكتابة بغير اللهجة الدارجة. ثم طلبت لقاءها، تمنعت فأديت دورا شاروخانيا حتى قبلت. يتمنعن وهن الراغبات، هكذا جميعهن. واتفقنا على مكان للقاء، أعلمتها أنه لن يتعدى عشر دقائق نتمشى خلالها على الأقدام بعد أن تغادر مركز الإتصال centre d'appel الذي بدأت العمل فيه منذ قرابة شهر.

إنتظرتها لبضعة دقائق ثم طلعت علي من ناصية الشارع، كانت هذه أول مرة أراها بثلاثة أبعاد 3D، لاحظت أنها ترتدي قدرا رهيبا من الملابس، كأننا نلتقي في سيبيريا، يا إلهي ما أقبحها، يا إلهي ما أبشعها، قامة قصيرة، وجه مطهم منتفخ في استدارة وجسد مكتنز.. ولعي صادق إذا شبهت منظرها بورقة الإستدعاء إلى المحكمة..
اللهم اجعل مشيي معها مغفرة للذنوب.
تمشينا قليلا وظلت تتحدث إلي بفرنسيتها كأنها لم تغادر بعد مسنجري، وأنا أعلق على حديثها بتلك الكلمات التي يقولها الواحد منا عندما لا يريد أن يقول شيئا.

Et ben pffff –
Ben voila ouai –
Ben ché po –

وبينما نحن عند تقاطع شارعين ننتظر إذن الضوء الأحمر في إشارة المرور، فكرت أن آتي بمستملحة من الذاكرة لعل ضحكة صافية تطفو على سطح محادثتنا الباردة فقلت والأحمر قد أضاء :

On coupe la route –

نظرت إلي والقيامة مرسومة على كافة تقاسيم وجهها، وقالت مستنكرة :

Mais tu es faiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiible en français –
ثم أضافت مصححة :
On dit : traverser –

ضحكت لأن صدمتي فيها وفي نفسي كانت أكبر من أن أعلق على ردها بالكلام، أكملت المشي متيحا لها كل الوقت وكل الحق في أن تقول ما تشاء. حدثتني عن عملها بكافة تفاصيله وسألتني عن حالي مع البطالة ثم أبدت أسفها تجاهي لأنها كانت تتمنى أن أعمل معها لولا أن مستواي في الفرنسية ضعيف جدا ولا يسمح. كما طلبت أن تعرف أصل عائلتي. وعندما قلت لها أنني جبلي قطبت بشدة عن حاجبيها وصكت أسنانها وقالت أنها تكره الجبليين. ضحكت مرة أخرى لهذه الصفعة الثانية على خدي. كنت أكثر من مسيح أتلقى الإهانات وأضحك. بعدها توقفت وقالت :

Tu m’invites ! –

طأطأت رأسي موافقا. وكشرت هي عن أنيابها قائلة بابتسامة عريضة :
T’es gentil –

طبعا أنا ظريف، وطيب جدا، وأكثر من الجنتلمان، تسبني وأدعوها، والكارثة الأخرى والتي لا يعرفها أحد غيري هي أن جيبي الخلفي ليس يخفي غير خمس دراهم لا غير، هي ثمن تذكرة الحافلة. وإذا ما فقدتها فسوف أبيت في الشارع أو أمد يدي للتسول وعند ذلك فإنني إما سأفشل في لعب هذا الدور فشلا ذريعا فلا أستطيع أن أرجع إلى هذا المكان أبدا حتى أداري ذكرى سوأتي، وإما أصير متسولا محترفا فأصبح في وقت وجيز واحدا من الأغنياء.

لازالت رفيقة طريقي تثرثر، أخبرتني أنها تتقاضى ستة آلاف درهم. وهي توفر من هذا المبلغ كي تكمل دراستها فيما بعد بأحد المعاهد العليا فتصير مهندسة في الإعلاميات.
وحكت لي عن يوليوز وما أدراك ما يوليوز، فيه قضت عطلة من أسبوعين بأحد المنتجعات السياحية في عروس الشمال تطوان في جنة تدعى marina smir.

وبينما أنا غارق فيها فاغر فاها وشاحذ أذنا، إذ لمحت عيني صديقا يقترب، كان يجر خطوة تلو أخرى في إتجاهي، استأذنت محدثتي والتصقت به طالبا سلفة فلم أجد لديه غير عشرين درهم سرعان من دسها في جيب قميصي وحرص معي أن لا تراه السيدة الفاضلة رفيقتي بعينيها ثم غادر بعدها.

قصدنا مقهى فاحش الزينة من اختيارها، ذا مقاعد وثيرة، وطاولات بنقش الأرابسك، جلسنا وجاء النادل، تعرفت عليه وإن لم نتبادل أية كلمة، لقد كان ابن الجيران وصديق الطفولة وإن باعدت بيننا الأيام وهموم الحياة. وطلبت فتاتي مشروبا لم أعرفه من إسمه الفرنسي الغريب حتى أنني لم ألتقط سوى آخر كلمتين نطقت بهما وهي تتحدث إلى النادل :

… avec deux boules de glace

نزل المشروب أمامي نزول البوينغ العظيمة في مطار حقير. وسكن فنجان قهوتي متواضعا على الطاولة ومعه كأس ماء وورقة صغيرة بها ثمن القهوة وذلك الشيء avec deux boules de glace.
(خمس وأربعون درهما).
ورأسمالي خمس دراهم والسلفة عشرون فالمجموع خمس وعشرون ولتذكرة الحافلة أربع فيكون الحاصل الخام عندي واحد وعشرون. الواحد من مالي الصافي والعشرون أرجعها نفس المساء مع سعر فائدة حددناه وصديقي عينا في رقم هاتف هذه الأنثى.
سألتني هذه الفتاة الرائعة جدا :

Tu veux pas savoir pourquoi je déteste les jeblis –

– الأذواق والألوان لا تناقش. أليس هذا المثل الفرنسي الذي تعرفينه ولطالما رددته أمامي في محادثاتنا المسنجرية ؟

Non non non, c’est parce qu’ils sont beekakine –

بعكاكين ؟؟؟ يا ماما. كانت هذه أول كلمة تنطقها بالعربية.

– ياك آ بنت الحرام.

Sois pas vulgaire –

Ben vas y raconte alors, y a sûrement une autre raison –
وكانت هذه أول جملة أنطقها بالفرنسية.

Tu vas pas comprendre –

T’inquiète pas –
Je ne suis pas obligé d’attendre qu’une pomme tombe sur ma tête pour que je puisse croire à la théorie de Newton.

تفاجأت هي بفرنسية صحيحة ونطق سريع كأنه قطار من الطيجيفي. وفوجئت أنا أكثر منها إذ تحول لسانها هكذا فجأة ومن دون سبب إلى لهجة البلاد.

سألتها إذا كانت تدخن أن تقدم لي سيجارة، اعتذرت فقمت إلى النادل أسأل عن واحدة ثم عدت إليها مستأذنا مرة أخرى لبضع ثوان أتوجه فيها صوب البوابة حيث يجلس شاب يبيع السجائر.
حاولت علي أن لا أفعل لكنني كنت مصرا وتعللت بصداع في رأسي لن يتوار إلا بهذه السيجارة، ووحده الله في هذه المقهى كان يعرف أنني لا أدخن، ولا أبحث عن بائع سجائر لا وجود له أصلا في هذا المكان، تمشيت واثق الخطوة، التفت يمينا ويسارا عند الباب، ولوحت بيدي كأنني أحدث إنسيا، ثم تجاوزت بعض الطاولات حتى تواريت فأطلقت عندها ساقي للريح.

جريت وجريت حتى أصبحت ألهث من شدة التعب، دخلت أقرب مخدع هاتف عمومي، واتصلت بالنادل : قلت له أن يسامح حماقتي وينتقم من الفتاة صاحبة الستة آلاف درهم في أجرتها الشهرية، وأن ينتبه لها جيدا كي لا تغادر إلا وقد دفعت ثمن القهوة وذلك المشروب الذي أخذت. ولم أنس أن أخبره بينما هو غارق في الضحك أنني سآتيه بالبوربوار إلى البيت.
ركبت الحافلة ووفرت درهما أبيض وأرجعت نفس ورقة العشرين لصاحبها.

إشتريت بالدرهم حبات الصوجا وسهرت أنقبها مع الشاي الساخن وأنا غارق في دردشة أنترنيتية. ولم أنم إلا عند الفجر بعد أن مسحت الطاولة من مخلفات العشاء ومعها من مسنجري بريد فتاة المقهى التي وجدتها تقطر فرنسية في الأول وتركتها تقطر مقلبا كافكويا ضاحكا في الأخير.

آن لها الآن أن تكره الجبليين أكثر.
__________________

حسب الواجد إقرار الواحد له.. حسب العاشق تلميح المعشوق دلالا.. وأنا حسبي أني ولدتني كل نساء الأرض و أن امرأتي لا تلد..
عصام الدين غير متصل   الرد مع إقتباس