عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-02-2010, 08:41 PM   #2
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Post

يبقى العنصر الثالث الذي لفت انتباهي في هذا المتحف وهو الشخصية القطرية، شخصية القطر الذي يحكي المتحف تاريخه، شخصية "البحرين" نفسها التي يجب أن تبقى معبرة عن إبداعاتها، عن آلامها وآمالها وطموحاتها وشخصيتها، في إطار الوحدة المنشودة. الوحدة لا تعني أن الأخ الكبير يجب أن يدخل في جلبابه الاخوة الصغار! كلا. الوحدة لا تعني القفز على واقع أصبح الآن واقعا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا فضلا عن كونه سياسيا ودوليا. إنه واقع الدولة القطرية التي تبني كيانها القطري، ليس بالمخططات التي تخطط المستقبل فحسب، بل وبالمتاحف أيضا، المتاحف التي تعيد بناء الماضي و"تخطط" له".
بعد هذا المدخل الأول انتقلت إلى مدخل ثان عندما بدأت أتحدث عن مفهوم "المستقبل" في عبارة العنوان: "مستقبل العرب في ظل النظام الدولي". فكان مما قلته: "التفكير في "المستقبل" بالمعنى الذي نتحدث به عنه اليوم شيء جديد تماما في تاريخ البشرية! في الماضي البعيد -بعدا حضاريا وليس بالضرورة بعدا زمانيا- كان المستقبل هو ذلك الذي تمثله في المتحف تلك القبور التي مازالت تحتفظ ببقايا عظام إنسان ومعه طعام يأكله، عندما يستيقظ، عندما يبعث. كان المستقبل "ما ورائيا"، يأمل فيه الناس في حياة أخرى يشخصونها تشخيصا. وهذا واضح في متاحف الأقطار التي كانت لها حضارة قديمة وبقيت منها عاديات، مثل البحرين والعراق ومصر الخ.
ثم جاءت الديانات السماوية لترتفع بهذه الصورة المجسمة للمستقبل بعد الموت، إلى مستوى أرفع، مستوى روحي. لكن التفكير في معظمها بقي مع ذلك يتحرك في أفق "الفرد" وحده. الفرد الصالح يدخل الجنة بمفرده، لا أحد يضمن لأبيه أو أمه أو زوجته أو صديقه الخ، أن يدخل معه الجنة. المستقبل في الآخرة مستقبل فردي.
في الديانات الوثنية، كالديانات الشعبية عند اليونان مثلا، لم يكن هناك مستقبل ما ورائي منفصل عن الدنيا، لقد كانوا يتصورون الزمان دائريا، فربطوا مصير الإنسان بحركات الفلك. الفلك يدور و"الدنيا" تدور معه. والدوران على محيط الدائرة يقتضي أن يعود الشيء الدائر، في لحظة معينة، إلى كل نقطة فيها. وبما أن العالم تدبره حركة الأفلاك وهي دوائر وهمية في السماء، فإن كل ما حدث فيه، في لحظة معينة سيحدث هو نفسه مرات ومرات. وقد بقي هذا التصور حيا في الفلسفة اليونانية، ولكن بصورة أكثر تجريدا.
أما اليهود الذين يعتبرون أنفسهم "شعب الله المختار"، والذين جعلوا الله راعيا لهم وحدهم، -هم وحدهم رعيته وقطيعه بالتعبير العبراني- فمستقبلهم، كما يعتقدون، هو في "الأرض الموعودة" (فلسطين)، يعيشون على أمل مستقبل جماعي في "الأرض الموعودة" التي ينتظرون...
أما المسيحية فـ"المستقبل" عندها، أعني مستقبل معتنقيها، مرتبط بالخلاص من "الخطيئة الأولى". وهذا الخلاص يتم على خط زمني متصاعد كلما ارتقى فيه الإنسان اقترب من "يسوع" وضمن لنفسه الخلاص.
وأما الإسلام فهو دين ودنيا، والمستقبل فيه مستقبلان: مستقبل الفرد على صعيد الدين وهو في الآخرة، هو وحده مسؤول عن أعماله وهو وحده الذي سيجازي عنها إن خيرا فخير وإن شرا فشر. لكن الإسلام ليس دين الفرد فحسب، بل هو دين الأمة أيضا. إن من خصوصيات الإسلام أنه جاء بفكرة الأمة، وهي مفهوم لا يتقيد بقبيلة ولا بجنس، أمة الناس كافة، أعني المؤمنين به. وهدف الإسلام على هذا المستوى هو أن يجعل من الأمة الإسلامية "خير أمة أخرجت للناس". وهذا نوع من المشروع المستقبلي. لكن مع ذلك لا يمكن أن نقول إن المسلمين في القرون الوسطى فهموا المستقبل كما نفهمه اليوم. نعم كان هناك دوما مستقبل مرتبط بتبليغ الرسالة والنضال من أجلها، بل كان هناك نوع من التخطيط لمستقبل الأمة في الدنيا، كما فعل عمر بن الخطاب عندما عدل عن تقسيم أرض سواد العراق بين المقاتلين الفاتحين وفضل تركها كما هي مع فرض الخراج عليها، مبررا قراره بالتفكير في المستقبل، مستقبل الأجيال القادمة. وهذا نوع من "التخطيط" للمستقبل، بدون شك.
ومع ذلك فالتفكير للمستقبل بالمعنى المعاصر هو شيء جديد تماما، نظرا للتطور الذي حصل. ذلك أن فكرة "المستقبل" في الفكر الحديث ترتبط بفكرة أساسية وهي فكرة التقدم التي ظهرت في أوربا خلال القرن السابع عشر وانتشرت في القرن الثامن عشر. فعندما أخذت أوروبا تتقدم علميا وتكنولوجيا وثقافيا وفكريا، وصار الجديد شيئا يلمس في كل مجال، برزت فكرة "التقدم"، لا بوصفها تحيل إلى تقدم الفرد أو الجماعة فحسب، بل بوصفها تعبر عن اتجاه التاريخ، تاريخ البشرية كلها. ومن هنا ذلك الفرع من المعرفة، أو قل ذلك "المبحث" من الفلسفة الذي أطلق عليه "فلسفة التاريخ"، والذي في إطاره سنتحرك ملتمسين الجواب عن السؤال الذي طرحناه في مدخل هذا المقال ، والذي صغناه كما يلي": "متى بدأ الناس يوظفون الماضي في النظر إلى المستقبل؟ ومتى بدءوا يوظفون المستقبل في نظرتهم إلى الماضي؟ وبعبارة أخرى: متى صار الناس يفكرون في المستقبل بوصفه يمثل، بشكل من الأشكال، تجاوزا للماضي والحاضر؟".

يتبع
__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس